خاطرة الصباح: ((أوّل الغيث قطرة... ))
******************************
قرعت نافذتي صباح هذا اليوم حبّات المطرالمنهمر ،كما يقرعها العصفور الهارب المتبلّل، ليحتمي من لسعة برد قارس في الصباح الباكر عندما تتسلّل أشعة الشمس الخريفية الدّافئةإليها :
وحملت لي موسيقى انهمار قطرات المطر، بعد هذا الانحباس الطّويل له عن البلاد والعباد أحاسيس، وخواطر متنوعة،ولكنّها كلّها تحمل بشائر خير، ونعم، أنعم الله بها على مخلوقاته..
يحي بها الأرض، وماعليها من زرع وضرع:
قال تعالى في كتابه الكريم:
(وجعلنا من الماء كل شيء حي...))إلى آخر الآية الكريمة " الأنبياء: 31،
ومشهد المطر يدخل البهجة والسعادة إلى النّفس
قال الشاعرالعباسي ابن المعتز يصف فرحة الأرض باستقبال غيث السّماء:
وَمُزنَةٍ جادَ مِن أَجفانِها المَطَرُ == فَالرَوضُ مُنتَظِمٌ وَالقَطرُ مُنتَثِرُ
تَرى مَواقِعَها في الأَرضِ لائِحَةً == مِثلَ الدَراهِمِ تَبدو ثُمَّ تَستَتِرُ
ما زالَ يَلطُمُ خَدَّ الأَرضِ وابِلُها == حَتّى رَقَت خَدَّها الغُدرانُ وَالخُضَرُ
وما أجمل المطر، وهو ينهمر حبالا ممتدّة من السّماء إلى الأرض، تغسل الجوّ من الأترية المتناثرةفي طبقاته،وتنقّي الهواء،وتزيد في مخزون المياه في الطبقات السّفلى من الأرض،وكلما نضب هذا المخزون وشحّت كميّة مياهه،كلّما زحفت الغطاء الصحراوي إلى الأراضي الزراعية الرّيفية، كما يحدث في ريف منطقتنا اليوم..
ولفيلسوف الشعراء صورة جميلة في قناعة النّاس لطلب الماء في الصّحراء:
سِرتُم عَلى الماءِ في الحاجاتِ آوِنَةً == أَما قَنِعتُم بِسَيرٍ في فَيافيها
تَخاذَلَ الناسُ فَاِرتاحَت عُداتُهُمُ == إِنَّ المَعاشِرَ يُرديها تَقافيها
وفرحة الطيور بالمطر لاتقل عن فرحة البشر،ففي صباح هذا اليوم الخريفي الماطر،تعالت أصواتها من الغابة المجاورة لمنزلي،معلنة عودة المهاجر منها ،من رحلته البعيدة إلى وكناتها، وموطن تكاثرها،قال الشاعر ابراهيم عبد القادر المازني يصف اخضرار الأرض بعد مواتها، وفرح الطيوربالعودة الميمونة:
واخضرت الأرض واستحيا الموات== فهل يخضر لي بربيع الوصل موتان
حتى الطيور لضم اللَه ألفتها == فهل لنا بعد طول النأي لقيان
وكم أشتاق إلى سماع زقزقة العصافير في قريتي أيّام زمان ،وهي تحطّ على فنن أشجار الصفصاف والزيزفون،ويملاْ الوادي المجاور لمنزلي الرّيفي عرس تغريدها،ويشجي فؤادي تسجيع موسيقاها،ولقد توافق وصف الشاعرابراهيم طوقان، الظلال الوارفة،والأطياف السّاحرة ،وجوقة الألحان العذبة لأسراب طيور هذاالوادي، مع أطياف وادي قريتي وظلاله، عندما أنشد:
يا طيور الوادي غليل فؤادي == كان يشفيه بردُ تلكَ الظلال
يا طيور الوادي رزايا بلادي == مَزَجَتْ لي الغناء بالأعوال
غَشِيَتْهُ الطيور مختلفات == رائعات الأَلوان والأشكال
صادحات على أرائك في الأَي==ْ ك يَصِلْنَ الغدوَّ بالآصالِ
نغمات أرسلنَها ذات تسجي== ع وكرِّ في اللحن واسترسال
نشكر الله عزّ وجلّ على نعمه، ونبتهل إليه أن يغيثنا بمزيد من رحمته(ولئن طلبتم لأزيدّنكم..).
أيّها الأصدقاء دعونا نتفاءل بهذا الصباح الخريفي الماطر،ونقول:إنّما أوّل الغيث قطرة..
الكاتب : حيدر حيدر
سلمية في /7/12/2010/