منتدى الباحث الإسماعيلي موقع شخصي وغير رسمي |
المواقع الرسمية للاسماعيلية الآغاخانية | |
|
| أفلاطون 427 – 347 ق.م | |
|
+3فائق موسى الصقر بائعة الكبريت 7 مشترك | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
بائعة الكبريت عضو ذهبي
عدد الرسائل : 75 تاريخ التسجيل : 09/10/2010
| موضوع: أفلاطون 427 – 347 ق.م الأحد مارس 06, 2011 6:05 pm | |
| أفلاطون 427 – 347 ق.م ولد أفلاطون في أثينا أو في أجينا (الجزيرة الواقعة قبالة أثينا) في أسرة عريقة الحسب. تثقف كأحسن ما يتثقف أبناء طبقته، وقرأ شعراء اليونان ونظم الشعر التمثيلي. ثم أقبل على العلوم وأظهر ميلاً خاصاً للرياضيات. وفي سن العشرين تعرف إلى سقراط، فأعجب بفضله ولزمه. وما كاد يبلغ الثالثة والعشرين حتى أراد نفر من أهله وأصدقائه، وقد اغتصبوا الحكم بمساعدة "إسبرطه"، أن يقلدوه "أعمالاً تناسبه" فآثر الانتظار. وطغى الارستقراطيون وبغوا، وأمعنوا في خصومهم نفياً وتقتيلاً. وصادروا ممتلكاتهم، ثم انقسموا على انفسهم، فملأوا المدينة فساداً، وملأوا قلبه غماً. ولما هزمهم الشعب وقامت الديمقراطية، انصفت بعض الشيء، ولكن الديمقراطية أعدمت سقراط فيئس أفلاطون من السياسة. وأيقن أن الحكومة العادلة لا ترتجل ارتجالاً، وإنما يجب التمهيد لها بالتربية والتعليم. فقضى حياته يفكر في السياسة ويمهد لها بالفلسفة، ولم يكن له قط مشاركة عملية فيها. بعد موت معلمه سقراط اتجه إلى ميغاري حيث اتصل بإقليدس الرياضي الكبير، ثم سافر إلى مصر واتصل بمدرستها الكهنوتية، واطلع على علم الفلك. ثم زار جنوب ايطاليا، ثم إلى صقلية حيث حصل سوء تفاهم بينه وبين ملكها، فاعتقله الملك وأرسله إلى جزيرة "أجينا" التي كانت حليفة" إسبرطه" ضد "أثينا". فعرض في سوق الرقيق، فافتداه رجل من قورينا وعاد افلاطون إلى "أثينا". أنشأ في أثينا عام 387 مدرسة في أبنية تطل على بستان أكاديموس، فسميت لذلك "الأكاديمية". ظل يعلم فيها ويكتب أربعين سنة. وكان مستمعوه من الأثينيين ويونان الجزر وتراقيا وآسيا الصغرى، بينهم بضع نساء. وكان التعليم يتناول جميع فروع المعرفة، ونفي أفلاطون في أثناء حرب "فيليبوس المقدوني" على أثينا، فلم يشهد ما أصاب وطنه من انحطاط.
مصنفاته أفلاطون أول فيلسوف وصلت إلينا كتبه كلها، وهي كثيرة تتفاوت طولاً وقصراً. منها محاورات ومنها رسائل. نسب إليه الأقدمون ستة وثلاثين مصنفاً، قسموها إلى تسعة أقسام سميت "رابوعات" لاحتواء كل قسم على أربعة مصنفات. أما المحدثون فإنهم رتبوها بحسب صدورها ليمكن تتبع فكر الفيلسوف في تطوره. فقسموها إلى طوائف ثلاث معتمدين على كتاب "القوانين" (وهو آخر ما كتبه أفلاطون) في الأسلوب الأدبي والفلسفي. فالمحاورات التي أسلوبها بعيد عن أسلوب "القوانين" هي مصنفات الشباب، والمحاورات الأقرب هي مصنفات الكهولة، وأما المحاورات التي يظهر فيها الجدل الدقيق والجفاف فهي محاورات الشيخوخة. أما مصنفات الشباب فتسمى "بالسقراطية" لأن منها ما هو دفاع عن سقراط ومنها ما هو مثال للمنهج السقراطي. نذكر منها: "احتجاج سقراط"، على أهل أثينا. "إقريطون" يذكر فيها ما عرضه هذا التلميذ من الفرار، وما كان جواب سقراط. "أوطيفرون" يصف فيها موقف سقراط من الدين. "غورغياس" في نقد بيان السوفسطائيين وفي أصول الأخلاق. "بروتاغوراس" في السوفسطائي، ما هو، وما الفائدة من تعليمه، وهل يمكن تعليم السياسة والفضيلة، والمقالة الأولى من كتاب "الجمهورية" في العدالة، هل هي وضعية أم طبيعية (والكتاب معروف عند العرب باسم "بوليطيا الصغير" ويعرف أيضاً عندهم باسم "كتاب السياسة"). أما مصنفات الكهولة فأهمها "مينون" يحاول فيها أن يحد الفضيلة، فيعرض نظريته في أن العلم ذكر معارف مكتسبة في حياة سماوية سابقة على الحياة الأرضية. "المأدبة" (أو "سمبوسيوم" أو "النادي" عند الاسلاميين) يدرس الحب ويشرح مذهبه في الحب الفلسفي. "فيدون" (أو "فاذن" عند الاسلاميين) يصور المثل الأعلى للفيلسوف ويدلل على خلود النفس ويقص موت سقراط. "الجمهورية" (تسع مقالات) يرسم المدينة المثلى. "بارميندس" يراجع فيها نظرية "المثل". "تيتياتوس" يحد فيها العلم ويعلل الخطأ. وأما مصنفات الشيخوخة فمنها "السياسي" ("بوليطيقوس" أو "المدبر" أو "مدبر السياسة" عند الاسلاميين) يسأل ما هو، ويعود إلى مسائل "الجمهورية". "طيماوس" يصور تكوين العالم، فيذكر الصانع والطبيعة إجمالاً وتفصيلاً. و"في القوانين" تشريع ديني ومدني وجنائي في اثنتي عشرة مقالة، وهذا الكتاب هو الوحيد الذي خلا من شخص سقراط. وقد جمعت لأفلاطون أيضاً "رسائل" خاصة.
المعرفة أفلاطون أول فيلسوف بحث مسألة المعرفة لذاتها. وجد نفسه بين رأيين متعارضين: رأي من يرد المعرفة إلى الإحساس ويزعم أنها جزئية متغيرة (مثل السوفسطائيين)، ورأي سقراط الذي يضع المعرفة الحقة في العقل ويجعل موضوعها الماهية المجردة الضرورية. فاستقصى أنواع المعرفة، فكانت أربعة: 1) الإحساس: وهو إدراك عوارض الأجسام أو أشباحها في اليقظة وصورها في المنام. 2) الظن: وهو الحكم على المحسوسات بما هي كذلك، وهذه الأحكام نسبية متغيرة لتعلقها بالمادة. 3) الاستدلال: وهو علم الماهيات الرياضية المتحققة في المحسوسات (مثل الحساب والفلك والهندسة والموسيقى). فإن هذه العلوم، ولو أنها تبدأ من المحسوسات وتستعين بها، إلا أن لها موضوعات متمايزة من المحسوسات ولها مناهج خاصة. فمثلاً الحساب علم يبحث عن الأعداد أنفسها بصرف النظر عن المعدودات، والهنسة هي النظر في الأشكال أنفسها، والفلك يفسر الظواهر السماوية بحركات دائرية راتبة، والموسيقى علم يكشف النسب العددية المقومة للألحان. هذه العلوم تضع أما الفكر صوراص كلية، ونسباً وقوانين تتكرر في الجزئيات، لذا يستخدم الفكر الصور المحسوسة في هذه الدرجة من المعرفة لكن لا كموضوع بل كواسطة لتنبه المعاني الكلية المقابلة لها والتي هي موضوعه. 4) التعقل: وهو إدراك الماهيات المجردة من كل مادة:مثلاً نرى الشيء الواحد كبيراً بالإضافة إلى آخر، صغيرا ً بالإضافة إلى ثالث، مما يدل على أنه في نفسه ليس كبيراً أو صغيراً، وأن الكبر والصغر معنيان مفارقان له نطبقهما عليه. وكأن ترى الشيء الواحد شبيهاً بآخر أو مضاداً أو مبايناً، مساوياً أو غير مساوٍ، جميلاص خيراً عادلاً، إلى غير ذلك من الصفات المفارقة للأجسام، والمتعلقة من غير معاونة الحواس. فنتساءل عن الكبر والصغر والتشابه والتضاد والتباين والتساوي والجمال والعدالة وما إليها، كيف حصلنا عليها وهي ليست محسوسة، وهي ضرورية لتركيب الأحكام على المحسوسات. فيلوح لنا حينئذ أنها موجودة في العقل قبل الإدراك الحسي.
نظرية المُثُل لا بد أن تكون تلك المعاني الضرورية للحكم على المحسوسات موجودة في العقل قبل الإدراك الحسي، لأنها هي التي تجعل الحكم ممكناً، ولأنها مجردة عن المادة وعوارضها، كاملة ثابتة. فلا يمكن أن تحصل في النفس عن الأجسام الجزئية المتغيرة، فلا يبقى إلا أنها حصلت في العقل عن موجودات مجرة كاملة ثابتة مثلها، وأن هذه الموجودات، التي هي مباديء المعرفة عندنا، هي أيضاً مباديء الأجسام، وأن الجسم جزء من المادة "يشارك" في واحد من تلك الموجودات المجردة، فيتشبه به ويحصل على شيء من كماله ويسمى باسمه. فالموجودات المجردة "مُثُلٌ" الأجسام (واحدها "مثال") يؤلف مجموعها "العالم المعقول"، كما أن مجموع الأجسام يؤلف العالم المحسوس، والمثال هو الموجود بذاته، فإذا تحدثنا عنه قلنا "الانسان بالذات، والماء بالذات والعدالة بالذات" إلى غير ذلك. أما الجسم فشبه له وصورة زائلة. وكما أن الأجسام مترتبة بعضها فوق بعض في أنواع وأجناس، فكذلك المثل حتى تنتهي إلى واحد يدعوه أفلاطون تارة مثال الخير، ليدل على أن الخيرية مبدأ الإيجاد والفيض، وأخرى بمثال الجمال ليدل على أن غايتنا القصوى ليست في الجمالات الناقصة الزائلة بل في الجمال بالذات الكامل الدائم، وثالثة بالصانع يقصد به موجوداً خيراً بالذات أراد أن يفيض خيريته فنظم المادة المضطربة محتذياً بالمثل، فكان منها هذا العالم المنسجم الجميل. والثلاثة مرادفة لله.
كيف عرفنا العالم المعقول؟ إن شيئاً من التأمل يدلنا على أننا نستكشف المثل في النفس بالتفكير. وما علينا إلا أن نجرب الأمر في فتى لم يتلق الهندسة. نجده يجيب عن الاسئلة إجابة محكمة ويستخرج من نفسه مباديء هذا العلم. فإذا كنا نستطيع أن نستخرج من أنفسنا معارف لم يلقنها أحد، فلا بد أن تكون كامنة في النفس، ولما كانت النفس لم تكتسبها من عالم المحسوسات، فلا بد أن تكون قد اكتسبتها في حياة سابقة على الحياة الراهنة. فكلما أدركت أشباحها بالحواس تذكرتها وحكمت بها على تلك الأشباح. بذلك يفسر اكتسابنا للعلم بالاتصال بين المعقول والمحسوس في النفس، فالعلم تذكُّر المُثُل، والجهل نسيانها. وفعلاً يقول أفلاطون أن النفس كانت أول أمرها في العالم المعقول خالصة من الجسم والمادة، تشاهد المثل في صحبة الآلهة، ثم ارتكبت إثماً فكان عقابها الهبوط إلى الجسم، فغشت كثافة مادته على بصيرتها وأنستها علمها، غير أن الحواس إذا تظهرها على الجزئيات تنبه فيها علمها القديم وتستحثها على استكماله.
قصة الكهف هذا العالم المعقول مثلنا معه مثل أناس وضعوا في كهف منذ الطفولة، وأوثقوا بسلاسل ثقيلة بحيث لا يستطيعون نهوضاً ولا مشياً ولا تلفتاً. وأُديرت وجوههم إلى داخل الكهف، فلا يملكون النظر إلا أمامهم مباشرة، فيرون على الجدار ضوء نار عظيمة، وأشباح أشخاص وأشياء تمر وراءهم. ولما كانوا لم يروا في حياتهم الاشباح، فإنهم يتوهمونها أعياناً. فإذا أطلقنا أحدهم وأدرنا وجهه للنار فجأة، فإنه ينبهر ويتحسر على مقامه المظلم، ويعتقد أن العالم الحق معرفة الأشباح. ثم يفيق من ذهوله وينظر إلى الأشياء في ضوء الليل الباهت، أو إلى صورها المنعكسة في الماء، حتى تعتاد عيناه ضوء النهار ويستطيع أن ينظر إلى الاشياء أنفسها ثم إلى الشمس مصدر كل نور. فالكهف هو العالم المحسوس، وإدراك الأشباح المعرفة الحسية، والخلاص من الجمود إزاء الأشباح يتم بالجدل، والأشياء المرئية في الليل أو في الماء هي الأنواع والأجناس والأشكال، أي الأمور الدائمة في هذه الدنيا. فالأشياء الحقيقية هي "المُثُل"، والنار ضوء الشمس، والشمس مثال الخير أرفع "المُثُل" ومصدر الوجود والكمال. فالفيلسوف الحق هو الذي يميز بين الأشياء المشاركة ومثلها، ويجاوز المحسوس المتغير إلى نموذجه الدائم ويؤثر الحركة على الظن فيتعلق بالخير بالذات وبالجمال بالذات.
الوجود الله يبرهن أفلاطون على وجود الله بواسطة الحركة والنظام. ويميز أفلاطون سبع حركات: حركة من يمين إلى يسار، ومن يسار إلى يمين، ومن أمام إلى خلف، ومن خلف إلى أمام، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، وحركة دائرية. وحركة العالم دائرية منتظمة لا يستطيعها العالم بذاته، فهي معلولة لعلة عاقلة، وهذه العلة هي الله. فالله هو من أعطى العالم حركة دائرية على نفسه ومنعه من الحركات الست الأخرى الطبيعية، كي يمنعه من الجري على غير هدى (محاورة تيماوس 34أ و 43ب). أم بخصوص النظام فيقول أن العالم آية فنية غاية في الجمال ولا يمكن أن يكون النظام البادي فيما بين الأشياء بالاجمال، وفيما بين أجزاء كل منها بالتفصيل، نتيجة علل اتفاقية، ولكنه صُنع عقل كامل توخى الخير ورتب كل شيء عن قصد. فيعرف أفلاطون الله بأنه روح عاقل، محرِّك، منظِّم، جميل، خيِّر، عادل، كامل. وهو بسيط لا تنوع فيه. ثابت لا يتغير. صادق لا يكذب ولا يتشكل أشكالاً مختلفة، كما صوره شعراء الإغريق. وهو كله في حاضر مستمر، فإن أقسام الزمان لا تُلائم إلا المحسوس ونحن حينما نضيف الماضي والمستقبل الى الجوهر الدائم فنقول كان وسيكون، ندل على أننا نجهل طبيعته، إذ لا يلائمه سوى الحاضر. وهو معني بالعالم.
العالم يعرض أفلاطون قصة تكوين العالم في محاورة "تيماوس". و"تيماوس" فيثاغوري، أنطقه أفلاطون لأن تكوين العالم قائم على مباديء عقلية رياضية. كان العالم في الأصل "مادة رخوة" أي غير معينة ولكن قابلة للتعيين. فليست العناصر (الماء والهواء والنار وا لتراب) مباديء الأشياء لأنها معينة من جهة، ولأنها من جهة أخرى تتحول بعضها إلى بعض، فيدلنا هذا التحول على أنها صور مختلفة تتعاقب في موضوع واحد غير معين في ذاته. هذه المادة الأولى كانت تتحرك حركات اتفاقية، تلك الحركات الست (دون الحركة الدائرية) من غير نفس تدبرها. فاتحدت ذراتها على حسب تشابهها في الشكل وألفت العناصر الأربعة: النار، مؤلفة من ذرات هرمية، أي ذات أربعة أوجه تشبه سن السهم، لذلك كانت أسرع الأجسام وأنفذها. والهواء مؤلف من ذرات ذات ثمانية أوجه، أي من هرمين. والماء من ذرات ذات عشرين وجهاً. والتراب أثقل الأجسام من ذرات مكعبة. وبعد أن انتظمت المادة هذا النوع من التنظيم بتوزعها عناصر أربعة - وهو أقصى ما تستطيع أن تبلغ إليه بذاتها – ظلت العناصر مضطربة هوجاء "كما يكون الشيء وهو خلو من الآلهة" حتى عيّن الصانع لكل منها مكانه ورتب حركته (تيماوس 52-57). ثم فكر الصانع في أن يجعل العالم أبدياً، لا كأبدية النموذج، فإنها ممتنعة على الكائن الحادث. فعني بصنع "صورة متحركة للأبدية الثابتة" فكان الزمان يتقدم على حسب قانون الأعداد، وكانت الأيام والليالي والشهور والفصول، ولم يكن من قبل. ورأى الصانع أن خير مقياس الزمان حركات الكواكب. فأخذ ناراً وصنع الشمس والقمر والكواكب الأخرى مشتعلة مستديرة، وجعل لكل منها نفساً تحركه بعد صنع النفس العالمية. إلا أنه جعل تركيبها أقل دقة من تركيب هذه، فكانت أدنى منها مرتبة، ولكنها إلهية مثلها عاقلة خالدة، يأتيها الخلود لا من طيب عنصرها، بل من خيرية الصانع تأبى عليه أن يعدم أحسن ما صنع.
النفس الانسانية يقول أفلاطون أن النفوس البشرية كانت في عالم الكواكب تتبعها، كما في عربة، لتطل على عالم المُثُل. وعجزت في إحدى محاولاتها، عن اللحاق بنفوس الكواكب وبلوغ قمة السماء، ومشاهدة عالم المُثل، فهبطت من علوها، الى البدن البشرية. وإذاً هبوط النفس إلى البدن نتيجة عجز، ومن باب التجوز، يدعو أفلاطون عجزها جناية، وهبوطها عقاباً. أما رأي أفلاطون في ماهية النفس وعلاقتها بالجسم فلا يخلو من التردد والغموض. ففي المحاورة الواحدة (الفيدون) يحد النفس تارة بأنها فكر خالص، وطوراً بأنها مبدأ الحياة والحركة والجسم، دون أن يبين ارتباط هاتين الخاصتين، ولا أينهما الأساسية. كذلك الحال في علاقة النفس بالجسم: فتارة يعتبرهما متمايزين فيقول أن الانسان النفس، وأن الجسم آلة، وتارة يضع بينهما علاقة وثيقة، فيذهب إلى أن الجسم يشغلها عن فعلها الذاتي (الفكر) ويجلب لها الهم بحاجاته وآلامه، وأنها هي تقهره وتعمل على الخلاص منه (فيدون)، دون أن يبين أفلاطون ماهية هذا التفاعل، بل هو يذهب بهذا التفاعل إلى حد علاج الجسم بالنفس والنفس بالجسم (تيماوس) وقيام الشعور والادراك في النفس عند تأثر الجسم بالحركة المادية على ما بين هذه الحركة والظاهرة النفسية من تباين. وفي "الجمهورية" يرد الأفعال النفسية الى ثلاثة: الإدراك والغضب والشهوة، ويسأل هل يفعل الإنسان بمباديء مختلفة، أم مبدأ واحداً بعينه هو الذي يدرك ويغضب ويحس لذات الجسم؟ فيقرر أن المباديء عدة، لأن شيئاً ما لا يحدث ولا يقبل فعلين متضادين في وقت واحد من جهة واحدة، فلا يضاف اليه حالات متضادة إلا بتمييز أجزاء فيه، فيجب أن نميز في النفس جزءاً ناطقاً وجزءاً غير ناطق، لما نحسه فينا من صراع بين الشهوة تدفع إلى موضوعها والعقل ينهى عنه. ولنفس السبب يجب أن نميز في الجزء غير النطقي بين قوتين هما الغضب والشهوة؛ فالغضب متوسط بين الشهوة والعقل، ينحاز تارة إلى هذا، وطوراً إلى تلك، ولكنه يثور بالطبع للعدالة. ونحن لا نغضب على رجل مهما يسبب لنا من ألم إذا اعتقدنا أنه على حق، لذلك كثيراً ما يناصر الغضب العقل على الشهوة، ويعينه على تحقيق الحكمة في ما هو خلو من العقل والحكمة (الجمهورية، م4). وهذا كلام يدل على وجود قوى ثلاث في النفس الواحدة. ولكن أفلاطون (في محاورة تيماوس) يضع ثلاث نفوس، ويعين لكل منها محلاً في الجسم، فيضيف إلى صعوبة التوفيق بين النفس والجسم صعوبة التوفيق بين النفوس الثلاث. وفي محاورة "فيذروس" يشبه النفس في حياتها السماوية الأولى بمركبة مجنحة، الحوذي فيها العقل، والجوادان الارادة والشهوة. وكلامه في "تيماوس" يشعر بأن الغضبية والشهوانية صنعهما الآلهة للحياة الأرضية والوظائف البدنية. أما فيما يتعلق بخلود النفس فقد اختص أفلاطون هذه المسألة بقسط كبير من عنايته، ذكرها في جميع كتبه، فخصص لها محاورة "فيدون" حيث يأتي بثلاثة أدلة: أولها عرض لرأي متواتر يقول أن النفس التي تولد في هذه الدنيا تأتي من عالم آخر كانت ذهبت إليه بعد موت سابق، وأن الأحياء يبعثون من الأموات، فإذا صح هذا الرأي فإن النفس لا تموت بموت الجسم. لكن هذا تسليم برأي لا تدليل. والدليل الثاني يدور على تعقل المثل: فإن المُثل بسيطة، ومن ثمة فهي ثاتبة، إذ أن المركب هو الذي ينحل الى بسائطه ويتحول، أما البسيط فلا يجوز عليه تحول أو انحلال، فلا بد أن تكون النفس التي تعقل المثل شبيهة بها، على حسب القول القيدم: "الشبيه يدرك الشبيه". وعلى ذلك فالنفس بسيطة ثابتة ("الفيدون"، وهذا الدليل وارد في الجمهورية أيضاً، م 10). والدليل الثالث قائم على نظرية المشاركة: لما كانت النفس حياة، فهي مشاركة في الحياة بالذات، ومنافية للموت بالطبع، وليست تقبل الماهية ما هو ضد لها، فالنفس لا تقبل الموت (الفيدون). في نهاية حياتها الأرضية الأولى، تعود النفس الى العالم الآخر: الصالحة الى السماء تنعم فيها، والشريرة إلى أحشاء الأرض تكفر عن آثامها. بعض نفوس الأشرار قد تخلد في العذاب، وقد تفنى، لكثرة ما تمادت في الإثم. أما باقي النفوس الشريرة، وكل النفوس الصالحة، فتعود، بعد ألف سنة، إلى أجسام جديدة، إلى تناسخ أول. تختار هذه النفوس بالقرعة نوع حياتها الجديدة، ونوع بدنها، فتكون رجلاً أو امرأة، أو حيواناً، وتسلك سبلاً من العيش لا تحصى. وقد تختار نفس صالحة حياة سيئة، كما قد تختار شريرة حياة سعيدة. ثم تشرب كل هذه النفوس شراباً ينسيها كل ما رأت، وتنام لتستيقظ نصف الليل، على صوت صاعقة، وتغور عبر السماء حتى تنتهي إلى ما اختارت من أجسام أرضية. ويتكرر التناسخ لهذه النفوس ألف سنة بعد ألف، بعضها يشقى وبعضها ينعم، إلى أن يتم لها عشرة آلاف سنة من التناسخ والجهاد. وحينئذ تعد جميعها إلى عالم الكواكب، وتقوم بمحاولات جديدة لتطل على عالم المُثل: ان استطاعت عاشت عشرة دورة عشرة آلاف سنة أخرى سعيدة في عالم الكواكب، وإن عجزت هبطت إلى عالم الأبدان مدة عشرة ألاف سنة تتجسد وتتناسخ، وتعود في نهايتها إلى عالم الكواكب لتقوم بمحاولة جديدة.
الأخلاق قال السوفسطائيون: ان القانون الخلقي الذي يخشاه الناس إنما هو من وضع الناس كالقانون المدني، لا من وضع الطبيعة، بل ان الطبيعة تأباه وتعارضه: فبحسب الطبيعة الأمر الأقبح هو الأخسر، والأخسر تحمّل الظلم، وبحسب القانون الخلقي ارتكاب الظلم هو الأخسر والأقبح. ولقد نشأ هذا التباين من أن القانون سنه الضعفاء والسواد الأعظم بالإضافة إلى مصلحتهم الخاصة، فقصدوا الى تخويف الأقوياء وصدهم عن التفوق عليهم، وذهبوا الى أن النظام يقوم بالذات في إرادة التسامي على الآخرين. ولكن الطبيعة تقدم الدليل على أن العدالة الصحيحة تقضي بأن يتفوق الآخر الأحسن الأقدر، وأن علامة العدالة سيادة القوي على الضعيف، وإذعان الضعيف لهذه السيادة. ثم يلاحظ أن الكل يطلب السعادة، فكيف يستطيع أن يعيش سعيداً من يخضع لأي شيء كان، قانوناً أم أنساناً؟ إلا أن العدالة والفضيلة والسعادة بحسب الطبيعة أن يتعهد الانسان في نفسه أقوى الشهوات، ثم يستخدم ذكاءه وشجاعته لإرضائها مهما تبلغ من قوة، مع تظاهره بالصلاح لإسكات العامة والانتفاع بحسن الصيت، ولا يتسنى هذا لغير الرجل القوي. يلاحظ أفلاطون على هذا القول فيسأل: إن كانت الكثرة هي التي فرضت القانون، فهي الأحسن من حيث أنها الأقدر وقوانينها حسنة حسب الطبيعة لأنها قوانين الأقدر. وإن كانت ترى أن العدالة تقوم في المساواة وأن الظلم اقبح من الانظلام، فرأيها مطابق للطبيعة، وإذاً لا تعارض بين الطبيعة والقانون. ثم هل الأقوى هو الأسعد؟ كلا، إن حياته مخيفة تعسة. هو يميل إلى الإسراف في شهوته، ولما كان الاشتهاء ألماً من الحرمان، كان انماء الشهوات لأجل ارضائها عبارة عن تعهد آلام في النفس لا يهدأ، وكانت حياة الشهوة موتاً متكرراً، مثلها مثل الدن المثقوب تصب فيه فلا يمتليء، أو مثل الأجرب لا يفتأ يحس حاجته لحك جلده فيحك بقوة فتزيد حاجته ويقضي حياته في هذا العذاب. مثل هذا المخلوق لا يمكن أن يحبه الناس، ولا ترضى عنه الآلهة، بل لا تمكن معاشرته، فلا يذوق لذة الصداقة، فهو شقي للغاية، والدولة التي يحكمها أشقى الدول.
الفضيلة الفضائل ثلاث تدبر قوى النفس الثلاث: الحكمة فضيلة العقل تكمله بالحق، والعفة فضيلة القوى الشهوانية تلطف الأهواء فتترك النفس هادئة والعقل حراً، ويتوسط هذين الطرفين الشجاعة وهي فضيلة القوة الغضبية تساعد العقل على الشهوانية فتقاوم إغراء اللذة ومخافة الألم. والحكمة أولى الفضائل ومبدؤها. فلولا الحكمة لجرت الشهوانية على خليقتها, وانقادت لها الغضبية. ولو لم تكن العفة والشجاعة شرطين للحكمة تمهدان لها السبيل وتشرفان بخدمتها، لما خرجتا من دائرة المنفعة إلى دائرة الفضيلة، إذ "ما الهرب من لذة لنيل لذة أعظم، سوى عفة مصدرها الشره، وما خوض الخطر لاجتناب خطر آخر، سوى شجاعة مصدرها الخوف. ليست الفضيلة هذه الحسبة النفعية التي تستبدل لذات بلذات وأحزاناً بأحزان ومخاوف بمخاوف، كما تستبدل قطعة من النقد بأخرى، فإن النقد الجيد الوحيد الذي يجب أن يستبدل بسائر الأشياء هو الحكمة؛ بها نشتري كل شيء ونحصل على كل الفضائل. أما الفضيلة الخالية منا لحكمة، والناشئة عن التوفيق بين الشهوات، فهي فضيلة العبدة" (فيدون). فالفضيلة إذاً من جنس العقل والنفس، ولا يسوغ ان نذكرها إلا بالإضافة اليهما؛ والحياة الفاضلة لا تستمد قيمتها من لذتها أو منفعتها، بل من هذه الإضافة، ويستحيل على من ينكر النفس والعقل أن يبلغ الى معنى الفضيلة. واذا ما حصلت هذه الفضائل الثلاث للنفس، فخضعت الشهوانية للغضبية والغضبية للعقل، تحقق في النفس النظام والتناسب. ويسمي أفلاطون حالة التناسب هذه بالعدالة، باعتبار أن العدالة، بوجه عام، اعطاء كل شيء حقه. فليست العدالة عنده فضيلة خاصة، ولكنها حال الصلاح والبر الناشئة عن اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة. والعدالة الاجتماعية هي تحقيق مثل هذا النظام في علاقات الأفراد. إن الرجل الصالح في نفسه صالح بالضرورة في معاملاته، والعكس بالعكس. إن العدالة تستتبع الإحسان تاماً شاملاً، فلا نحدها بأنها الإحسان إلى الأصدقاء والإساءة إلى الأعداء، لأن الإساءة إساءة إلى النفس أولاً. فالذي يقابل الشر بالشر يفقد عدالته، ويزيد الشرير شراً، فتنتج هذه العدالة المزعزعة ضدها من الناحيتين، وهذا خلف. استمع إلى سقراط يتحدى السوفسطائيين ويقلب آيتهم رأساً على عقب، حيث يقول: "أنا لا أبتغي ارتكاب الظلم ولا تحمله، ولكن إذا وجب الاختيار فأنا اختار الثاني". ويقول:"أنا أنكر أن يكون منتهى العار أن أصفع ظلماً، أو أن تقطع أعضائي، أو أن أسلب مالي، وأدعي أن العار يلحق بالمعتدي، وأن الظلم أقبح وأخسر لصاحبه منه لضحيته" (جورجياس). فالفضيلة علم؛ والفاضل هو الحاصل على العلم بالخير، يعرف ما يجب أن يفعل في كل حالة، لأن نظره شاخص دائماً إلى الخير المطلق.
السياسة السياسة عند أفلاطون هي العدالة في المدينة، كما أن الفضيلة هي العدالة في الفرد. لذلك يفتتح القول في "الجمهورية" بمحاولة لتحديد معنى العدالة: 1) إذا قيل أن العدالة هي أن نرد للغير ما يجب له، يرد سقراط (وهو بطل الحوار) سائلاً: هل من العدل، مثلاً، أن نرد لصديق جن سلاحاً أو مالاً أودعه عندنا؟ 2) وإذا قيل ان أن العدالة هي نفع الأصدقاء ومضرة الأعداء، يرد سقراط أن الانسان قد يخدع، فيصادق الأشرار ويعادي الأخيار، فتصبح العدالة نفع الشرير ومضرة الصالح. ثم أن الإساءة إلى الشرير تجعله أسوأ، فلا يجوز للعادل أن يسيء إلى إنسان. 3) وإذا قيل أن العدالة هي ما فيه نفع الأقوى، أي نفع الحاكم، هي خضوع الرعية لقوانين السلطان، يرد سقراط قائلاً: أن الحاكم قد يغلط، فيضع قوانين مضرة له. ثم أن الحاكم الصالح لا يبغي من وضع القوانين نفعه الخاص، بل نفع الرعية. 4) وأخيراً قيل أن العدالة هي قوانين فرضها خوف التظالم: رأى الناس أن مقاساة الظلم أسوأ من اقترافه. لهذا بعد أن تظالم الناس، وقاسوا وطأة العدوان، وخبروا العدالة والظلم كليهما ... رأوا من الخير أن يتفقوا على ألا يظلموا أو يُظلموا. ومن هنا نشأت القوانين والمعاهدات، ودعوا ما قضى به القانون مشروعاً عادلاً. ذاك هو أصل العدالة وجوهرها (الجمهورية 1- 359) لدى هذا التحديد رأي سقراط أن يبحث العدالة على نطاق أوسع، فتبدو بنوع أوضح. رأى أن يبحث ما العدالة في الدولة قبل أن يحدد ما العدالة في الفرد. يقرر أفلاطون، بعد ذلك، أن الاجتماع ظاهرة طبيعية ناشئة من تعدد حاجات الفرد وعجزه عن قضائها وحده. تألف الناس أولاً جماعات صغيرة تعاونت على توفير المأكل والمسكن والملبس، ثم تزايد العدد حتى ألفوا مدينة. فلم تستطع أن تكفي نفسها بنفسها، فلجأت إلى التجارة والملاحة. هذه المدينة الأولى مدينة الفطرة، مثال البراءة السعيدة، ليس لها من حاجات إلا الضروري. ولكن هذا العصر الذهبي انقضى يوم فطن الناس إلى جمال الترف والفن، فنبتت فيهم حاجات جديدة، و استحدثوا صناعات لارضائها. وضاقت الأرض بمن عليها، فنشبت الحروب وتألفت الجيوش. هذه المدينة الثانية هي المدينة المتحضرة وهي عسكرية. فعلى أية صورة نبني مدينتنا لنحقق فيها العدالة؟ يجب أن نشخص بأبصارنا إلى "المدينة بالذات": فنجد أن بينها وبين النفس شبهاً قوياً: فإن للمدينة ثلاث وظائف: الإدارة والدفاع والانتاج، تقابل قوى النفس الثلاث: الناطقة والغضبية والشهوانية. فإذن يجب أن تتركب المدينة من طبقات ثلاث: الحكام والجند والشعب. الطبقتان الأولى والثانية حراس المدينة، حراسها من الخلل الداخلي والخطر الخارجي، فهم عمادها واليهم يجب أن توجه العناية بنوع خاص. لأجل تخريج الحراس يجب أن نميز من بين الأحداث، ذكوراً وإناثاً، أصحاب الاستعداد الحربي، فنفصلهم طائفة مستقلة ونتعهدهم بالتربية، ولو أن المرأة اضعف من الرجل إلا أنها قد تصلح لجميع ما اختص به نفسه من أعمال، كالطب والموسيقى والعلم والفلسفة والرياضة والحرب؛ فليس ما يمنع من تكليف النساء الحراسة متى ساوين الرجال في الكفاءة لها. والأصل في الوظيفة أنها تقلد للكِفء دون أي اعتبار آخر. ونحن سنربي الحراس على الفضيلة، فيكون للنساء الحارسات من فضيلتهن سياج متين. نأخذ الحراس أذن بتربية واحدة إلى الثامنة عشرة، فنرتب لهم رياضات بدنية تقوي أجسامهم، ونغذي نفوسهم بالآداب والفنون، نبدأ بتلقينهم القصص الجدية البريئة الحاثة على الخير، ولا نعلمهم قصص هوميروس وهزيود ومن نحا نحوهم من الشعراء، فقد سممت عقول اليونان وأفسدت ضمائرهم بما ترويه عن الآلهة والأبطال من قبيح الأفعال، بل ننفي من المدينة كل شاعر لا يرعى حرمة الحق والفضيلة، وننفي سائر الفنانين ممن يستخدمون فنهم لإثارة أفكار شريرة وعواطف رديئة، ولا نستبقي غير الفنانين الفضلاء. وعند الثامنة عشرة يكف الحراس عن الدرس ويزاولون التمرينات العسكرية. فإذا ما بلغوا العشرين فصل الأجدرون منهم طائفة على حدة، يعكفون على دراسة الحساب والهندسة والفلك والموسيقى، وهي علوم تستخدم معاني مجردة وتعتمد على البرهان، فتصقل العقل وتنبه الروح الفسلفية، ويقضون في ذلك عشر سنين. فإذا ما بلغوا الثلاثين يميز من بينهم أهل الكفاية الفلسفية الذين يتوفر فيهم شرف النفس ومحبة الحق وضعف الشهوة وسهولة الحفظ، فيقضون خمس سنين في دراسة الفلسفة والمران على المناهج العلمية ليجيدوا فهم الحقيقة والدفاع عنها. وعند الخامسة والثلاثين يعهد إلى هؤلاء الفلاسفة بالوظائف الحربية والإدارية إلى سن الخمسين، فالذين يمتازون في العمل كما قد امتازوا في النظر يُرقّون إلى مرتبة الحكام ويدعون الحراس الكاملين. بأمثالهم تصلح حال المدينة لأن الفيلسوف وحده يعلم الخير ويريده إرادة صادقة، هو وحده يستطيع أن يتصور القوانين العادلة تصوراً علمياً وأن يلقنها للآخرين بأصولها وبراهينها فتدوم في المدينة. وعلى ذلك فالفلسفة هي الوسيلة الوحيدة لوضع سياسة محكمة مستديمة. هذا البرنامج الطويل وما يتضمنه من تكاليف عديدة لا يدع للحراس سبيلاً لتحصيل معاشهم، لذلك يعيشون معاً على نفقة الدولة، وحيظر عليهم اقتناء الذهب والفضة، سواء كان نقوداً أم آنية أم حلياً، ما داموا في غير حاجة إليه؛ فتزول من نفوسهم شهوات الحياة العامة وشواغلها. كذلك تنتزع من نفوسهم عواطف الأسرة وشواغلها، فيحظر عليهم أن يكون لهم أسرة، وإنما يكونون جميعاً للجميع، ولكن لا اتفاقا، بل يقيم الحكام كل سنة، في أحسن الأوقات وأسعد الطوالع، حفلات دينية يعقدون فيها لكل كفء على كفئه من الجنسين زواجاً مؤقتاً، الغرض منه الإنسال على قدر حاجة الدولة. ويوضع الأطفال في مكان مشترك يعنى بهم فيه أناس خصيصون. وتأتي الأمهات يرضعنهم دون أن يعرفنهم، فلا يوجد بين الحراس قرابة معروفة، ولكنهم جميعاً أسرة واحدة يعتبر بعضهم بعضاً قريباً. ولما كان الزواج بين أفراد مختارين ممتازين فالغالب أن يجيء النسل ممتازاً. فاشتراكية أفلاطون أو شيوعيته قاصرة على طبقة الحراس. أما الشعب، من زرّاع وصناع وتجار، فلهم أن يتملكوا مصادر الانتاج وآلاته تملكاً شخصياً، وأن يستغلوها ويتاجروا بنتاجها كما يرون، ولهم أن ينشئوا اسرة لا يقيدهم الحكام بغير تحديد النسل. فإن من واجبات الحكام مراقبة المواليد لمنع الزيادة البالغة في عدد السكان، فإن ولد للشعب أو للحراس أطفال في غير الزمن المحدد أعدموا، كذلك يعدم الطفل ناقص التكوين والولد فاسد الإخلاق والرجل الضعيف عديم النفع والمريض الذي لا يرجى له شفاء، لأن الغاية هي أن يظل عدد السكان في المستوى الذي يكفل سعادة المدينة، وأن يحتفظ بقيمتهم البدنية والأدبية. وتدوم المدينة المثلى ما دام الحكام معنيين بتربية الأطفال، مستبقين طبقة الحراس في المستوى اللائق، وينزلون إلى الطبقة الثالثة من يلحظون فيه انحطاطاً من أولاد الحراس، ويرقون إلى الحراسة من يتوسمون فيه الأهلية لها من أولاد الشعب.
الخروج عن العدالة: المدن غير العادلة
1) الدولة التيموقراطية قد يخطيء الرئيس في اختيار الوقت الملائم للتزويج، فينجب للدولة أولاد حين لا ينبغي او أن يخلط بين الأكفاء وغير الأكفاء، فينجب للدولة أولا بعيدون عن مشابهة آبائهم حكمة واعتدالاً، أو أن يتهاون في تربية الاحداث، فيضطرب النظام وتنشب الفتن، فيقع بينهم الشقاق وينتهون بأن يتقاسموا أراضي الشعب وبيوته، ويطغى حب الغنى، فتصبح الحرب وسيلة إليه ويصبح الدور الأول للأقوى. فيجمع الثروة ويشبع شهواته، فيختل نظام الطبقات: لم يعد الحكم للفلاسفة، وأقبل الحراس على المال يتنازعونه ويتقاسمونه: هذه هي الدولة التيموقراطية. 2) الدولة الأوليغارخية: يقوى حب المال في الدولة التيموقراطية ويصبح تقدير الغني فوق كل تقدير، فيثرى البعض دون البعض، وفتتفكك وحدة الجماعة وتنقسم المدينة الى اثنتين: الأغنياء والفقراء، وتسود الشهوات الدنيئة، ويكثر اللصوص. هذه هي الأوليغارخية أو حكومة الأغنياء. 3) الدولة الديمقراطية يزداد الأغنياء طلباً للثروة، فيقرضون الشبان الموسرين مالاً بالربا ينفقه هؤلاء في الملذات، فيصيبهم الفقر وتبقى لهم نعرتهم، فيبدو لهم أن يعارضوا الثروة بالقوة، فيثيرون الشعب، فيفوز الفقراء الأقوياء على الأغنياء المترفين، هذه هي الديمقراطية او حكومة الكثرة. وشعارها الحرية والمساواة المطلقة، دون اعتبار لقيم الرجال. 4) الدولة الاستبدادية يبرز من بين دعاة الديمقراطية وحماة الشعب أشدهم عنفاص وأكثرهم دهاء، فينفي الاغنياء أو يعدمهم ويلغي الديون، ويقسم الأراضي، ويؤلف لنفسه حامية يتقي بها شر المؤامرات؛ فيغتبط به الشعب ويستأثر هو بالسلطة. ولكي يمكن لنفسه ويشغل الشعب، ويديم الحاجة إليه يشهر الحرب على جيرانه، بعد أن كان قا سالمهم ليفرغ إلى تحقيق أمنيته في الداخل، ويقصي عنه كل رجل فاضل، ويقرب إليه جماعة من المرتزقة و العتقاء، ويجزل العطاء للشعراء، فيكيلون له المديح كيلاً، وينهب الهياكل ويعتصر الشعب ليطعم حراسه وأعوانه. فيدرك الشعب أنه انتقل من الحرية إلى الطغيان، وهذه الدولة الاستبدادية.
| |
| | | الصقر مشرف عام
عدد الرسائل : 2581 Localisation : ا لمحبة العادية هي مجرد شعور صبياني تافه وسخيف ولعبة حسنة للمراهقين --- علينا ان ننمو ونسمو من هذا المستوى الاعمى الى حقيقة المحبة الروحية تاريخ التسجيل : 21/06/2009
| موضوع: رد: أفلاطون 427 – 347 ق.م الأحد مارس 06, 2011 7:18 pm | |
| | |
| | | فائق موسى مشرف عام
عدد الرسائل : 268 العمر : 68 Localisation : سلمية - خير الكلام ما قلّ ودلّ تاريخ التسجيل : 20/11/2010
| موضوع: رد: أفلاطون 427 – 347 ق.م الأحد مارس 06, 2011 7:26 pm | |
| بائعة الكبريت : جهد مشكور ... أثابك الله | |
| | | مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: أفلاطون 427 – 347 ق.م الإثنين مارس 07, 2011 8:29 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محد وعلى آل محمد يا الله يا محمد يا علي الأخت بائعة الكبريت المحترمة بدأ الفلاسفة في القرون الوسطى للإسلام يعرفون أفلاطون من خلال ترجمة أعماله: القوانين وغيرها كذلك تأثر إخوان الصفا ضمناً بتراث قدماء الهنود والفرس، واستلهموا بحماس التراث اليوناني من أمثال أفلاطون وقد أعادت النظرية البصرية الاعتبار لوصف أفلاطون في روايته تيماوس حيث قيل أن الرؤية ترجع إلى نار الروح غير المستهلكة وفي تصنيف العلوم الأربعة لاخوان الصفا وعن أفلاطون على الأقل، فإن أهمية هذه العلوم الأربعة قد أُقرت كشرط مسبق لأي دراسة وذلك من قبل مرجعيات مثل نيكوماخوس من غيرسا وبوثيوس وإيسادور بمرجعية أفلاطون ممثلا عن التراث الفلسفي في القرون الوسطى المشتركة بين الأديان المقدسة وسنقدم رابطا عن الزمان لأفلاطون تعبيرا عن شكرنا لموضوعكم القيم تحياتي
| |
| | | مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: أفلاطون 427 – 347 ق.م الإثنين مارس 07, 2011 8:33 am | |
| | |
| | | رئيس عضو بلاتيني
عدد الرسائل : 158 العمر : 57 تاريخ التسجيل : 15/02/2011
| موضوع: رد: أفلاطون 427 – 347 ق.م الإثنين مارس 07, 2011 9:17 am | |
| [b] بسم الله الرحمن الرحيم يـا علي مدد اللهم صلي على محمدوعلى آل محمد يا الله يا محمد يا علي بارك الله بك أخت بائعة الكبريت على هذا التقديم الجيد عن الفيلسوف الكبير أفلاطون و المولى الكريم يباركك | |
| | | سقراط مشرف عام
عدد الرسائل : 4740 تاريخ التسجيل : 06/03/2008
| موضوع: رد: أفلاطون 427 – 347 ق.م الثلاثاء مارس 08, 2011 8:41 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم يا علي مدد أختي الروحيّة الغالية بائعة الكبريت مساهمة مميّزة ومعلومات غنيّة عن الفيلسوف الكبير أفلاطون بارككم المولى
| |
| | | --- الطائر الفينيقي --- عضو بلاتيني
عدد الرسائل : 2838 تاريخ التسجيل : 23/08/2008
| | | | | أفلاطون 427 – 347 ق.م | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|