واجهت مفاهيم الزمان التقليدية الفلاسفة بتناقضات مربكة. احتار البعض فيما إذا كان الزمان غير موجود في الأصل، بينما
شكك آخرون بحقيقة قابلية تقسيمه إلى أجزاء مناقشين بأن الماضي قد توقف عن الكون، والمستقبل غير موجود الآن وكذلك فليس للحاضر كلحظة/ أو الآن أية مقدار (كنقطة رياضية ليست جزءاً من الزمان). بالإضافة لذلك، لم يكن من الواضح فيما إذا كان الزمان يتطور بشكل مستمر أو أنه يتقدم بقفزات منفصلة غير مرئية.
على الرغم من أن الأبحاث حول طبيعة الزمان كانت جزءاً من النظريات الفيزيائية للحركة، إلا أن الإتجاهات الميتافيزيقية والكونية الواسعة لهذه الأبحاث كان لها أثر على التوقعات حول الخلق والسبيية. في كتاب ’الزمان‘ لأفلاطون الأقسام (٣٧ د؛ ٣٨ أ) كان الزمان قد صُّور كصورة متحركة حددت الأزل من خلال دورانها وفقاً لرقم ودخلت الوجود مع خلق السموات. في أبكر دراسة منظمة حول مغزى ووجود الزمان والتي وردت في كتاب أرسطو ’الطبيعة‘ الأقسام (٢١٩ ب ٣- ٤، ٢٢٠ أ ٢٥- ب ٢٠؛ ٢٢٢ ب ٢٠- ٢٣)، كان قد عرّف كرونوس على أنه رقم الحركة المتواصلة من ناحية الأمام والخلف. يناقش أرسطو، رافضاً الإدعاء بأن الزمان كان الحركة الكلية، بأن الحركة الدائرية والشكلية والمستمرة للمحيط السماوي تعمل كمقياس للزمن (كتاب الطبيعة، ٢٢٣ ب ٢١). كان هناك ردود هائلة على نظريته من قبل مفسري الأفلاطونية الحديثة والحضارة اليونانية (الهلنستية)، وقد جمعت في نسخة ضخمة بعنوان ’التعليق على أرسطو اليوناني‘. يناقش الدمشقي بأن الزمان كان وحدة كلية، وقد أحاط أفلوطين بهذه الفكرة على أنها تغيير حياة الروح (كتاب التاسوعات، ٣. ٧. ١١- ١٣)، ودافعت الأفلاطونية الحديثة عن مسألة أبدية الكون ضد الشكوك التي قدمها فيلوبونس النحوي، الذي تبنى المذهب الفلسفي ’الخلق من العدم‘. أما بالنسبة لمؤلف كتاب ’الإعترافات‘، القديس أوغسطينوس، فقد أشار إلى أنه تم خلق الزمان عندما تكّون العالم مؤكداً أن الواقع الوجودي للزمن موجود في الحاضر، وهو في حد ذاته يميل لأن لا يكون، مبرهناً على أن الخلود فقط هو المستقر.
على أساس الإعتقاد في التوجهية الخطية للزمان، من الغنوص إلى الحكمة، ناقش أوغسطين بأن حاضر الأشياء الماضية محفوظ في الذاكرة، وإن تأكيد وجود الأشياء الحالية هو بواسطة الإدراك البصري، وأنه ضُمن وجود مستقبل الأشياء من خلال التوقع. ووفقاً لذلك، تتوقف حقيقة الزمان على ’الروح (أنيما)‘ التي تتذكر وتدرك وتتوقع الأحداث؛ وهذا مماثل لمطالبة أرسطو في ’الطبيعة‘ (٢١٨ ب ٢٩- ٢١٩ أ ١- ٦، ٢٢٣ أ٢٥) بأن كرونوس يتطلب ’تكهناً نفسياً‘ لحساب أرقامه. وقد ضمنت ترجمة إسحاق بن حنين لكتاب ’الطبيعة‘ لأرسطو نقل المفهوم الأرسطي ’لكرونوس‘ إلى اللغة العربية، والذي ألهم في وقت لاحق التفسيرات الفلسفية المتنوعة عن الزمان عند المسلمين. أكد الكندي أن الزمان له بداية ونهاية، وبالتالي فهو يقيس الحركة وفقاً للعدد، في حين أكد الفارابي وإخوان الصفاء أن الزمان هو نتيجة لحركة الكرة السماوية المخلوقة (الفلك). وأشار أبو بكر الرازي أن الدهر (الأبد) هو المطلق، في حين أًخذ الزمان ليكون مادةً متدفقة (جوهر يجري) ولكنه محدود (محشور) ومرتبط كذلك مع حركة الفلك (الكرة السماوية).
يعرّف ابن سينا، في ’كتاب الحدود‘، الزمان بأنه الشيء الذي يشبه الكائنات المخلوقة (يضاهي المزن) ويعمل كمقياس للحركة (مقدار الحركة) في حالات التقدم والتأخر( متقدم ومتأخر). وأشار كذلك أن الدهر يشبه الخالق (يضاهي الصانع) طالما كان مستقراً خلال إكتمال الزمان. ويربط في كتابه ’الإشارات والتنبيهات‘ الزمان بالمتطلبات الفيزيائية للحركة؛ وكذلك يفسر الزمان في كتابه ’عيون الحكمة‘ ككميات من الحركة التي ’تقدر‘ التغيير وأن أبديته (دهر الحركة) قد ولدت الزمنية. لعب الزمان دوراً هاماً في كتاب ’المناظير‘ (الأجزاء ٢. ٣، ٢. ٧، ٣. ٧) للعلّامة ابن الهيثم، الذي ناقش بأن انتشار الأشعة الضوئية متعلق بالزمان وهذا يدل على أن سرعة الضوء محدودة بالرغم من مقدارها الهائل. وأكثر من ذلك، فقد أشار إلى أن أفعال التمييز البصري والقياس المقارن (التميز والقياس) ترجع إلى مرور الزمن وحتى لو لم يشعر بها الناظر، ونبه إلى أنه إذا كانت المدة الزمنية للتأمل أوالإدراك البصري الفوري خارج نطاق معتدل، أدى ذلك إلى الأخطاء البصرية. بالإضافة إلى ذلك، فقد حدد الزمن كأحد الكيانات المعروفة (معلوم)،بينما يشكل المدى ماهيته ومقياس مقداره وكميته والتي أصبحت معروفة بالإشارة إلى حركة الكرة السماوية (الفلك).
إن معارضة آراء الفلاسفة المسلمين الأرسطوطاليسيين من قبل مناصري علم ’الكلام‘ (علم اللاهوت الجدلي) أدت إلى بلورة مفاهيم بديلة للزمان ترتكز على النظريات الطبيعية المستوحاة من مذهب الذرية اليونانية. وقد تم إدراك الزمان من قبل المتكلمين (علماء اللاهوت الجدليين) بإعتباره ظاهرة وهمية (موهوم) لمظاهر التغير والأحداث الذرية المتجددة (متجددات)، وحيث تم إستبدال مفهوم الزمان المستمر باللحظة المنفصلة (الوقت). مندفعاً بهذه النظرية- على الرغم من تمنّعه عن فرضها- يعتقد النّظام في القسمة اللا نهاية للجزيئات، والتي تنطوي على أن المسافة المكانية بين الأجزاء المقسمة المتناهية تتطلب زمناً لامتناه للعبور بينها إلا إذا كان التنقل من خلال قفزات (طفرات)؛ وكان لهذا تأثير على نظريات المذهب الرواقي بشأن فكرة ’هالما (القفزة)‘ اليونانية. حاول الغزالي التشكيك في فكرة خلود العالم في كتابه ’تهافت الفلاسفة‘، لإظهار أن ’المدة‘ و’الزمان‘ قد تم خلقهما، وناقش بأن العلاقة بين ما يعتبر عادة سبباً وبين الفعل ليست ضرورية، إذ أن الملاحظة فقط قادرة على تبيان ترافقهما. وبناءً على ذلك، أعلن أن العلاقة الترتيبية لسبب سابق مع أثر ناتج عنه لا تعني بالضرورة أن ذلك يعود إلى توجهٍ لاعودة فيه في الزمان.
قال ابن رشد في كتابه ’تهافت التهافت‘ في دفاعه عن السببية أن دحض مبدأ السببية ينطوي على الرفض التام للعقل في حين أكد أن الخالد (القديم) كان بلا زمان وأن العالم هو نتيجة للزمان المستمر. مؤكداً على حقيقة الغنوص (الخلق)، أثبت موسى بن ميمون في ’دلالات الحائرين‘ الإعتقاد بأن الزمان قد خُلق، إذ أن كلاَ من الكرة السماوية والحركة التي يعتمد الزمان عليهما مخلوقان. وعلى الرغم من التكهنات حول استمرارية الزمان لعلماء من أمثال نصير الدين الطوسي، فخر الدين الرازي، مير داماد، مُّلا صدرا ، أبو البركات البغدادي، الإيجي، والجرجاني، بقيت حقيقته الغريبة غير مؤكدة.