وصلتني من احد الأصدقاء رسالة اهديها لكم
وصلتني من احد الأصدقاء رسالة قديمة جديدة وإهداء بمناسبة عيد ميلادي الثاني والأربعون بعد المليون
و أحب ان اهديها لكم ايضا:
صديقي العزيز:
أنا كنت دائماً أبحث عن الجديد والمثير في كل شيء ، لم أغلق يوماً عقلي علي ما رأيت وما فهمت بل أطلقت جهاز الإرسال والاستقبال الهوائي في فضاء المعرفة ليأتيني بكل جديد وغريب ودائماً ما كنت أعرف بأن ثمة ما هو غامض في مكان ما حيث تكمن المعرفة لكن أين؟...
هذا ما كنت أبحث عنه ، لكن ما لا أعرفه كان قريباً مني لدرجة أنني كدت ألمسه بيدي وأشعر بأنفاسه وهو يحوم حولي لكني لا أستطيع أن أري لذلك لم أعرف بعد وهذا ما كاد يصيبني بالذهول الجنوني ...
حتي تعلمت بعض تمرينات التأمل والانفصال عن الذات والأفكار ،
وقد نجحت نوعا ما في اداء بعضها وأحسست براحة عميقة وزادت درجة التركيز لدي لدرجة أنني أصبحت أري التفاصيل في كل شيء وكل موقف دون حتي أن أفكر بها وكأنني مجبر علي ما أفكر به وما أحسه ثم شعرت بأننني قادر علي الانفصال عن افكاري بشكل واعي وصرت لا أتأثر بها ، ولكم كانت سخيفة ومجنونة هذه الأفكار ولكن ما ارقني واصابني بالخوف وفقدان الأمان هو أنني صرت بلا هوية يعني تخليت عن أفكاري وقناعاتي وأصبحت حراً جداً بقفزة واحدة ولدرجة لا أتحملها ولا أفهمها ولم أدر ما أفعل ،
حتي القناعات المدفونة في عقلي الباطن صرت اراها واتحكم بها وانفصل عنها وعن تأثيرها متي شئت ولا أعرف إن كانت هذه نعمة أم نقمة لكني أعتقد أن هذا خطير جداً لأن جسدي أصبح يتأثر بهذه الهزات , الشعورية حتي أنني أخاف أن أفقد الإحساس بأطرافي وأحياناً ما أحس بضعف فيها وكأنها مخدرة تماما ولا أتمني أن يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أتحكم بالتنفس ودقات القلب وعمل الأعضاء الداخلية وإلا فإن نهايتي ستكون محتومة ،
يبدو أنني انزلقت في ذاتي التائهة عندما قررت أن أخوض تجربة اكتشافها بتمرينات التأمل هذه ، وقد تسلمت مفاتيح التحكم وأنا غير مستعد لأن أكون القائد والمتحكم فهل من طريق للرجوع ، وأن أكون عفوياً عادياً كما كنت ، هل هذه مشكلة وما هي طبيعتها ...لا اعرف
وكما قلت سابقا أنني دائماً ما كنت أبحث عما هو جديد ومثير فلم يكن يكفيني وأنا طفل ان أتلقي التعليم في مدرستي أن أعرف بأننا جزء من المجموعة الشمسية وندور حول الشمس مرة كل سنة وأن مجموعتنا هذه هي جزء من المجرة وندور حول مركزها مرة كل 250 مليون سنة ، إذ ما الجديد في القول بأننا جزء من المجموعة الشمسية أشعر بأن هذا سخيف جداً ومبتذل لدرجة كبيرة أنا أعرف هذا منذ ولادتي فهو بديهي جداً ... الإنسان ، وعلم النفس والبيولوجيا والتاريخ والجغرافيا كلها بديهية ومبتذلة لدرجة لا تطاق وكأنني ولدت من قبل وعشت عمراً مديداً ، حتي الحياة اليومية والإجتماعيات السخيفة والأقنعة والنفاق كلها لا تناسبني ابدا
إذ ما الجديد في كل هذا بل ما الجيد في أي من هذا ، كان ينتابني شعور بأننا جميعاً نعيش في كون هو عبارة عن بالون كبير نحوم فيه كذرات الغاز نتخبط يميناً ويساراً وسعيد الحظ هو من من يصل إلي السطح ويطل برأسه علي اللانهاية (مجرد أحلام طفولية) ... كان لتربيتي الفضل الأكبر في هذا فأنا ولدت وكبرت ولم أعرف كيف أفعل وكيف أتصرف في المواقف المختلفة حتي لم اعرف كيف افكر وما هو المفترض ان يكون صحيحا وما المفترض ان يكون خاطئاً يعني لم يكن لي أرض ثابتة لما يجب أن أفكر به وكانت تلك هي نقطة الإنطلاق ... كانت نقمة في البداية لأن ما لا أعرفه يعرفه غيري ويتصرف بحنكة وبراعة وأفكاري المبلبلة لا تسمن ولا تغني من جوع... ثم صارت نعمة بعد ذلك لأنني اخترت ما أريد أن أكون عليه واخترت أفكاري التي ستتحكم بي وتكون القائد لسلوكي وانتقيت بعناية ما أريده أن يكون صحيحا وما أريده أن يكون علي خطأ وبحرية تامة .
يعني باختصار أنا كنت إنساناً بلا هوية وبلا فكر بل كنت متفرجاً فقط من نافذة عيناي علي الحياة والاحياء ومستغرقاً في التأمل في فلسفة الوجود والحركة والغرض منها ولم يكن هذا عن قصد مني ووعي بل بطبيعتي منذ الطفولة كنت أتأمل وأتفلسف ولكنها ليست فلسفة نظرية ولا لغوية بل كان مجرد فهم ووعي بالطبيعة ينتابني لاإراديا...
أنت تعرف أن العقل المنطقي يستخدم اللغة في التفكير التسلسلي المنطقي ولكن أنا لم يكن لدي أي لغة ولم يكن لدي أي منطق بل مجرد شعور بأنني أفهم أكثر مما يجب هو شعور بالعظمة لا أعرف لم هو..أفهم ولا أشرح شيئاً حتي بيني وبين نفسي لا توجد أي كلمات ، هناك مثل يقول (المعرفة تتكلم والحكمة تصمت) طبعاً أنا لا أدعي الحكمة ولكنني أدعي عدم المعرفة لهذا كنت صامتاً... هل عرفتم لماذا استطعت بسهولة أن أتخلي عن أفكاري وقناعتاتي وأنفصل عنها وأتحكم بها لأنني صنعتها بنفسي وسلمتها زمام القيادة وعندما قررت التأمل والاكتشاف سحبت منها الرخصة إذ كيف لا أتحكم بشيء أنا من صنعه بنفسي، حتي ما كنت أقرأه كنت أراجعه وأتراجع عنه أحياناً، و هذا صعب لكني منذ البداية كنت متهيأ لذلك.... لأنني لا أفكر بالكلمات فأنا عندما أسأل (ما الله؟) أو (لماذا خلقنا؟) فهذا بالنسبة لي ليس سؤالا ً مكوناً من كلمتين اثنتين بل ما أشعر به هو هيئة ضخمة تجثم علي صدري بحجم ضخامة السؤال نفسه لهذا تراني ملحاً في طلب الإجابة لئلا أصاب بالإختناق وأموت ، ولكن لأنها أفكاري وأنا من يتحكم بها فأنا أستبدلها بإيمان العجائز اللذيذ المريح ريثما يتسني لي أن أستبدلها بما هو أفضل!! أنت تقول أنني متحكم بتقنيات التأمل ولكن إذا كنت متحكماً فلماذا أحياناً تنتابني فجأة ودون أن أطلبها وتصيبني بالذهول وقد تفقدني الإحساس(هل تعرف حلاً لهذا) ، وتقول أنها معارج روحية داخلية وأنا أعتقد أنها مراقبة ذاتية شديدة تنطوي علي بعض الخوف وكأنني أتفرج علي فيلم رعب من طراز الدراما النفسية
وتستمر الحكاية
تعقيب
تخيّل لولا وجود الأنا فكيف ستعبر عن نفسك وحاجاتك؟... فعندما تشعر بالعطش يمكنك القول أنا عطشان...
في الحقيقة لا وجود لتلك الأنا العطشانة لأنه لا وجود إلا للعطش فهو الحقيقة والانا هي المزيفة... لكن إذا كنت في مكان عام وشعرت بالعطش وقلت هنالك عطش فسيكون من الصعب فهم الحالة التي أنت فيها... لذلك فتلك الأنا ضرورية كما هو اسمك ضروري... لكن عليك أن تفهم وتعيش وتعلم بأن تلك الأنا هي مزيفة وهي تعبّر فقط عن حالة كلامية ولا وجود لها في الحقيقة... عندها يمكنك استعمالها واستخدامها بحريّة دون أن تقع في فخها ونصبها...
فالأنبياء والحكماء استخدموا تلك الأنا لكنهم عرفوها على حقيقتها لذلك فقط امتلكوها دون أن تمتلكهم...