الرجل الذي رفعوا له الاصبع

درجت ضمن الحياة اليومية للبشر في بلادنا مصطلحاتٌ لا يدري أحدٌ كيف صيغت أو شُكلت أو نُحتـت، عبر السنين، منها قولهم ( فلان .. حَطُّوه مدير دائرة )، و ( علان .. طلع قرارُه مدير عام للشركة )، و( .. فليتان جاء اسمُه ضمن تشكيلة فرع الحزب ) و(أبو زعيربان .. نزل اسمُه في قائمة الجبهة ) .. إلخ إلخ إلخ.
ومن المصطلحات التكميلية درجَ قولُهم: فلان نزل اسمُه بالاحتياط ثاني اسم. بمعنى أنه إذا كان المرشحُ الأساسي للوظيفة الشاغرة ( مضروباً بالتقرير ) فإن الجهات الـ ( فوق ) ستستبعده وتأخذ عوضاً عنه المرشح الاحتياطي ذا التقرير النظيف ( نظيف نسبياً ..، لأنه، والحمد لله، لا يوجد شخص تقريرُه نظيف بنسبة مئة بالمئة! ).
وثمة نشاط تالٍ لعمليات ( الحَط، والتعيين، وطلوع القرار، ومجيء الاسم ضمن الـ .. ، ونزول الاسم في .. )، ألا وهو: الطبل!
فقد اعتاد الناس في بلادنا على: دق الطبل، وعقد الدبكات، والغناء، وصياح المواويل، وإطلاق النار والزغاريد في الهواء، والرقص، والشوباش، ولَـمّ النقطة ... كلما تسلم أحد المذكورين أعلاه واحدة من الوظائف أو المهام التي عددناها قبل قليل.
وإنه لمن المعيب أن أشرح للقراء الأكارم الآن الأسباب التي تدفع بهؤلاء الأشخاص إلى إقامة كل هذه الاحتفالية لدى تعيين أحدهم في وظيفة، فلو فعلتُ فكأنما أفترضُ أن القراء الأكارم أقل مني ذكاءً وفطنة، حاشا وألف كلا، وكلا على البيعة!
ولكنني سأروي لهم، بهذه المناسبة، وبقصد التسلية فقط، نادرة جرت أحداثها في إحدى المـدن، هي التالية:
شغر منصب مدير الدائرة الفلانية في إحدى المحافظات، ففعل أحد المرشحين غير الجديرين كُـلَّ ما في وسعه لتسلم ذلك المنصب. ولمزيد من التفاصيل أقول: الرجل اتصل، ودخل، وخرج، ودفع، وكتب تقارير، ووعد، وحلف أغلظ الأيمان على أنه إذا استلم هذه الوظيفة سيُفيد، ويُسَهِّل، ويطيع، ويطاطي، وووووو .. ووعده الشباب بالمقابل أن يبتوا بالأمر في الجلسة التي ستعقد في تمام الساعة، من يوم، من شهر، .. وأن الجواب سيأتيه عن طريق المسؤول علان، وإن شاء الله خير.
كان الرجل شبه واثق من نجاح مساعيه. وفي لحظة انعقاد الاجتماع نَصَبت جماعتُه، بتوجيه منه، سرادقَ الاحتفال، وجهزوا الطبل والزمر والدبيكة، وطلع هو إلى حيث الاجتماع منعقد، وقد كان نافد الصبر إلى درجة أنه تجاسر وفتح باب قاعة الاجتماعات وفتل أصابعه باتجاه المسؤول علان، مستفهماً منه عن النتيجة، فرفع المسؤول علان يده بعلامة النصر على هيئة الحرف ( v ) - وهو الحرف الأول من كلمة ( victory ) التي تعني النصر - مستخدماً إصبعيه السبابةَ والوسطى، .. فما كان من الرجل إلا أن أغلق باب قاعة الاجتماعات، وعاد أدراجه، ليتصل، على الفور، عبر الهاتف الجوال بجماعته، زافاً لهم البشرى السارة، وهم بدورهم شغلوا الطبل والزمر والدبكة والزغاريد والشوباش وإطلاق النار في الهواء..
فلما كان الرجل، بعد قليل، بين جماعته، ممسكاً برأس الدبكة، إذ حضر أحدهم وهمس في أذنه قائلاً إن شخصاً آخر في حارة أخرى يدق الطبل ويدبك ويطلق النار في الهواء احتفاء بتعيينه مديراً للدائرة نفسها!
أوقف صاحبنا احتفاليته، وفتح جواله واستفهم من بعض معارفه عن الحقيقة، فقيل له إن الشخص الآخر قد ( حطوه ) بالفعل مديراً للدائرة، وأما هو فقد ( شخطوا ) اسمه.
غضب الرجل واتجه من توه إلى المسؤول علان وقال له ما معناه: أنت غششتني حينما رفعت لي إصبعيك السبابة والوسطى مما يعني أن..
فقاطعه المسؤول علان وقال له ضاحكاً:
- صدقني يا أستاذ، ما لقيتها حلوة قدام العالم أن أرفع لك الوسطى وحدها!!

خطيب بدلة

.....................................

ربما تطفئ في ليلي شعله
ربما أحرم من أمي قبله
ربما يشتم شعبي وأبي، طفل، وطفله
ربما تغنم من ناطور أحلامي غفلة
ربما ترفع من حولي جداراً وجداراً وجدار
ربما تصلب أيامي على رؤيا مذله
يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي.. سأقاوم

شكرا كتير أستاذ ليث ورده
حلوه Laughing

[/center]