كان للمذهب الإسماعيلي ورموزه وإشاراته ومصطلح تأثير قوي في إنتاج الشعراء الإسماعيلية فكانوا يمدحون الأئمة عليهم السلام بالصفات التي صبغها المذهب عليهم فيستخدمون المكصطلحات التي أوجدها علماء المذهب ودعاته مما جعل بعض النقاد يعتبرون شعرهم غلوا وخروج عن الدين وكفر والحاد مما كان له الأثر في إتلاف أو حرق إنتاج أكثر الشعراء الاسماعيليين وخاصة في العهد الأيوبي وتعود أسباب النقمة على الشعر الإسماعيلي لعدم معرفة النقاد ما يريده الشاعر لجهلهم بالتأويل الباطني لأقوال الشعراء الاسماعيليون
ولد الشاعر الإسماعيلي الكبير والقدير محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأندلسي الملقب بأبي القاسم وأحيانا أبي الحسن في قرية ((سكون))من قرى أشبيلية في بلاد الأندلس سنة 320 هجرية
نشا وتأدب في اشبيلية وارتاد دار العلم في قرطبة فتجلت مواهبه الفلسفية ونبغ بالشعر ومهر به
اتصل محمد بن هانئ بصاحب اشبيلية فاعزه وأكرمه وأقام معه حتى اتهم بمذاهب الفلاسفة الاسماعيليين فشاع أمره بين التاس فنقموا عليه وحاول أهل اشبيلية قتله وأخذوا يسيئون الظن بالملك بسببه فأشار الملك عليه إن يترك المدينة فرحل عنها وكان عمره 20 سنة وكان ذلك عام 347 هجرية إلى المغرب حيث اتصل بأمير ((المسيلة))جعفر بن علي بن حمدون فبالغ في أكرامه وأحسن إليه فوصل خبره إلى الإمام المعز لدين الله عليه السلام فطلبه من جعفر فأرسله إليه ولما وصل إلى الإمام المعز لدين الله عليه السلام انعم عليه وأكرمه كثيرا
أقام الشاعر الأندلسي في بلاط الإمام المعز لدين الله عليه السلام حتى ارتحل إلى مصر فودعه ابن هانئ وعاد إلى المغرب لأخذ عياله واللحاق بمولاه
أعد ابن هانئ العدة للرحيل إلى مصر فلما بلغ برقة أضافه شخص من أهلها فأقام عنده أياما وتقول الروايات انه خرج من بيت الرجل ونام في الطريق فوجد ميتا في الصباح وقيل انه وجد مخنوقا وملقى على جانب البحر لا يعرف من قتله وكان ذلك أزخر رجب 362 هجرية
ولما علم الإمام المعز لدين الله عليه السلام بوفاته تأسف عليه وقال
{{ لأحول ولاقوه إلا بالله هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر ظللك }}
كان ابن هانئ رحمه الله تعالى فحل من فحول الشعراء ويعتبر اشعر شعراء المغرب على الإطلاق من المتقدمين ومن المتأخرين ولا غرور إذ لقب بمتنبي العرب وقصائده الرائعة اكبر دليل على مقدرته الشعرية وجل قصائده في وصف الفتوحات الإسماعيلية وتمدح الإمام الإسماعيلي المعز لدين الله عليه السلام وقائده جوهر الصقلي والتحمس للمذهب الإسماعيلي
قال ابن هانئ مظهرا تشيعه معتز بمذهبه :
لي صارم وهو شيعي كحامله**يكاد يسبق كراتي إلى البطل
إذا المعز معز الدين سلطه ** لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل
وقال ابن هانئ وهو يذكر كيف تلمس السبيل إلى إمامه المعز:
وطفقت أسال عن أغر مخجل ** فإذا الأنام جبلة دهماء
حتى دفعت إلى المعز خليفة ** فعلمت أن المطلب الخلفاء
جود كأن اليم فيه نفاثة ** وكأنما الدنيا عليــــه غثاء
ويقول في قصيدة رائعة قيل أنها أول ماأنشده في مدح الإمام المعز لدين الله عليه السلام
قد كان رشح حديده أجلا وما **صاغت مضاربه الرقاق فيون
وكأنما يلقي الضربة دونه ** بأس المعز أو اسمه المخزون
هذا معد والخلائق كلها **هذا المعز متوجا والدين
هذا ضمير النشأة الأولى التي** بدأ الإله وغيبها المكنون
وصواهل لا الهضب يوم مغارها **هضب ولاالبيد الحزون حزون
عرفت بساعة سبقها لا أنها **علقت بها يوم الرهان عيون
وأجل علم البرق فيها أنها **مرت بجانحتيه وهي طنون
في الغيث شبه من نداك فكأنما ** مسحت على الأنواء منك يمين
أما الغنى فهو الذي أوليتنا **فكأن جودك بالخلود رهبن
النور أنت وكل نور ظلمة **والفوق أنت وكل فوق دون
فارزق عبادك منك فضل شفاعة **واقرب لها زلفى فأنت مكين
وها هو يعتز بالانتصارات التي أحرزتها جيوش الإمام المعز لدين الله عليه السلام على جند البيزنطي نيين في وقعة ((المجاز))حيث قتل قائد الروم منويل:
يوم عريض في الفخار طويل **ما تقضي عزر له وحجول
لو أبصرت الروم يومئذ درت** أن الاله بما تشاء كفيل
يا ليت شعري عن مقاولهم اذا ** سمعت بذلك عنك كيف تقول
ودوا ودادا أن ذلك لم يكن **صدقا وكل ثاكل مثكول
قل للدمستق مورد الجمع الذي** ما اصدرته له قنا ونصول
سل رهط منويل وانت غررته**في أي معركة ثوى منويل
منع الجنود من القفول رواجعا ** تبا له بالمنديات قفول
ان التي رام الدمستق حربها **لله فيها صارم مسلول
ليت الهرقل بدا بها حتى انثنى**وعلى الدمستق ذلة وخمول
نخرت بها العرب العاجم انها **رمح اعق ولهذم مصقول
ماذاك الا ان حبل قطنها **بحبال آل محمد موصول
من يهتدي دون المعز خليفة **أن الهداية دونه تضليل
من يشهد القرآن فيه بفضله ** وتصدق التوراة والانجيل
كل الائمة من جدودك فاضل **فاذا خصصت فكلهم مفضول
فافخر فمن انسابك الفردوس ان**عدت ومن احسابك التنزيل
ورأى الورى لغوا وأنت حقيقة ** مايستوي المعلوم والمجهول
شهد البرية كلها لك بالعلى **ان البرية شاهد مقبول
والله مدلول عليه بصنعه ** فينا وأنت على الدليل دليل
ومن أشعاره رحمه الله تعالى
صدعت جيوشك في العجاج وعانشت**ليل العجاج فوردها أصدار
ملأوا البلاد رغائبا وكتائبا **وقواضبا وشوازيا ان ساروا
وعواطفا وعوارفا وقواصفا ** وخوائف يشتاقها المضمار
وجداولا واجادلا ومقاولا**وعواملا وذوابلا واختاروا
عسكوا الزمان عواثنا ودواخنا ** فالصبح ليل والظلام نهار
سفروا فأخلت بالشموس جباههم**وتمعجرت بغمامها الأقمار