من تاريخ المنطقة
محمد قاسم الدالي
يفخر السَّلَميون أحيانا بانتشار التعليم وارتفاع نسبة الثقافة بين صفوفهم ، وغالبيتهم اليوم لايعرفون السبب وراء ذلك ، وهذا ما دفعني الى اجراء هذا البحث تقصيا للسبب أوالاسباب، وذلك كجزء من اهتماماتي بتوثيق حوادث المنطقة ليبقى تاريخها بكل حيثياته موضوعا تحت أيدي أجيالها المتعاقبة، وحفظا له من النسيان. بناء على ذلك طرحت هذا السؤال على نفسي "ما قصة التعليم في سلمية "؟
وجوابا عليه ، حدَّدت ثلاث مراحل رئيسية لتطور التعليم في المنطقة ، ولكل مرحلة ملامحها وظروفها الخاصة ، هي : تعليم المشايخ ( الكتَّاب) ، التعليم الابتدائي ، التعليم الثانوي.
تعليم المشايخ
تبدأ مرحلته منذ بداية اعادة اعمار سلمية في منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف العقد السادس من القرن العشرين. ولقد ذكر الأستاذ محمود أمين – رحمه الله – في كتابه " سلمية في خمسين قرنا " ، أن هذا التعليم مرَّ في ثلاث مراحل:
- مرحلة تعليم القراءة: والمقصود بالقراءة هنا تعليم القرآن بشكل رئيسي حتى يتم " ختمه " أي قراءته وتجويده بشكل جيد.
كان التعليم في هذه المرحلة يقتصر على الذكور ، وانتهى عام 1890 ؛ وأشهر مشايخ هذه المرحلة أحمد خضر ومحمد دلة
وصالح عارفه ومحمد الساروت وعبد الحميد خضر في سلمية ، والشيخ ابراهيم الشيخ في بري الشرقي والشيخ حميد
سعيد وحسين العيزوقي في تلدره .
- مرحلة تعليم القراءة والكتابة والحساب
بعد ختم القرآن واقامة احتفال "الختمية" للأولاد الختَمة ،حيث كان الأهل مع بعض المدعوين يحضرونه ، وتوزع الحلوى على الحضور، والذي كان له وقع خاص في نفوس الأهل آنذاك كوقعه اليوم عندما يحصل أولادهم على الشهادة الاعدادية أو الثانوية، كان بعض الأولاد ينقطعون عن مواصلة المرحلة التالية اذا كان الأهل بحاجة اليهم في الأعمال الزراعية وبخاصة لرعاية عدد محدود من المواشي . وكثير من الأولاد كانوا يفضلون الانقطاع بسبب قسوة المشايخ في التعليم وقتئذ، اذ كان شائعا آنذاك أن الضرب بالعصا أفضل وسيلة لتعليم الأولاد وتربيتهم . وكثيرا ما كان الأهل يوصون الشيخ عندما يأتون بأولادهم اليه لأول مرة، قائلين :" ياشيخ الك اللَّحم والنا العضم " . وهذا يعني التأكيد على الشيخ بالافراط في استعمال العصا للاستزادة في تعليم أولادهم .
الدافع الى ادخال الكتابة والحساب في هذه المرحلة من التعليم هو تحسن الأحوال الاقتصادية لسكان المنطقة ، حيث لم يعد نشاطهم يقتصر على الزراعة فحسب، بل أدخلوا التجارة والحرف اليه، وفتحوا الدكاكين والمحلات التجارية منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بعد ان كانت هذه الأعمال وقفا على من قدم الى سلمية من حماه وحمص بشكل خاص .
أشهر المشايخ في هذه المرحلة: حبيب الخش ، موسى زهره ، علي زينو ( سلميه ) عبد الله الحلاق ( بري الشرقي ) ، يوسف النجار ، حسن وسوف ( تلدره ) ، علي الشيخ أحمد ، عبد السلام الشيخ ( جدوعة ) ، خضر الشيخ أحمد ( السعن)،
آدم الشيخ ، أحمد الحكيم ، مصطفى موسى ( الكافات ) .
كان عمر الأطفال الذين يتلقون هذا التعليم يتراوح بين الخامسة والعاشرة من العمر. وتنتهي هذه المرحلة مع تعلم تجويد القرآن الكريم والكتابة وعملية الجمع والطرح في الحساب . وبدءً من هذه المرحلة ، فُتح المجال لتعليم البنات ، وكان التعليم في مرحلة المشايخ مختلطا على الاجمال.
مرحلة تقليد التعليم الابتدائي
بعد افتتاح المدارس الابتدائية في أغلب قرى المنطقة خلال العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين ، اقتصر دور تعليم أغلب المشايخ على تعليم القرآن ومبادئ الكتابة والجمع والطرح في الحساب ، وتحدد عمر الأطفال الذين يتلقون هذا التعليم بين الرابعة والسادسة من العمر، أي مرحلة مادون التعليم الابتدائي . بيد أن بعض المشايخ استفادوا من مناهج التعليم الابتدائي الرسمي وأخذوا يطبقون بعضه في تعليمهم ، مثل تدريس النحو والاعراب ، وعمليات الضرب والتقسيم وحل بعض المسائل الحسابية.
أُدخل هذا التحسين على منهاج تعليم المشايخ استجابة لتطورات حدثت منذ منتصف العقد الرابع من القرن الماضي . والسبب الرئيسي لهذا التطور هو انتشار الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال ، والتي ترافقت بانتشار الأحزاب السياسية القومية والاجتماعية التي تطالب بتوحيد أجزاء الأمة العربية ، أو بالعدالة الاجتماعية للطبقات الشعبية. وهذا كله ساهم في نمو وعي عام، بالاضافة الى أن بعض الأحزاب السياسية حثَّت المنتسبين اليها الذين كان تعليمهم دون الشهادة الابتدائية ، أن يواصلوا تعليمهم . ومما شجَّع هؤلاء الى العودة الى التعليم الحر نظرة الاحترام التي كان المجتمع يعطيها لزملائهم الذين واصلوا التعليم في المدارس الرسمية . لذلك أقبل هؤ لاء المنقطعون عن الدراسة الى شراء كتب الشهادة الابتدائية ولجؤوا الى المشايخ الذين أنسوا عندهم المقدرة على مساعدتهم في تعلم قواعد اللغة العربية والنحو والحساب. ومن هنا ظهر التعليم الليلي عند المشايخ ، لأن أغلب تلاميذهم الجدد كانوا يافعين يمارسون في النهار أعمالهم اليومية المعتادة . وقد أستطاع عدد من هؤلاء أن يواصلوا تعليمهم الحر بعد نيل الشهادة الابتدائية ، فأنهوا تعليمهم الجامعي وانتقلوا الى مهنة التعليم بعد أن كانوا يمتهنون بعض الحرف، مثل الحلاقة أو الكندرجية ( صنع الأحذية) وغيرها.
بعد انتشار المدارس الابتدائية بشكل واسع في المنطقة، أخذت الحاجة الى تعليم المشايخ تقل سنة بعد أخرى الى ان اختفت أواسط العقد السادس، وحل محل المشايخ في التعليم ماقبل الابتدائي دور الحضانة ورياض الأطفال بدرجات متباينة في مستوياتها. وما زال هذا النوع من التعليم ينمو ويتطور يوما بعد يوم ، بسبب الحاجة التعليمية اليه ، وبسب حاجة الأمهات اللواتي يعملن خارج البيت وليس عندهن من يرعى أطفالهن خلال هذه الفترة.
التعليم الابتدائي