من الشعراء والفنانين والروائيين ,كأن هذا الطريق وصل نهايته واكتمل المشهد بأن ترسخت معالم جيل ترك لنا إرثاً إبداعياً في مختلف الفنون .. رحل نزار قباني وعمر أبو ريشة ومن قبله بدوي الجبل وشفيق جبري وآخرون وقبل علي الجندي رحل ممدوح عدوان وسعد الله ونوس ومحمود درويش رحل ورحل.. الرحيل جسداً سيأتي مهما نأت المسافات وابتعدت الأمكنة.
[size=16]علي الجندي الشاعر الذي انكفأ على جراحه بعيداً عن أضواء العاصمة لم يكن شاعراً عادياً في المشهد الثقافي السوري بل تركت تجربته الابداعية بصماتها التي لا تمحى ويشكل أحد أعمدة الحداثة في الشعر السوري ومعلماً بارزاً وأساسياً لمن يريد أن يقف على خصائص التجديد في الشعر العربي في سورية ولاسيما في أواخر الستينات وبداية السبعينات..
[size=16]ترى من الذي يجعل المبدع ينكفىء على جراحه وآلامه بعد أن يكون في أوج اتقاده وعطائه أهو الجرح الذي يغدو في الكثير من الأحايين أكبر من الجسد.. أهي خيبة الأمل في الانسان الذي وهبناه صفوة سرائرنا .. نديم محمد المنكفىء على جراحه إلى حين الرحيل يتبعه علي الجندي، ، وكلاهما لهما في الحزن الشفيف قصب السبق.
[size=16]محطات في حياته..
[size=16]علي الجندي من مواليد السلمية عام 1928م تلقى تعليمه الابتدائي فيها ومن ثم الاعدادي في حلب، والثانوني في حماة، بعد ذلك انتسب الى كلية الآداب جامعة دمشق / قسم الفلسفة وتخرج منها ثم انتقل إلي الحياة العملية فعمل مدرساً في مصياف، ودمشق ولبنان ما بين 1960م و1963.
[size=16]بعد ذلك تم تعيينه في وزارة الاعلام وشغل فيها عدة مناصب إذ كان مديراً للنصوص الاذاعية والتلفزيونية ، وبعد ذلك مديراً عاماً للأنباء ، ومن ثم محرراً في جريدة البعث نشر الدراسات والمقالات الكثيرة في الفلسفة والأدب والنقد في المجلات العربية داخل سورية وخارجها ( المعرفة / المثقف العربي/ المجاهد/ الأسبوع العربي/ الطليعة) وهو عضو اتحاد الكتاب العرب.
[size=16]من أعماله:
[size=16]- في البدء كان الصمت - مجموعة شعرية..
[size=16]- الراية المنكسة/ مجموعة شعرية
[size=16]- الشمس وأصابع الموتى/ مجموعة شعرية
[size=16]- صلاة إلى بتول/ مسرحية مقتبسة عن قصة وليم فولكنر الحرام/
[size=16]- الصيف الأخير لألبير كامو ترجمة
[size=16]- طرفة في مدار السرطان / مجموعة شعرية
[size=16]- الحمى الترابية / مجموعة شعرية
[size=16]- قصائد موقوتة / مجموعة شعرية
[size=16]رحلة أحزان..
[size=16]في مجموعته الجميلة ( النزف تحت الجلد) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 1978م يبدو حزن الشاعر في كل نص شعري يقدمه حتى اسم المجموعة هو دفق من الحزن الداخلي الذي لا ينتهي إلا بانتهاء مبدعه، يقدم علي الجندي نصه إلى : نجيب سرور الذي جن ثم طق ابتهاجاً والنص كأس أحزان مترعة ألماً ويأساً وحسرة:
[size=16]هذا زماني : إني انتميت إلى الفرقة النازفة
[size=16]وصار التماع السراب جميلاً بعين الملايين
[size=16]واختلطت بالبحار الصحارى
[size=16]توازى الصراط القديم مع الشارع الزفت
[size=16]والشاطىء المتجدد ودوماً بخير الأمومة
[size=16]ماء الغسولة .. هام على وجهه الشاعر
[size=16]المستجير من الجوع
[size=16]بالموت، فاغتاله سيد العتبات الغمام الخلاسي
[size=16]بالسيف والصلوات، وآواه تحت سلالم دارته
[size=16]أو سلالم أقبية الخمر
[size=16]فئرانها تزدريه فتحصره خائفاً في زوايا الجنون
[size=16]تسول، تسول أيا قائد الكلمات المضيئة
[size=16]لا شيء..
[size=16]عنوان قصيدة من مجموعته ( الراية المنكسة) الصادرة في حزيران 1962م بيروت في هذه القصيدة يقدم الشاعر هويته ويقرأ ملامح غده القادم:
[size=16]- شردت أيامي على طرق الهوى - فحملتها في زورق مخمور
[size=16]- وغسلت بالماء المقدس جبهتي - فإذا أسود وضميري
[size=16]- واذا الدروب طويلة محمومة - محفوفة بتهتك الديجور
[size=16]تفضي إلى اللاشيء إلا أنها- تغري به في خسة وحبور
[size=16]ورفاقي : الشعر الرجيم معتقاً - في كأس خمر سمحة وشعوري وخيال حواء الأثيمة ماثلاً- أبداً أمامي في دمي المسعور
[size=16]وفي المجموعة ذاتها ثمة قصيدة تحت عنوان (أبداً) في هذه القصيدة يمهد لعزلته القادمة إذ يقول:
[size=16]أبداً وأكره هذه الأبدا- وأحس فيها الموت والكمدا
[size=16]- فحروفها السوداء حاقدة- تلقي علي الهم والسهدا
[size=16]- أبداً تعربد في دمي فأرى - أن الوجود تفاهة وسدى
[size=16]- أبداً تعذبني ، تمزقني - وصريف أحرفها يلوح مدى
[size=16]- أبداً أنا استسلمت لا وهناً - مني ولا خوفاً ولا جهداً
[size=16]- لكنني الموت يلجمني- ولهاث قلبي هاتف : أبداً..
[size=16]علي الجندي الشاعر المبدع يرحل جسداً ويبقى إبداعاً وعطراً فواحاً.