farajmatari عضو بلاتيني
عدد الرسائل : 262 تاريخ التسجيل : 12/01/2010
| موضوع: كتاب بطلان تخرصات أعداء الإسماعيليين الجمعة يناير 15, 2010 10:16 pm | |
|
[size=12]كتاب بطلان تخرصات أعداء الإسماعيليينللباحث الألماني: هاينز هالم Heinz Halmليست غاية الكتاب الذي بين ايدينا تقديم تاريخ مفصل للخلافة الفاطمية التي قادت إلى واحدة من أكثر الفترات سطوعا في التاريخ الاسلامي. والموضوعات التي ستناقش هنا تتناول عملية التعليم والتعلم _ وهي النشاطات التي ميزت الجماعة الإسماعيلية منذ بداياتها الاولى. العلم والحكمة هما، طبقا للمعتقد الإسماعيلي، نعمتان من الله اوحي بهما للبشرية عبر انبيانه. فقد بعث الله بستة انبياء على التعاقب حمل كل واحد منهم شريعة وهم : ادم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى المسيح ومحمد. ويسمى هولاء الانبياء « النطقاء » لانهم يتحدثون إلى الناس ، ويعلنون عليهم شريعة، وهي شريعة ذات صفة ظاهرية لها واجباتها ومحرماتها، وطقوسها المفروضة وتعريفاتها الفقهية. ووجد إلى جانب كل واحد من هولاء الانبياء _ النطقاء وحي أو اساس ( أو ممثل مكلف )على علم بالمعنى «الباطني» الثابت والخالد لجميع تلك الفرائض والانظمة ويعلمه _ ولو كان ذلك لعدد قليل من النخبة. وهكذا، كان وصي ادم ولده قابيل، ولنوح ولده سام ولابراهيم ولده اسماعيل، ولموسى شقيقه هرون، ولعيسى المسيح سمعان بطرس. اما في دورنا فكان محمد هو النبي الناطق وكان وصيه أو اساسه ابن عمه وصهره، علي بن ابي طالب. وسلالته هم الائمة الحقيقيون للامة الاسلامية ؛ وهم وحدهم يعلمون « المعنى الباطني » للتنزيل الالهي الذي اعلنه محمد، ويقومون بنقله. والائمة الذين تواصل خلفائهم في اشخاص الخلفاء الفاطميين، هم بهذا الشكل مستودع الرسالة الالهية، وهم خزنة « العلم » و« الحكمة » اللذين يجري نقلهما وبثهما إلى اتباعهم، اولياء الله. عمل الائمة على نشر «العلم » و«الحكمة » من خلال دعاتهم، الذين كانوا يدعون الناس لاتباع الإمام الحق ويعلمون المستجيبين « الحكمة». والداعي باعتباره معلما هو اكثر الشخصيات المميزة للحركة الإسماعيلية. فمنذ البدايات الاولى كان الدعاة يرتحلون في طول البلاد وعرضها في سبيل نشر البشائر [بقرب ظهور المهدي]. وكانوا دعاة جوالين في بداية امرهم، وعملوا تحت ستار مهنة لا تلفت النظر بهدف حماية انفسهم وحماية اتباعهم على السواء. فالداعي الاهوازي، اول داعية في العراق، كسب قوت يومه من الخياطة ومن عمله كحارس لمحصول التمر! بينما عمل داعية كان يجوب الجبال في غربي سورية في حلج القطن، وكذلك كانت الحال مع اول داعية في اليمن، ابن حوشب منصور اليمن، الذي استاجر دكانا في ميناء عدن وعمل في تجارة القطن. ونادرا ما ظهر الدعاة للجمهور علنا ! بل فضلوا مخاطبة اناس معينين مستقلين واثارة الرغبة لديهم في معرفة اسرار تعاليم كان عليهم أن يلقنوها لهم. وكان يوخذ على المستجيب عهد بالمحافظة على سرية ما يلقى عليه، وذلك قبل البدء بتلقينه، مما استوجب الصمت الذي كان اجراء احترازيا ضروريا ضد الاعداء السياسيين والدينيين، كما أدى بشكل طبيعي الى جميع انواع الظنون والتخرصات حول الإسماعيليين. وبالفعل، فان معارضيهم ما فتئوا يعملون دون كلل على تعويض جهلهم بوضع واختراع مختلف انواع التخرصات والطعون التي لا اساس لها، وهي التي عاشت حتى في ادبيات القرن العشرين. وبفضل البحث الحديث فقط، الذي شجعته سياسة كشف النقاب التي مارسها الإمام الثامن والاربعون، سلطان محمد شاه اغا خان الثالث (إمامته من 1885_ 1957) وخلفه سمو الامير كريم اغا خان الرابع، بعد أن تم بوضوح اثبات عدم وجود أساس صحيح لمختلف التشويهات والمزاعم السخيفة التي جرى تداولها قرونا. لقد اصبح الادب الإسماعيلي في متناول الجميع اليوم، وتم نشر العديد من الاعمال التي وصلتنا مخطوطة ودرست من خلال الجهود المشتركة للباحثين الإسماعيليين والغربيين. ان النص الكامل للميثاق أو العهد لا يزال موجودا.(1) ويظهر هذا النص ايضا مدى بطلان تخرصات اعداء الإسماعيليين. فمن خلال هذا العهد كان المستجيب يلزم نفسه طوعا بتطبيق اركان الاسلام وتنفيذ جمع فروض الشريعة. وقد اكد الائمة الفاطميون على الدوام ان الظاهر والباطن واجبان مفروضان بشكل متوازن، وهما ملزمان لكل مؤمن طالما أن الله لم يسن شيئا يخالف ذلك. النقطة الثانية المهمة التي تضمنها العهد هي وجوب إطاعة الإمام الحق، الذي لم يكن اسمه يكشف للمستجيب في بداية الامر _ من باب الاحتراز مرة اخرى. وكانت السرية المطلقة فرضا اخر، وهي ضرورة استوجبتها، كما سلفت الاشارة، طبيعة عمل الداعي في محيط معاد. وما أن تتم عملية الزام المستجيب لنفسه وربطها من خلال العهد حتى يصبح قادرا على الدخول في عملية تلقي «الحكمة » خطوة خطوة _ وليس دفعة واحدة لان ذلك قد يكون فوق طاقاته العقلية. « انكم ستوضعون موضع الاختبار»، يقول الداعي مخاطبا تلاميذه، « لانكم مبتدئون والمبتدئ مثل الطفل الرضيع : فأنت تبدا باطعامه الحليب، وفيما بعد فقط تعطيه المزيد من الطعام المغذي» (2). وفي توجيه إلى الدعاة ورد في «الرسالة الموجزة الكافية في شروط الدعوة الهادية» للداعي احمد النيسابوري، يستخدم المؤلف الصورة البيانية نفسها للطفل الرضيع. فعملية التلقين تنفذ على ثلاث مراحل الاولى تماثل عملية ارضاع الطفل الرضيع، والثانية تنشئة الطفل، والثالثة تطوير العقل الشاب إلى مرحلة النضج. لكن من الواجب تغذية الطفل بطريقة معقولة : « فإذا ما اطعمته كثيرا من بداية تكوينه، فإنك تدمره ». ولذلك، من واجب الداعي البدء بتقديم المعارف اللطيفة التي بامكان ( تلميذه ) فهمها وتقبلها ! فعليه اولا تثبيت معرفته بالتوحيد، والايمان بالله وبالرسول والائمة وإطاعتهم، وذلك تمشيا مع قوله تعالى : (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) «القرآن 4/59». وبعد ذلك، فانه سيتقدم وينتقل إلى معرفة المراتب الاخرى. موضوع العلاقة بين المعلم والتلميذ كان موضوعا لواحد من اقدم اعمال الادب الإسماعيلي، «كتاب العالم والغلام»، المنسوب إلى اول داع في اليمن، ابن حوشب منصور اليمن (4). وعلى الرغم من أن حبكة «حكاية التلقين» هذه هي خيالية، الا انها تمثل انعكاسا صادقا بكل تاكيد للممارسة التي كان يطبقها الدعاة الاوائل. وفيما يلي تلخيص لهذه الحكاية: العالم الوارد ذكره في عنوان الكتاب هو الراوي نفسه. وهو يقوم، في مقدمة هي اشبه ما تكون بالمناجاة، بمناجاة نفسه حول اصول علمه وما يستوجبه هذا العلم، فيتفتح القول : « كنت رجلا ميتا، فاحياني الله وحولني إلى كائن حي، رجل عالم... ولذلك فمن واجبي اظهار شكري وامتناني لهذه النعمة الالهية بنقل الامانة التي استودعني اياها اولئك الذين سياتون من بعدي، تماما على النحو الذي قام به اولئك الذين سبقوني ونقلوها الي ». أن هذه الكلمات القليلة تتضمن كامل الفكرة الإسماعيلية عن العلم والتعلم والتعليم. فالعلم يعني الحياة، والتعلم يعني القيامة من موت الجهل، والعلم امانة استودعها الله بني البشر الذين ليس لهم الاحتفاظ بها لانفسهم عن انانية، بل نقلها إلى الاخرين بدلا من ذلك. التعلم والتعليم هما مهمة الهية : فالانسان الذي يشهد قيامته الروحية عن طريق التعلم عليه واجب اعادة جاره ( اخيه الانسان ) إلى الحياة ايضا. ويرتحل « عالمنا » عبر العالم بحثا عن تلميذ جدير بامكان العالم نقل الامانة المستودعة لديه إليه، حتى يصل مكانا نائيا في نهاية الامر ؛ مكانا منعزلا لم يشهد نشرا للعلم فيه بعد. وفي احدى الامسيات، يدخل قرية ويختلط بجماعة من الناس يناقشون مسائل دينية فيشارك في حديثهم. غير انه لم يكشف صراحة عن هدفه الحقيقي، وعندما يتفرق الجميع بعد وقت متاخر، يتخلف غلام ويعبّر عن رغبته في معرفة المزيد. فيطلب الداعي من الغلام مشاركته في طعامه، لانه عرف انه وجد تلميذ المستقبل. أن الشاب الذكي الذي ينحدر من اسرة غنية تواق للتعلم. وهو يستجدي العالم كي لا يبقي علمه لنفسه، ويسال متلهفاً : «هل من سبيل لي لكي احيا ؟... كن رحيما، فأنت ايضا كنت مرة في مثل وضعي الحالي!... وهذا الذي تدعو اليه ما هو ؟ من اين ياتي ؟ والى اية جهة يقود ؟ » وبعد حديث تلك الامسية التمهيدي يفترق الاثنان، وتعقب ذلك فترة متطاولة من النقاشات التمهيدية التي يتم خلالها قيادة الشاب تدريجيا اقرب فاقرب باتجاه سر العالم. وأخيرا يكشف العالم له أن هناك مفتاحا ، للمعرفة الصحيحة، وهو ميثاق المحافظة على السرية تحديدا. ويقرأ الداعي على الشاب صيغة العهد ( كتاب العهد)، ويكرر الشاب العهد وواءه جملة جملة. عند ذاك، يبدا بتعليمه مبادئ المعرفة الدينية. ويشرح له كيفية خلق العالم، مشيرا إلى الرابطة ما بين المعنى « الظاهري» و المعنى «الباطني» المرتبطين بطريقة لا انفصام لها، لافتا أنتباهه إلى مصدر العلم أي الإمام باعتباره مستودعا حيا للحقائق الالهية. ويغادر الداعي بعد ذلك تاركا الشاب لبعض الوقت مع شكوكه وافكاره، ويذهب لروية رئيسه وسيده ليقدم إليه تقريرا حول جهوده لتثقيف الشاب. ويسمى هذا الرئيس في النص بمجرد الشيخ، ولا نعرف فيما إذا كان ببساطة داعية من رتبة اعلى أو ربما كان الإمام نفسه ؛ لكن الامر لا يهم كثيرا. ويرغب الشيخ في مقابلة الغلام، فيعود الداعي إلى القرية ويخبر الشاب بان يحزم امتعته ويتبعه. ويطيع الأخير دون تردد. أن توقع الحصول على المعرفة هو اثمن له من اي شيء اخر، ولذلك فهو يترك بيته واسرته ويلحق بالعالم. ويستقبل الشيح الفتى بلطف ويامر مساعديه بتامين الماوى له وللداعي. وفي اليوم التالي يحضر الغلام إمام الشيخ ويخضع للطقس المنتظم التالي من الاسئلة والاجوبة : _الشيخ : يا فتى أُكرِمتَ من خليل وافد، وحُييِّت من زائر قاصد، فما اسمك؟ _ الغلام : عبيد الله بن عبد الله. _ الشيخ : هذه صنعتك، وقد تقدم الينا خبرك، هل أنت حر أم مملوك؟ _ الغلام : انا حر ابن عبد الله. _ الشيخ : ومن اعتقك من ملك حتى صوت حراً ؟ _ الغلام : هذا العالم اعتقني، ويومئ بيده إلى العالم الذي دعاه. _ الشيخ : أفرأيت أن كان هذا مملوكاً، وغير مالك، هل يجوز لك عتقه؟ _ الغلام : لا يجوز. _ الشيخ : فما اسمك (الحقيقي) ؟ ويطرق الغلام متحيرا عن الجواب. _ الشيخ : يا فتى كيف يعرف بالشيء ما لا اسم له ولو كان مولودا ؟ _ الغلام : فانا مولود لك فسمني. _ الشيخ : ذلك حتى وفاء سبعة ايام. _ الغلام : ولم يؤخر ذلك إلى وفاء سبعة ايام ؟ _ الشيخ : لكرامة المولود. _ الغلام : فان مات المولود قبل تمام سبعة ايام ؟ _ الشيخ : لا يضره شيء، انه يُسمى بعد ذلك. _ الغلام : وهذا الاسم الذي سميتني به اهو لي ؟ _ الشيخ : إذاً تكون معبوداً. _ الغلام : فكيف يكون القول فيه ؟ _ الشيخ : الاسم لك مالك، وأنت للاسم مملوك، فلا تلج في حدودك وانصرف إلى اجله! ويقضي الغلام الايام السبعة التالية بصحبة الداعي في منزل الشيخ. وعند انقضاء المدة المفروضة، تم استدعاؤه إلى الشيخ. فاغتسل الغلام ولبس انقى ثيابه وراح يسمع لدى الشيخ من الكلام ما «لم تحط به الاوهام، ولم تجر به الاقلام، ولم يخطر على قلب بشر». لكن النص لا يكشف للقارئ طبيعة تلك الاشياء. فالسر يبقى محفوظا، ولا يكشف حصريا الا بموجب توجيه شخصي ومباشر. ان عملية التلقين هنا تفهم على انها ولادة ثانية، والمستجيب هو كالطفل الرضيع المولود حديثا. وهو يكتسب اسما جديدا، وتحوله عملية التلقين في العلم إلى رجل جديد. ويتم تسليم الامانة إليه الان، ويصبح من واجبه ايصال علمه إلى غيره. ويصرف الشيخ الفتى الذي يعود إلى قريته. ويصطحبه معلمه الروحي، الداعي، إلى حدود القرية حيث يودعه إلى الابد ايضا. فالغلام المُلقن اصبح الان معلماً. وهو يخضع لواجب ايصال الامانة المعهودة اليه، اي العلم، وسيصبح والده، الذي لا يزال رهينة قيود الجهل، اول تلميذ له. ان كتاب «العالم والغلام » يظهر بوضوح التقدير العالي الذي يكنه الإسماعيليون للعلم منذ وقت مبكر وفيما بعد ذلك ؛ بل أن الدين والعلم بالنسبة للاسماعيليين هما فعلا مرتبطان بعضهما ببعض بطريقة لا انفصام لها. وكانت ممارسة للاسماعيليين منذ البدايات الاولى للدعوة، أن يقوموا بايصال «الحكمة » إلى تلاميذهم عبر جلسات تعليمية عرفت باسم «مجالس الحكمة ». ثم أن قطعة من كتاب «سياسة نامه » للوزير نظام الملك ( ت 1092)، الذي يشير إلى الايام الاولى المبكرة للدعوة في شمال ايران، تعطي تصويرا حيويا لصورة العالم (المعلم) المحاط بتلامذته، التي تقدمها الدعوة الإسماعيلية عن نفسها: «وفي يوم خرج شيخ القرية ( قرية كولين في ضواحي طهران اليوم) خارج القرية وسمع صوتا صادرا من خرانب المسجد الكائن هناك. فاقترب من المكان للاستماع، فكان الصوت هو صوت الداعي خلف الذي كان يشرح المعتقد للناس ». وعلى الطرف الاخر، بعيدا في الغرب، قام ابو عبد الله الشيعي، اول داعية في شمال افريقية بتعليم اتباعه من بربر كتامة بذات الطريقة تماما. ومصدرنا في ذلك هو «كتاب افتتاح الدعوة » للقاضي النعمان، الذي اعتمد على سيرة أو ربما حتى على سيرة لابي عبد الله. وتصف فقرات عديدة منه الطريقة التي سلكها الداعي في عمله. فكان من البداية : « يجلس لهم ويحدثهم بظاهر فضائل علي بن ابي طالب صلوات الله عليه، والائمة من ولده عليهم السلام، فكلما راى واحدا منهم قد تلقن، واحس فيه ما يريده القى إليه شيئا بعد شيء متى يجيبه فياخذ عليه ». اما النتانج القريبة الاولى لدعوة ابي عبد الله فقد ظهرت في عشيرة بني سكتان، الذين منحوه ضيافتهم وحمايتهم. فكانوا اول من لقن في المعتقد الإسماعيلي في المغرب: « ودعا جماعة من بني سكتان فاخلوا له مجلسا للسماع، وكانوا يقومون بضيافة من يرد إليه. وكان يتعهدهم بالوصايا والتذكرة ويكرر عليهه. المواعظ والحكمة فيجمعهم لذلك ويجلس لهم اكثر ايامه» ويامر من اطلقه من الدعاة بذلك ويربيه عليه، فكانت ايامهم اكثرها مشاهدة وسماع ومواعظ. كما شاركت النساء في هذه المجالس لسماع الحكمة » (5). هذه هي الكيفية التي تم بها كسب عشائر وقبائل كتامة تدريجيا الى الدعوة واخذ العهد للإمام _ المهدي، الذي لم يكن قد تم الافساح عن اسمه بعد. واصبح الداعي المؤيد بقوة انصاره قادرا في نهاية الامر، وبعد عشر سنوات من الدعوة، على بدء تمرد مسلح ضد امير القيروان. وفي عام 902 أجبرت كتامة بلده ميلة الصغيرة، إلى الغرب من قسنطينة، على الاستسلام. فكان ذلك بداية لحرب عصابات ضد قوة الدولة القائمة وأنتهت بعد سبع سنوات بفتح مدينة القيروان. وتخلى اخر امير من سلالة الاغالبة عن قصوره وفر متوجها نحو مصر. وبعد دخول الداعي ابو عبد الله الشيعي مدينة رقاده الملكية في 25 آذار 909، تم تأسيس الدعوة الإسماعيلية في القيروان القريبة، حاضرة افريقية. وتولى دعاة من البربر دربهم ابو عبد الله مهمة الدعوة بين السكان السنة وسرعان ما لحق بهم اخرون كثيرون (6). وأخيرا ظهر المهدي المنتظر بعد سنة واحده من سقوط القيروان وتولى شؤون الامبراطورية التي اسسها الداعي ابو عبد الله الشيعي بعد سبعة عشر عاما من الجهود الملحة. وفي الرابع من كانون الثاني سنة 910 ، دخل الإمام عبد الله مدينة رقادة الملكية مصحوبا بولده والداعي، وفي اليوم التالي، الجمعة، جرى اعلانه خليفة جديدا في مسجد القيروان الكبير. على هذه الشاكلة بدات فترة حكم سلالة عرفت من قبل الاجيال اللاحقة باسم «الفاطميين »، احفاد فاطمة، ابنة النبي، على الرغم من انه لا يبدو انهم قد اطلقوا على انفسهم ذلك الاسم. فالاسرة الحاكمة اطلقت على نفسها ببساطة اسم «دولة الحق »، تماما كما اطلقت على دعوتها اسم « دعوة الحق ». وبقيام الحكم الفاطمي، صار بامكان الدعوة العمل علنا داخل مجال النفوذ الفاطمي في الأقل. ولم يعد الدعاة مضطرين للعمل سرا إلا خارج حدود اراضي الفاطميين. واتخذت مجالس الحكمة الان صفة مؤسساتية، لكن لم يكن بامكان أحد المشاركة فيها بالطبع سوى اولئك الذين قطعوا على انفسهم العهد. وبد مقتل الداعي ابي عبد الله الشيعي، شباط سنة 911، خلفه في منصب داعي الدعاة واحد من تلاميذه الاكثر موهبة، بربري من كتامة من قبيلة ملوسة يدعى افلح بن هرون الملوسي. وكان أفلح بن هرون، وهو من اوائل المستجيبين للدعوة، وقد ارسل إلى قبيلته كداعية من قبل ابي عبد الله، ومن هنا جاء لقبه«الداعي الملوسي». وأول ما تولى منصب قاضي مدينة طرابلس في ليبية اثر قيام الخلافة الفاطمية، ثم قاضي قضاة المدينتين المكيتين رقادة والمهدية، اي قاضي قضاة الإمبراطورية بكاملها. ومنذ تلك الفترة، أصبح تقليدا أن يتولى قاضي القضاة منصب داعي الدعاة في الوقت نفسه؛ صورة لتوحيد الظاهر والباطن أو الشريعة «الظاهرية» وتاويلها «الباطني» في شخص واحد. فقد امضى الفاطميون كامل فترة عهدهم وهم يلعنون بإصرار عن أن يلتزم الملقن بالفروض الظاهرية للشريعة الاسلامية في جميع الضروف؛ وقد سبق لهم التعبير من هذا الالتزام من خلال العهد الذي قطعوه. وشكل الظاهر والباطن وحدة لا انفصام لها، وتجسدا في شخص وسلطة قاضي القضاة وداعي الدعاة. وبخصوص نشاطات داعي الدعاة افلح بن هرون الملوسي لديا بعض المعلومات من مصدر لم يصلنا الا من خلال مجتزاءات في شكل اقتباسات لمؤلفين لاحقين، هو «سيرة الإمام المهدي» (7). وكان من في سيرة الإمام_الخليفة الفاطمي الاول هذه، داعية مساعدا، على معرفة بداعي الدعاة شخصياً، لان الاخر لا بد انه كان رئيسه وربما معلمه ايضاً. وبمناسبة وفاة افلح (قبل سنة 923)، وقف التلميذ يتذكر الاساليب التعليمية لسيده في مجالس الحكمة : ( « وسمعت عنده دعوة النساء، وما يخاطبهن به من الدلائل التي تقبلها عقولهن ويحفظنها، وكان يقول (فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) (القرآن، 6/149). وقال هي الحجة التي يخاطب بها العالم من علمه، والجاهل من حيث يعقل. ولقد كان يخاطب المراة ويقيم لها الدليل من حليها، وخاتمها، وسوارها، وخناقها، وخلخالها، وثوبها، وعجارها، ومن المغزل، والشعر، واللباس وغيره مما هو من حلية النساء، وكان يخاطب الصانع من صناعته ويخاطب الخياط من ابرته وخيطه وحلقته ومقصه، ويخاطب الراعي من عصاه وكسائه». أمران بارزان في هذا النص يعودان في اصولهما إلى الفترة الاقدم من الخلافة الفاطمية : الاول هو مهارة فن التعليم التي من خلالها كان الداعي يلائم نفسه مع كل نوع من الحضور على حدة، والثاني هو حقيقة أن رسالة الدعوة كانت تنقل إلى النساء ايضا. وقد سبق لابي عبد الله الشيعي ان عقد مجالس للنساء، ولا تزال ثقافة الفتيات والنساء وتعليمهن حتى اليوم واحده من الاولويات الرئيسة بالنسبة للجماعة الإسماعيلية. اما خليفة افلح الملوسي وداعي الدعاة الثالث فهو القاضي النعمان بن محمد الذي كان، كسلفه، قاضيا لطرابلس في ليبية في بداية الامر. وفي عام 948عينه الإمام الخليفة الفاطمي الثالث، المنصور (916_ 953)، قاضيا للقضاة وداعيا للدعاة. وصار النعمان، وهو فقيه من اصل عربي، مؤسسا لمدرسة الفقه الإسماعيلي؛ ويبقى كتابه الرئيس،«دعائم الاسلام »، المرجع الكلاسيكي لهذه المدرسة(9). ومثل سلفيه السابقين الاثنين، فقد اتحد على يده علم وعقيدة كل من الظاهر والباطن ؛ اذ أن كتاباته الوفيرة تتضمن معلومات تبحث فيهما معا. فالشريعة ؛ طبقا للمدرسة الفقهية الإسماعيلية، كانت في متناول جميع المسلمين، لانها تشكل القاعدة الشرعية للحياة اليومية للجميع. لكن بما انها كانت حديثة العهد _ والقاضي النعمان نفسه كان قد صنفها بناء على التراث الشيعي _ فقد كان من الواجب تعريف الناس بها. وهذا ما تم القيام به في صورة مجالس تعليمية عامة عقدها القاضي النعمان كل يوم جمعة بعد صلاة الجمعة، اي ما بين صلاة الظهر وصلاة العصر عندما كان يتجمع اكبر عدد من الحضور في المسجد. واول ما عقدت تلك المجالس في مسجد سيدي عقبة الكبير في القيروان على الرغم من الامتعاض الكبير لفقهاء المذهب المالكي المحليين. وعندما تم بناء مدينة المنصورية الملكية الجديدة إلى الجنوب من القيروان، قام النعمان بنقل مجالسه إلى المسجد الجامع الجديد لتلك المدينة الذي حمل، مثل خلفه في القاهرة، اسم الازهر (10). اما دروس «الباطن »، أو «مجالس الحكمة »، فقد كانت بالمقابل في متناول الملقنين في المذاهب أو المستجيبين وحسب. ولم تكن تعقد في المسجد، بل داخل القصر حيث كان من السهل ضبط دخول المشاركين وضمان السرية لها. وقد تم حجز غرفة خاصة لهذا الغرض. وكان النعمان يتولى عقد هذه المجالس شخصيا. كما اشار إلى ذلك مرارا. وهي ايضا كانت تعقد ايام الجمع، لكن بعد صلاة العصر عندما ينصرف الجمهور ولا يبقى الا اولياء الله، كما كان الإسماعيليون يسمون انفسهم.(11) وكل ما كان الداعي يلقيه في « مجالس الحكمة » يجب أن يحظر بموافقة مسبقة من قبل الإمام _ الخليفة نفسه، لانه كان هو وحده مستودع «الحكمة » ومعطيها. فكثيرا ما ذكر النعمان انه رفع محاضراته المكتوبة إلى الخليفتين المنصور ( 946_ 953) والمعز (953_ 975) للموافقة عليها. فالإمام هو مصدر الحكمة، والداعي هو مجرد ناطق باسمه. ويصف لنا النعمان كيفية تنظيم تلك المجالس في قصور المنصورية زمن فترة حكم المعز فيقول: « ولما فتح المعز لدين الله للمؤمنين باب رحمته واقبل عليهم بوجه فضله ونعمته، اخرج الي كتبا من علم الباطن وامرني أن اقراها عليهم في كل يوم جمعة في مجلس في قصره المعمور بطول بقائه. فكثر ازدحام الناس وغص بهم المكان وخرج احتفالهم عن حد السماع وملأوا المجلس الذي امر باجتماعهم فيه، وطائفة في رحبة القصر، وساروا إلى حيث لا ينتهي الصوت الى اخرهم. وقيل له في ذلك ووصف له أن فيمن شملته الدعوة اهل تخلف ومن لا يكاد يفهم القول، وان مثل هولاء لو ميزوا وجعل لهم مجلس يقرا عليهم فيه ما يحتملون ويفهمون، لكان انفع لهم ». وكان النعمان هو من اقترح ذلك على الإمام، لكن المعز امره بمواصلة الامر كما كان سابقا. ولا يهم فيما إذا كان جميع الحضور غير قادرين على فهم واستيعاب كل شيء، ؛ فكل فرد سوف يتحصل من هذه المحاضرات قسطه بمقدار ما تستطيع قدراته العقلية على الاستيعاب، « كما لو أن آنية وضعت تحت سماء ممطرة، وكانت ذات جوف، أخذت من الماء بقدر سعتها وفتحتها »(12). ان ما القاه القاضي النعمان في « مجالس الحكمة » تلك وصلنا في كتابه، « تاويل دعائم الاسلام »، وهو الكتاب الباطني المعادل به الظاهري في الفقه الإسماعيلي. فاحدهما يمثل الظاهر، والاخر الباطن. وكل فصل من فصول « التاويل » المائة والعشرين يحمل العنوان المميز « مجالس »(13).
الهوامش1_ احمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الارب، المجلد 125، المحرر م.ج ا. ( القاهرة، 1984)، ص (217-320)، المقريزي، الخطط ( بولاق،1270/1853-54)، المجلد 1، ص من 396_397؛ الترجمة الانكليزية لهالم «العهد الإسماعيلي ومجالس الحكمة » المنشورة في كتاب «الإسماعيليون في العصر الوسيط، تاريخهم وفكرهم » ( كمبردج، 1996)، تح. فرهاد دفتري » ص91_ 115 ( الترجمة العربية من قبل سيف الدين القصير دار المدى، دمشق، 1998). والنصوص المترجمة من قبل برنارد لويس في مجلة BSOAS، 12(1947_1948). ص 597، هي مجرد اضافات على الصياغة الاصلية للعهد ( القسم ).2 _ القاضي عبد الجبار، تثبيت دلائل النبوة. تح. عثمان ( بيروت، 1966). ص ه9ه.3 _ «الرسالة الموجزة الكافية في شروط الدعوة الهادية » منشورة في كتاب بالالمانية للكاتبة فيرنا كليم (Klemm) بعنوان «دعوة الداعي الفاطمي المؤيد في الدين في شيراز ( فرانكفورت ، 1989)، الملحق ص 16و47.4 _ « العالم والغلام » في : اربع كتب حقانية، تح. مصطفى غالب ( بيروت، 1987)، ص 15 _75. وترجمتها الانجليزية عند ايفانوف في "دراسات في الإسماعيلية الفارسية المبكرة » (بومباي، 1955)، ص 61- 86.5_ القاضي النعمان، (افتتاح الدعوة )، تح. وداد القاضي ( بيروت،1970)، ص 73، 76،120،140؛ تح. الدشراوي ( تونس، 1975)، ص 49، 52، 128، 146.6- ابن عذارى، البيان المغرب، تح. كولن وبروفنسال (ليدن، 1948) ص 121.7_ ربما كان مؤلف «سيرة المهدي» الداعي ابو عبد الله بن الاسود بن الهيثم. ووردتنا مجتزءات منها في «عيون الاخبار» لادريس عماد الدين، م ه وانظر مقالة هالم في مجلة: Die Welt des Orients، العدد 19(1988)، ص 102-107.8_ ادريس عماد الدين، عيون الاخبار، م ه، ص 137.9_ القاضي النعمان، دعائم الاسلام، تح. فيضي ( القاهرة، 1967) مجلدان.. 1_ القاضي النعمان، المجالس والمسايرات، تح. الفقي ( تونس، 1978)، ص 348، 434، 487،546.11_ المصدر السابق. ص 487.12_ المصدر السابق، ص 386 _ 388.13 _ القاضي النعمان، تاويل الدعائم، تح، الاعظمي ( القاهرة، 1967) مجلدان وحقق عادل العوا القسم الاول في : منتخبات اسماعيلية ( دمشق، 8ه19).[/size] | |
|
. فااارس من سلمية . عضو بلاتيني
عدد الرسائل : 186 تاريخ التسجيل : 03/08/2009
| موضوع: رد: كتاب بطلان تخرصات أعداء الإسماعيليين السبت يناير 16, 2010 7:57 pm | |
| - اقتباس :
- فان معارضيهم ما فتئوا يعملون دون كلل على تعويض جهلهم بوضع واختراع مختلف انواع التخرصات والطعون التي لا اساس لها، وهي التي عاشت حتى في ادبيات القرن العشرين. وبفضل البحث الحديث فقط، الذي شجعته سياسة كشف النقاب التي مارسها الإمام الثامن والاربعون، سلطان محمد شاه اغا خان الثالث (إمامته من 1885_ 1957) وخلفه سمو الامير كريم اغا خان الرابع، بعد أن تم بوضوح اثبات عدم وجود أساس صحيح لمختلف التشويهات والمزاعم السخيفة التي جرى تداولها قرونا. لقد اصبح الادب الإسماعيلي في متناول الجميع اليوم، وتم نشر العديد من الاعمال التي وصلتنا مخطوطة ودرست من خلال الجهود المشتركة للباحثين الإسماعيليين والغربيين.
شكرا لكم ولجهودكم على تسليط الضوء على موضوع التلفيق الدائم الذي يلحق بالاسماعيليين وهم براء منه وهذا التلفيق بعيد كل البعد عن الحقيقة والبحث بموضوعية | |
|