نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى …
قلة هم أولئك الذين يتسنّمون قمم الخلود والسمو والعظمة ، وقلة هم أولئك الذين ينفصلون عن آخر الزمان والمكان ، ليكونوا ملكاً للحياة والإنسان ، أولئك القلة هم عظماء الحياة ، وأبطال الإنسانية ، ولذلك تبقى مسيرة الحياة ، ومسيرة الإنسان ، مشدودة الخطى نحوهم ، وما أروع الشموخ والسمو والعظمة ، إذا كان شموخاً وسمواً وعظمة ، صنعه إيمان بالله ، وصاغته عقيدة السماء ، من هنا كان الخلود حقيقة حية لرسالات السماء ، ولرسل السماء ، ورجالات المبدأ والعقيدة ، وفي دنيا الإسلام ، تاريخ مشرق نابض بالخلود…وفي دنيا الإسلام ، قمم من رجال صنعوا العظمة في تاريخ الإنسانية ، وسكبوا النور في دروب البشرية ، وإذا كان للتاريخ أن يقف وقفة إجلال أمام أروع أمثولة للشموخ وإذا كان للدنيا أن تكبر لأروع تضحية سجلها تاريخ الفداء… وإذا كان للإنسانية أن تنحني في خشوع أمام أروع أمثولة للعظمة والبطولة…فشموخ جماعة إخوان الصفاء وخلان الوفاء أروع أمثولة شهدها تاريخ الشموخ والتضحيات والبطولات ، تلك هي دولة الخير ، طلابها علماء حكماء أخيار فضلاء رأيهم ومذهبهم ودينهم واعتقادهم واحد يتعاهدون بميثاق على نصرة بعضهم بالحق فقط وهم علماء بأمور الديانات عارفون بأسرار النبوات متأدبون بالرياضيات الفلسفية يسوسون انفسهم بتربية فاضلة منسجمة مع أخلاقهم النقية التي تردعهم عن الاسترسال في موبقات الرذيلة وكما أشار الإمام علي لكميل (أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا) وقد صنف هؤلاء الإخوان إثنتين وخمسين رسالة اختتموها بالرسالة الجامعة وتلتها جامعة الجامعة وفي هذه الرسائل كنوز فلسفية ثمينة وحكم نادرة جديرة تمثل إسلامنا أصدق تمثيل انها تراث مجوهر بالفكر تناوله ابن تيمية بالكفر والانحطاط الخلقي جورا وظلما والله غني عن العالمين ، علما بأن مؤلف الرسائل هو الإمام احمد الوفي صاحب حضرة المشهد العالي بمصياف أقدم على كتابتها عندما خشي أن يزيغ المسلمون عن شريعة جده المصطفى فجاءت مشروعا لدائرة معارف علمية ناموسية حقيقية تشكل صك غفران للمؤمن العابد الزاهد ، ولابد من ذكر بعض مساحات هذه الدائرة ولو نتف من طبقاتها الاثنتين والخمسين على اعتبار ان رسائل اخوان الصفاء وخلان الوفاء تبلغ (52) رسالة ، ولنقول بحول الله ومادة وليه في ارضه.
قال رسول الله طويى لإخواني قوم يكونون في آخر الزمان يؤمنون بي ولم يروني يصدقونني ويتبعونني وقال لأسامة بن زيد عليك بطريق الجنة وأيسره الظمأ في الهواجر وكسر النفوس عن لذة الدنيا قال رسول الله لعلي انت قسيم الجنة والنار تقول لها هذا لك فخذيه وهذا لي فاتركيه ، وعليك بالصوم فإنه يقرب إلى الله فإن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فافعل فإنك تدرك أشرف المنازل في الآخرة وتحل مع النبيين وتفرح الملائكة والأنبياء بقدوم روحك عليهم ويصلي عليك أهل الجنان إياك ودعاء كل كبد جائع فقد أذابوا اللحوم وأحرقوا الجلود في الرياح والسمائم وأظمأوا الأكباد حتى غشيت أبصارهم فإذا نظر الله تعالى اليهم باهى كرام الملائكة بهم وبهم يصرف الله الزلازل والفتن ثم بكى وقال ويح لأمتي ما يلقى منهم من أطاع الله فيهم كيف يُقتلون ويُكذبون لأنهم أطاعوا الله تبكي الأرض إذا فقدتهم ويسخط الجبار على بلد ليس فيها منهم أحد يا أسامة إذا رأيت أحدا منهم في قرية فاعلم أنه أمان لأهلها لا يعذب الله قوما فيهم منهم أحد واتخذهم لنفسك أصحابا عساك تنجو معهم وإياك أن تسلك غير طريقهم فتزل قدمك وتهوي في النار يا أسامة عقلوا حين ذهبت عقول الناس طوبى لهم وحسن مآب ألا لهم الشرف الأعظم،
وطلب أبو ذر وصايا من رسول الله فقال له:عليك بتقوى الله وذكره وقراءة القرآن والجهاد وإقلال الكلام ومحبة المساكين وقول الحق مع مرارته ولا يأخذك في الله لومة لائم وارض من الدنيا بكسرة تقيم الجسد وخرقة تواري العورة واكظم الغيظ ولا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق ، واعلم أن الله تعالى كلم موسى بن عمران باثني عشر الف كلمة يقول في عقب كل كلمة يا موسى : ادن مني واعرف قدري اسكنك جنتي ودار كرامتي مع ملائكتي ولا يزال لسانك رطبا من ذكري وقلبك وجلا من خشيتي وبدنك مشغولا بخدمتي ،ومن آرائهم أن العقل خليفة الله الباطن ورئيس الفضلاء ، والإمام عندهم هو وحده المتصل بالفلك الأقصى أو العقل الفعال أو واجب الوجود ، وهو صورة الصور وخليفة الله الظاهر في الأرض ، والمتحكم في الجن والإنس والحيوان والنبات والمعادن والخيرات ، وهو المعصوم من الخطأ ، كلامه وحي وأعماله سنة ، وله أن يفسر النصوص قرءاناً وسنةً ؛ فيخصص عامها ويقيد مطلقها ويؤول معانيها لأن الإمام بمنـزلة العقل الفعال أو الموجود الأول ، في حالة عدم وجود الناطق الذي هو النبي ، لأنه يحل محله في رتبته . وفي حالة وجود النبي يحمل الإمام عندهم مرتبة النفس الزكية ؛ وهو لديهم في عالم الدين والصنعة النبوية الرئيس الروحي الأعلى ، ووجوده ضروري في كل زمان ، ليكون حجة الله في أرضه والضامن لعباده التسرمد والخلود ، وأما ما يعيشه أبناؤنا مع مشايخهم فقد ورد على لسان إخوان الصفاء موقفهم من هذا النوع من الناس فقالوا في الصفحة 51 من الجزء الرابع ( ينبغي لك أيها الأخ أن لا تشغل بإصلاح المشايخ الهرمة الذين اعتقدوا من الصبا آراء فاسدة وعادات رديئة وأخلاقا وحشية فإنهم يتعبونك ثم لا ينصلحون وإن صلحوا قليلا قليلا فلا يفلحون ولكن عليك بالشباب سالمي الصدور الراغبين في الآداب المبتدئين بالنظر بالعلوم مريدي طريق الحق والدار الآخرة والمؤمنين بيوم الحساب المستعملين لشرائع الأنبياء الباحثين عن أسرار كتبهم تاركي الهوى والجدل غير متعصبين على المذاهب واعلم ان الله ما بعث نبيا إلا وهو شاب ولا أعطى لعبد حكمة إلا وهو شاب كما ذكرهم ومدحهم عز اسمه
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وقال تعالى : قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ وقال ايضا : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ واعلم أن كل نبي بعثه الله فأول من كذبه مشايخ قومه المتعاطون للفلسفة والنظر والجدل كما وصفهم تعالى فقال : وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلائِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ