خلال الحقبة الأخيرةمن عصرنا الحالي شهدنا وللأسف أحداثاً طارئة تستوجب اللوم والنقد، أفرزتها انشقاقات دينية واختلافات ثقافية في بلدان عدة متميزة في تراثها وحضارتها،
لتتخطى حدودها وتنتشر بسرعة صوت«المفرقعات» باتجاه كل حدب وصوب!
أحداث مأساوية تشير بوضوح أننا نسكن عالماً يزداد فيه التداخل الثقافي والعقائدي والديني والتواصل الاجتماعي حدالتشابك والتعقيد.
عالم يوفر فرصاً ثمينة تقابلها تحديات هائلة.. عالم تصم أذنيه دوي أزمات متنوعة من زواياه الأربع.. ينذر بخطروشيك ليس ككل الأخطار، يلّح علينا أجمعين ابتكار آليات مرنة تقدم حلولاً واقعيةوعملية لهذا السيل الجارف من التحديات التي تفرضها العولمة.
لذلك سارعت هيئة الأمم المتحدةبتأسيس ما يسمى «تحالف الحضارات» ومنشؤه، في الواقع، مبادرة تجسدت في رحم إرادةحملت أجوبة شافية وافية لأزمة الثقافات المتداخلة، ومن أهدافها الرئيسة تكريس التفاهم المتبادل بشكل أفضل، عن طريق بناء جسور بين المجتمع الواحد والمجتمعات المختلفة، والمطالبة بأسلوب تعايش متناغم بين الشعوب ذات التقاليد الدينيةوالثقافية المختلفة. بعبارة موجزة نقول بينما كنا نتهيأ للاحتفال بالذكرى السنويةالتاسعة لاعتداءات 11 أيلول،استطاع التحالف أن يبرهن تميزه في مقاومة القوى التي تهود السلم العالمي.
وتحت رعاية، تركيا واسبانيا،تحولت المبادرة تلك المنطلقة من السكرتاريا العامة للأمم المتحدة في تموز عام 2005إلى برنامج سياسي ذي مرجعية فيما يتعلق بالحوار وتآزر الثقافات المختلفة. وبعد مضي خمس سنين من العمل الدؤوب يستند التحالف، اليوم، على دعم الشريحة العظمى من دول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وقرابة عشرين منظمة دولية تشكل معاً أعضاء في«مجموعة الأصدقاء» التابع للتحالف، والمتعلقة بشدة بمبادئ الاحترام والتفاهم المتبادلين، كما التسامح والقبول بسرور بالتنوع الثقافي، والمصممة بعزم على العمل في مشاريع خاصة جنباً إلى جنب مع أي مجتمع مدني يبدي مساهمة أكبر كل يوم.ولا نبالغ في القول إن ثمة منظمات غير حكومية، ومؤسسات خاصة، ووسائل إعلام، وقادة دينيين،واجتماعيين وشخصيات أخرى اعتبارية على امتداد العالم تشارك جميعها وبفعالية كبرى في تحقيق المبادرة إياها, كما يشهد على ذلك منتدى تحالف الحضارات العالمي الذي انعقد في أيار الماضي في مدينة Riode janeiro
ومازاد في تشجيعنا إجماع الجمعيةالعامة للأمم المتحدة عام 2009 مدعماً بقرار 14/64، وتصميم الرئيس الأمريكي أوباما، في هذه السنة للانضمام إلى مجموعة الأصدقاء. جميع هذه التطورات تؤكد أكثرأن تحالف الحضارات مبادرة ملائمة اتخذت في اللحظة الحاسمة.
إلى ذلك يرتكز ضمان التحالف على وسيلتين ناجحتين أولاهما تتجه نحو الحصول على نتائج بفعل تحقيق مشاريع ملموسة في مجالات التربية والشبيبة والمهاجرين ووسائل الإعلام، وبالفعل بدت النتائج المسجلةفي هذا اليوم مشجعة ومن ضمن المشاريع المستخدمة نذكر بوجه خاص آلية الإعلام للردالسريع، وهي بمثابة جهاز إنذار سريع لكشف الأحداث التي تنذر بنزاعات وخلافات،ومراكز مصادر تستخدم للتدريب على تفسير وشرح وسائل الإعلام ، ومركز التربيةالدينية والعقائدية لأقوام وشعوب مختلفة، وبرنامج دولي للشراكة للقادة الشبّان،إضافة إلى مشروع silatech ويمثل في الواقع مبادرة ترمي لتشجيع توظيف واستثمار الشباب في العالم العربي.
وثانيهما تتمثل بقدرتها على إحداث تزاوج أو توحيد مابين مقاربة عامة( طريقة معالجة موضوع ما أو فهمه) وإجراءات معتمدة لتحقيق حاجات نوعية لكل مجتمع مع ضرورة استنادهما أعني الوسيلتين، أيضاً إلى مبادرات على المستويات الإقليمية والمحلية والدولية معاً.
وهكذا استراتيجيات إقليمية في الجنوب الغربي من أوروبا ، والبحر المتوسط، كما أمريكا اللاتينية، في إطار التحالف طبعاً وثمة بالمقابل خمس وعشرون دولة عبر العالم تبنت خطة وطنية من أجل الحوار بين الثقافات يعتمد على تشجيع مساهمات محلية «دبلوماسية بين المدن » والتبادلات بين شعوب وجماعات ذات تقاليد ثقافية مختلفة.
ودوماً عبر التحالف تستطيع هيئةالأمم المتحدة تعزيز قدرتها في التغلب على التحديات العالمية ومن هذه الناحية يمثل التحالف أداة قوية لخدمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بقدر مايمثل من أداةدبلوماسية وقائية وعنصر مكون للسلام.
وفي الواقع يمثل التعايش للثقافات والأديان المختلفة إحدى التحديات الهامة التي يواجهها المجتمع الدولي في القرن الواحدوالعشرين، لقد برهنت تركيا وإسبانيا مثل أعضاء كثر في مجموعة الأصدقاء عن التزامهم الوطيد والراسخ لتكثيف وتوثيق التعاون بشكل أكبر بين الدول، إن بناء جسور ممتدةوتحريك الحوار باسم التفاهم المتبادل إنما يمثل إحدى أولويات أهدافنا، التعطل والكسل ليسا في الرهان على الإطلاق ، بل ساحتنا واسعة جداً للنيات الحسنة والعمل الجاد المخلص.
ولنا أن نضاعف جهودنا لخلق عالم أفضل وأكثر أمناً وسلاماً، وتحويل بؤر الاختلافات والنزاعات الثقافية والدينية إلى ينابيع ثرّة من التفاهم والتآزر والتعاضد وبهذه الوسلية الممكنة نستطيع، وبعونالله، تعزيز أركان السلام والتطور لمنفعة شعوبنا والأجيال القادمة على حدّ سواء.
منقووووول
بقلم: رجب طيب أردوغان وخوسيه لويس ثاباتيرو
في مبادرة إطلاق «تحالف الحضارات»