((الاحتفاء بعيد لغتنا الأم))
أيّها العرب في عيد لغتنا الأم.. أوقدوا شموعاَ..!!
******************************
أيّها المسؤولون في المجامع العربيّة ..!!أيّها المختّصون في علوم لغتنا العربيّة،والمدرسّون لقواعد نحوها وصرفها..!!
أيّها الشعرا،ء والكتاب الذين أبحرت أقلامهم في بحور مكنوناتها، ولألىء مفرداتها،وغرفت من كنوز بلاغتها، ماطاب لها ورقّ من صور بلاغية مستحدثة، وجميلة، ارتقت بالذائقة الأدبية عند الجمهور المطلّع،وأبدعت عند المختصين فنوناً في مختلف ميادين الأدب من شعر، ونثر.. !!
أيّها المحتفون بعيد لغتنا الأمّ جميعاًً:
أوقدوا شموعاً في عيدها هذا العام..!!
احتفاء بأعظم ،وأمتن رابط قومي يوحدّنا، ويحافظ على تراثنا، وحضارتنا من الاندثار والضياع..!!قال الشاعر:
لغةٌ أذا وقعت على أسماعنا == كانت لنا برداً على الأكباد
ستظلّ رابطةً تؤلّف بيننا == فهي الرّجاء لناطقٍ بالضّاد
أيّها المحتفون:أوقدوا شموعاً في عيدها،حتى لاننسى أنّ لغتنا الأم، هي اللغة العربيّة الفصحى، التي نزل فيه قوله تعالى في سورة يوسف الآية2:إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ",وكذلك قوله تعالى في سورة طه ،الآية113
)وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا،وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ( 113)
وليست اللغات الدّارجة في الدّول العربية،ولا اللهجات المحليّة التي تختلف في القطر الواحد بين مدينة ،ومدينة ،بل بين حيّ، وحيّ، بصور متعدّدة الألوان، والأشكال حتى أصبحت كما ذكر شاعر النيل حافظ ابراهيم:
أيهجــرني قـــومي عفـا الله عنـهم إلـــى لغــة لــم تتّصل برواتــي
سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى == لعاب الأفاعي في مسيل فـراتي
فجــاءت كثوب ضّم سبعين رقعـة ==
مشكّلة الألـــــــوان مختلفـــــات
إلى معشر الكتـّـاب والجمع حــافلً == بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإمّــا حيــاة تبعث الميت في البلى == وتنبت في تلك الرّموس رفـاتي
وإمّــــا ممــــاتً لا قيـــامـة بعــده == ممـــات لعمري لم يقس بممـات
هذه هي الصرخة التي أطلقها شاعر النّيل،لإنقاذ لغتنا العربيّة من التشرذم، والضياع،وضرورة الحفاظ على الفصحى في تخاطبنا، وكتابتنا واعتماد هذا النّهج في كلّ وسائل الإعلام المختلفة،وفي مدارسنا، ونبذ كلّ مايرسّخ قواعد العاميّة في تخاطبنا،ومنها مانراه على شاشات التلفاز من خطاب، وحوار بالعاميّة،يذاع بلهجات محليّة، ويعتمد في المسلسلات الأجنبية المدبلجة،أو المترجمة بلهجات مشكلّة الألوان، والأشكال حتّى كدنا ننسى أنّ العربيّة الفصحى هي لغتنا الأم، وأنّنا نحن العرب أبناؤها الأباة الميامين، الذي قال فيها، وفينا الشاعر:
أمّ اللغات غداة الفخر أمُّهُما == وإن سألت عن الآباء فالعرب
أيّها الخائفون على لغتنا من الغزو الثقافي الأجنبي لمجتمعاتنا، وشبابنا،والخائفون من شرور العولمة ،وتيّاراتها الفكرية والثقافية المستوردة،والتي تقتل عندنا حسّ الإبداع وتجعلنا عبيدا لكلّ فنون وتيارات العولمة العاصفة التي تهبّ علينا،وتريد أن تقتلعنا من جذورنا،وتنسينا تراثنا وحضارتنا..!!
قال الصديق الخائف على لغته من موجة هذه الثقافات
( نكون مخطئين حين نغلق نوافذنا وأبوابنا بوجه أي علم أو ثقافة..!! ولكنّنا سنكون أكثر من مخطئين سنكون خطاة حين نسمح لها أن تقتلعنا، وتذرونا إلى حيث لا ندري.. أترانا اليوم مخطئين، أم خطاة..!!؟))
وأنتم ياجهابذة العصر،ياأيّها الحماة النّجب للغتنا الفصحى، هبّوا من رقادكم،وأشعلوا ليس فقط شموعا، بل مصابيحاًً في عيد لغتنا الأم، لكي ننير طريق من تجاهلوا أهميّة وخصائص لغتنا الفصحى،وتجاهلوا قواعد نحوها وصرفها، وعظمة فصاحتها، وأخذوا يتكلّمون بلهجاتهم الدارجة حتّى في مؤتمراتهم التي يلبّون دعاوتها لحماية لغتهم العربية الفصحى، ولما سئل أحد المؤتمرين ،أو المتآمرين على لغتنا:لماذا تتكلّم باللغة العاميّة، وأنت في مؤتمر يتعلّق بحماية اللغة الفصحى..؟؟أجاب وبكلّ برودة أعصاب، بعد أن تناول وجبة دسمة على شرف حماية اللغة العربية:أجاب
هكذا تعوّدنا) وغيره الكثير... الكثير...!! من أولئك المختّصين الذين اعتادوا على(الهدر بها بزّاف)كما يقول أخوتنا في المغرب العربي،فهل فهمتم ماقلته لكم في هذه الجملة..!! يا أخوتنا في المشرق العربي..!!طبعاً لا..،إلا إذا كنتم مّمن أقام في إحدى دول المغرب العربي لمدة لاتقلّ عن سنتين، فمن الممكن أن تفهموا معناها حينئذ،ولكن إذا ماترجمنا هذه الجملة إلى الفصحى،قلنا(التكلّم بها كثيرا) عندئذ فقط يفهمها القاصي، والداني من أبناء أمتنا العربيّة في مغربها، ومشرقها،وعندما وضعوا برنامج الأطفال المعروف (افتح ياسمسم)، احتاروا في أيّة لهجة مغربية ،أو مصرية، أو خليجية، أو سورية يخرجونه، حتى اتفقواعلى أنّ أسلم لغة له، هي اللغة العربيّة الفصحى..!!وعندما أذيع البرنامج على الهواء، سرّ به أطفال الوطن العربي، وسعدوا من المحيط إلى الخيج، وفهموا لغته وأخذوا يقلّدون فيه شخصياته، وأبطاله،وكأنّما هم أبطال حقيقيون لاممثلون..!!فهل بعد ذلك من خوف على لغة الضاد،بعد أن عاداها أبناء الضاد..!!إنّ أخطر أعداء اللغة العربيّة هم النّاطقون بها بلغاتهم، ولهجاتهم المحليّة، أمّا عن التلوّث اللغوي في هذه الأيّام فحدّث ، ولا حرج،لقد شكا لي أحد الحريصين على لغته العربيّة الفصحى، شكا لي أنواعاً من التلّوث اللغوي، يتسبّب به رجال الإعلام الذين من المفروض أن يكونوا قدوة لغيرهم في التكلّم بلغتهم الفصيحة؛ السّليمة في نطق حروفها، وفي ضبط أواخر كلماتها بالشكل،ولكن قلّما يقرأ مذيع نشرة الأخبار،إلا وينشر وراءه(طوزاً) باللهجة الدّيرية،أي غباراً كثيفاً من أخطائه اللغوية، والنّحوية، وقلّما تمشي في شارع من شوارع دمشق،وتعرف انّك في عاصمة عربيّة من كثرة القارمات، ولوحات الإعلانات، وأسماء للمحال التجارية من فنادق، ومطاعم، ودور سينما، التي سميّت كلّها بمسميّات أجنبية متعدّدة،وبأسماء غريبة عجيبة لأصحابها،وتساءل الصديق العزيز:
ترى هل يجد أبناء العربية الذين يزورون الغرب مطاعم، وفنادق، ولوائح إعلانية مكتوبة،
بغير لغة البلد الذي يزورونه؟!.....
وكان أخطر ما اشتكى منه هذا الصديق،ونحن نشاركه خوفه في كلّ ماذكر، وخاصّة في هذا الأمر الذي سوف ذكره،قال:التلوث يبدأ مع المنهاج الجديد الذي أضاع الثروة اللغوية لطلابنا، في الأول الثانوي، الطالب ليس معنيّاً بحفظ أي نص أدبي.. فمن أين ستأتي ثروته اللغوية...؟؟ في الثالث الابتدائي...نصوص تقدّم للأطفال الرّكاكةفي عنوانها، ومضمونها، وبالمناسبة يخطر في بالي، أن أسأل المعنيين بهذه المناهج: لماذا أبعدتم روائع النصوص..؟؟ ترى ما الذي يمنع أن يبقى النّصّ الجميل تراثاً، وزاداً لطلابنا.. ؟؟!! وتساءل الصديق:هل يتخلّى البريطانيون عن روائع شكسبير؟؟..
ألم يقل أحد ساستهم:
تتخلّى بريطانيا عن نصف إمبراطوريتها، ولا تتخلّى عن روائع شكسبير..؟!
التلوث يبدأ مع صالات الفن التشكيلي التي تسمّى بأسماء أجنبية، أو تقدّم أسماء الفنانين بحروف أجنبية أولاً، وثانيا بالعربيّة، وربما من باب رفع العتب...!!
والتلوث يبدأ مع عدم قدرة الخريج الجامعي على كتابة موضوع بلغة عربية سليمة من أخطاء الإملائيّة، وليس القواعديّة..!!
إذا كانت بعض من مظاهر التلّوث اللغوي في مياديننا، وساحاتنا، وصحفنا المحليّة، ووسائل الإعلام من إذاعة، وتلفزة،وما يحدث على صفحات الإنترنيت من دردشة، وثرثرة بشتّى اللهجات، واللغات الأنجلو عربية، وإذكان أصدقاؤنا المشرفون في مختلف المواقع الثقافية، يعلّقون بلغات، ولهجات، وعبارات تظن من خلالها أنّك تزور البحار ،وتسمع على شواطئها لغة الطيور البحرية،ماحطّ منها وما طار..!!لقد طار مخزوني اللغوي من كثرة ما قرأت من تعقيبات على صفحات المواقع الإلكترونية..بلغة دراجة، دخيلة،غريبة عن أمّ اللغات، وأريدكم فقط ياأيّها الأصدقاء أن تعبّروا عن مشاعركم،بلغة سليمة، سهلة، عذبة كعذوبة الماء البارد في يوم قائظ..!! وأن تكتبوا ردودكم بلغة خالية من الأخطاء الإملائيّة قدر المستطاع،ولا تتسرّعوا في الرّدود والتعقيبات،فكلّنا في العجلة نخطىء..!!
أريدكم أن تقرؤوا ماكتبه صديقنا الخائف على لغتنا الفصحى من الضياع والا ندثارحيث قال:
(أتمنّى أن يقرأ من يهمّه أمر لغتنا كتاب: حرب اللغات، والسياسات اللغوية الصادر عن المنظمة العربية للترجمة، وهو من تأليف: (لويس جان كالفي) وترجمة
د. حسن حمزة) وأسمح لنفسي أن أنقل من الصفحة 221قوله: « تبدو السياسة اللغوية كما عرفناها مرتبطة بالدولة، وليس هذا خياراً نظرياً من جانبنا، وإنما هو تقرير للواقع، ويشير الكتاب إلى أن التخطيط اللغوي ولد كمصطلح في فرنسا إلى جانب مصطلح التخطيط الاقتصادي، أي إلى جانب الأشياء التي للسلطة نفوذعليها، وتستطيع إدارتها وتوجيهها ..
ترى هل نخطّط للغتنا أم؟؟...
وأخيرا يخلص الصديق إلى سؤال يجب أن نوجهّه إلى أنفسنا جميعاً كعرب: هل لغتنا العربيّة بخير...؟؟
وقبل أن نجيب عليه،أو بالأحرى يجيب عليه صديقنا الذي حذّر من أخطار التلوّث اللغوي،
يجب أن نوقد شموعا كثيرة ..كثيرة بعدد النّاطقين بلغة الضاد،في عيد لغة الضاد ،حتى لانخاف في حقيقة عتمة، وسوداوية الجواب..!!
لغتنا العربية ليست بخير، أبداًولن تنفع أو تهدئ من روعنا تصريحات الكثيرين من المعنيين بشأننا اللغوي، فبعض المعنيّين والمختصين باللغة، يرى أن اللغة العربيّة ستبقى بخير، ولا خوف عليها أبداً، وقد مرّت بمحن كثيرة، وخرجت منها وهي أكثر إشراقاً ومرونة، وطلاوة، وحلاوة و...!!
ونحن بدورنا وفي عيد أم اللغات، نتمنّى أن تكون بخير وعافية،لنظلّ نوقد لها شموعاً في عيد إطلالتها علينا ، كما نحتفي بصمودها،وثبات ديمومتها، في كلّ عام.
ملاحظة: الصديق الذي كتب ردّ:من يوقف التلّوث اللغوي...؟؟!! هو من وقع باسم(سقراط) من منتدى الباحث الاسماعيلي.وباسمكم جميعاً أيّها الأصدقاء على هذا المنتدى الثقافي نتوجّه إليه بالشكر،ونكبر فيه حماسه، وغيرته على لغتنا العربيّة..ونتمنّى لقلمه الذهبي، أن يظلّ كالسيف حامياً حمى لغتنا الأم الفصحى أخطار كلّ تلوّث لغوي مقصود أو غير مقصود...!!
هذا وقد كنت قد عقبّت على المشاركة الهامّة التي وضعها الصديق(سقراط) المشرف والباحث على منتدى الباحث الاسماعيلي ،تعقيباً على مشاركتي التي وضعتها على كلّ المنتديات الهامة،ومنها هذا المنتدى الكريم،والمعنونة بـ (اللغةالعربيّة وعلومها المختلفة)،وأعيد اليوم احتفاء بعيد لغتنا الأمّ،أعيد نشر هذا الرّد نظرنا لأهميّته،وليعزّز عند الأخوة القرّاء مكانة لغتنا العربية،وليلقي مزيداً من الضوء على المخاطر التي واجهتها، وتواجهها لغتناالأمّ في ماضهيا وحاضرها..والله الموفق.
جاء في ردّي على الصديق سقراط مايلي:
أخي سقراط تحيّة طيّبة وبعد...
أثارني ردّك العلمي والمنهجي،وهزّ مشاعري،ولا أخفيك سرّاً لوقلت لك:إنّني شعرت بقشعريرة في كلّ كياني،وأوصالي،وأنا أقرأ مفرداته وجمله وتراكيبه التي كانت محمكمة أسلوباً،وغنيّة معنىّ وفائدة،وثريّة وطنيّة،وذات أبعاد قوميّة وإنسانية شاملة ،لأنّها تتعلّق(بلغتنا الأم) التي هي أغلى كائن حيّ يكتنز قيمنا وثقافتنا،وينقلها من جيل لجيل..عبر بوابّة مضامينه الأدبيّة والثقافية والتاريخية والفلسفية بل والإنسانيةالشاملة،إنّ هذا الكائن الذي مايزال حيّاً إلى الآن،ولكنّ ولاة أمرنا،والقائمين على مؤسساتنا اللغوية والفكرية والتعليمية،يسهمون الآن بالمشاركة في إضعافه، وتهميشه،من خلال تأثير كلّ الملوثات اللغوية التي ذكرتها حضرتك، وصولاً إلى دفنه حيّاً بقصد أو من دون قصد..
بل وأضيف على ماذكرت من ملوثات:ماينتقل إلينا من مسلسلات تركيّة وغير تركية مدبلجة باللغة العاميّة الشامية أو الحلبية،أو بلهجات خليجية أو مغربية،وكلّها سموم تصبّ في نهر لغتنا الفصحى ،فتلوث مجراه،وتسمّم لغة الأجيال الشابة الذين ومن خلال مانقرأ لهم على صفحات المنتديات،أو من خلال موضوعات التعبير التي يكتبونها في مدارسنا الحكومية أو الخاصة، لايعرفون كتابة جملة فعلية أو اسمية صحيحة وخالية من الأخطاء الإملائية أو النّحوية...
هذا ..ومن من منطلق تساؤلك(هل لغتنا بخير)أسأل:
من المسؤول عن هذا التلّوث اللغوي الذي تحدثت عنه،وأجدت بحديثك..!!،ومن هو المسؤول عن حمل لغتنا إلى مثواها الأخير،في نعش يحمله أبناؤها، وفلذات أكبادها..من المسؤول عن الأوصاب والعلل التي تتجذر في شرايين تربتها،فتميت جذورها قبل أن تخضر الأوراق،وتزهر البراعم..!!من المسؤول عن تمزيق أوصال جسدها إرباً، إرباً، ورميها في العراء جثة هامدة..قد يقول القارىء إنّ في ذلك مبالغة وتهويلاً بالأخطار المحيقة بلغتنا الفصحى،وبأهم رابطة تجمعنا كأمة عربية لها ماض مجيد،ولها ثقافة إسلامية شاملة، لاينكرها العدوّ قبل الصديق..ولانريد اليوم البكاء على أطلال هذا الماضي الذي سلف وانقضى،بل نريد أن ننبّه من لايزال لديهم بصر، وبصيرة..ونصرخ صرخة ابراهيم اليازجي الذي هاله ضعف الأمة،ونوم أبنائها بدلاً من مواجهة ألأخطار التي تتهدّد وجودها وكيانها،نريد أن نصرخ صرخته مجازاً من أجل لغتنا التي تحتضر رويدا رويدا..ونحن نبكي حول جسدها الذاوي المريض كالأيامى،دون أن نفعل شيئاً يضمّد الجراح،أو يوقف النّزيف،نريد أن نصرخ مع اليازجي...
حذار..حذار ياعرب، فلغتكم، وأمتكم، وشعاراتكم إلى ضياع واندثار:
تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب == فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ
فيمَ التَعلُّلُ بالآمالِ تَخدَعَكُم == وَأَنتُم بَينَ راحاتِ الفَنا سلُبُ
فكلّ من يستيقظ صباحاً، ويسمع وسائل الإعلام المرئيّة والمقروءة تنقل إلينا بلهجات محليّة: من سورية، ولبنانية، ومصرية، وعراقية وخليجية، ومغربية أخبار معاركنا وانتصاراتنا،ومن ثمّ يسمع بعدها أنباء الرّقع التي مُزّقتْ من الثوب الزاهي الجميل للغتنا الأم الفصحى من أمازييغية في المغرب العربي،وكرديّة، في المشرق العربي،وقبطية.. وشركسية... وبربرية..وووو..الخ وماهوقادم على طريق التشرذم، والتفتّت، والضياع..يدرك هول المأساة..ويدرك أن لانجاة..!!ويقول بلهجته الدارجة أيّاً كانت..تعالوا ياأبناء العروبة الميامين...تعالوا نحمل نعش من كانت لنا في يوم من الأيام أماّ...تعالوا نواريها التراب ،قبل أن تنهش جثتها الكلاب الضالة..!!
وبعد ياصديقي سقراط :دعني أوافقك الرأي ..إنّنافعلاَ نخوض معركة حقيقية من أجل تمكين لغتنا في نفوس أبنائنا وأجيالنا الشابة،ولكن أيّة معركة..؟؟ومن يخوض غمارميادينهااللغوية البلاغية والنّحوية..؟؟إنّهم ذوو الضمائر الحيّة من أمثالك، والذين نبّهوا وقرعوا أجراس الخطر،وحاولوا إيقاظ من غطََّوْا في نوم عميق..وأدركوا أن لانجاة لسفينة لغتنا من الغرق إلا بتعاون كلّ البحارة الماهرين القادرين على قيادة دفتها إلى برّ الأمان..لأنّه لم يعد هناك من قبطان يقود السّفينة إلى شواطىء السّلامة واالاطمئنان..!
إنها معركة بين ذوي الضمائر الحيّة، وذوي الضمائر الميّتة من أبناء هذه الأمة الغيورين على خزانة معارفهم، ولغة قرآنهم..وبرهان انتمائهم العروبي، والقومي..
وليس لي أن أقول، وأفتخر بهولاء القلّةمن أبنائها النّجب أكثر ماقاله الشاعر ابراهيم طوقان في مديحه لغيور على لغته الأم:
حنوتَ عَلى أُمِّ اللُغات فَصُنتَها == وَكُنتُ لَها الصرحَ المَنيعَ الممرَّدا
وَكانَ لَها جبرٌ أَميناً وَحامياً == إِذا ما بَغى الباغي عَلَيها أَو اِعتَدى
فأين مثل هؤلاء الأباة الذين ذكرهم شاعرنا..؟؟،ونذكّرنحن بهم حتى لانحمل نعش لغتنا الساحرة الجميلة ونسير به إلى سوء الختام، قبل أوانها،بل نسير به إلى حسن الختام في عرس فصاحتها، ونزفّها إلى ذروة البلاغة القرآنية الشريفة،وإلى نهج البلاغة الواضحة البيّنةللإمام علي بن أبي طالب، وأمات الكتب التراثية، والدواوين الشعرية، والمؤلفات اللغوية الفقهية، والنحوية..ونقول لسيبويه،كما قيل لشكسبير:
لم... ولن تموت لغة الضاد..!! مادام فينا ناطق بها،ولأنّ عدوّنا الذي استطاع من لاشيء، أن يصنع لغة خاصة به، يتخاطب بها على المنابر متفاخراً ومتباهياً ،فإنّنا قادرون بما وهب الله لغتنا من فصاحة وخصائص أسلوبية ومعنوية،أن نحافظ على ملكة إبداعها وحيويتها في نفوسنا وفي تأثيرها على غيرنا،لأنّها لغة عصرية متجدّدة ،بتجدّد الطرائق والأساليب النثرية والشعرية منها،وما تتضمنه تلك الأساليب من كنوز الفصاحة والبلاغة..كما يقول الشاعر علي الجارم مخاطباً مجمع الفصحى:
فَيَا مَجْمَعَ الفُصْحى عَزَاءً فَكُلُّنَا == إلَى الشاطِىءِ المَوْعُودِ ركّابُ زَوْرَقِ
وما عَقِمَتْ أُمُّ اللُّغَاتِ ولا خَلَتْ == خَمائِلُها منْ سَجْعِ كلِّ مُطَوَّقِ
وياأخي الكريم سقراط..
طوبى لقلمك على ما سطّر ،وطوبى للسانك على ماحذّر..وطوبى لغيرتك فهي لم تبق من تلوّث لغوي إلا ما كشفته، وفضحته..ولم تذر..
وصدقني ..لامجامع اللغة العربيّة، ولاقراراتها التي ما أن تنتهي المؤتمرات حتى توضع في الأدراج، وعلى الرّفوف ليعلوها الغبار،وتأكلها الجرذان..تستطيع أن تدفع الأخطار المحيقة بلغتنا،وإنما قلم كقلمك، وصرخة كصرختك،وقصيدة معبّرة كقصيدة الشاعر خليل مطران والتي سوف أضعها على صفحات هذا المنتدى الكريم،سوف توقد شمعة في النّفق المظلم الذي يسير به ولاة أمرنا،والقائمون على مناهج لغتنا،أنارالله طريقهم،وأنار بصيرتهم إلى مافيه خير أمتنا، ولغتنا..وشكراً
يقول أمين اللغة العربيّة، الشاعرخليل مطران، والذي جاء في تعريفه في الموسوعة الشعرية بما يلي:
خليل مطران
1288 - 1368 هـ / 1871 - 1949 م
خليل بن عبده بن يوسف مطران.
شاعر، غواص على المعاني، من كبار الكتاب، له اشتغال بالتاريخ والترجمة.ولد في بعلبك (بلبنان) وتعلم بالمدرسة البطريركية ببيروت، وسكن مصر، فتولى تحرير جريدة الأهرام بضع سنين.
ثم أنشأ "المجلة المصرية" وبعدها جريدة الجوائب المصرية يومية ناصر بها مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمرّت أربع سنين.
وترجم عدة كتب ولقب بشاعر القطرين، وكان يشبّه بالأخطل، بين حافظ وشوقي. وشبهه المنفلوطي بابن الرومي في تقديمه العتابة بالمعاني وبالألفاظ كان غزير العلم بالأدبين الفرنسي والعربي، رقيق الطبع، ودوداً، مسالماً له (ديوان شعر - ط) أربعة أجزاء توفي بالقاهرة.
تَقُولُ لأَهْلِهَا الفُصْحَى أَعَدْلٌ == لِرَبِّكُمُ اغْتِرَابِي بَيْنَ أَهْل
أَلَسْتُ أَنَا الَّتِي بدَمِي وَرُوحي == غَذَتْ مِنْهُمْ وَأَنْمَتْ كُلَّ طِفْل
أَنَا الْعَرَبِيَّةُ المشْهُودُ فَضْلِي == أَأَغْدُوا الْيوْمَ وَالمَغْمُورُ فَضْلِي
إِذَا مَا القَوْمُ بِاللُّغَةِ اسْتَخَفُّوا== فَضَاعَتْ مَا مَصِيرُ الْقَوْمِ قُل لِي
يُحَارِبُنِي الأُولَى جَحَدُوا جَمِيلِي == وَلَمْ تَرْدَعْهُمُ حُرُمَاتُ أَصْلي
وَفِي الْقُرْآنِ إِعْجَازٌ تَجَلَّتْ == حِلاَيَ بِنُورِه أَسْنَى تَجَلِّ
وَلِلْعُلَمَاءِ وَالأُدَبَاءِ فِيمَا == نَأَت غَايَاتُهُ مَهَّدْتُ سُبْلِي
إِذَا مَا كَانَ فِي كَلِمِي صِعَابٌ == فَلاَ تَأْخُذُ كَثِيري بِالأَقَلِّ
وَهَلْ لُغَةٌ قَدِيماً أَوْ حَدِيثاً == تُعَد بِوَفْرَةِ الحَسنَاتِ مِثِلي
فيَا أُمَّ اللُّغاتِ عَدَاكِ مِنا == عُقُوقُ مَسَاءَةٍ وَعُقوقُ جَهْلِ
لَكِ العَوْدُ الحَمِيدُ فأَنتِ شمْسٌ == وَلم يَحْجبْ شُعاعَك غيْر ظِلِّ
دَعَوْتِ فهَبَّ مِن شَتَّى النوَاحِي == مَيَامِينٌ أُولُو حَزْمٍ وَنُبْلِ
بِرَأْيٍ فِيكِ يَكْفُلُ أَنْ تُرَدِّي == مُكَرَّمَةً إِلى أَسْمَى مَحلِّ
يُنَوِّرُ شِعْرُهُمْ فِي كلِّ وَادٍ == وَيُزْهِرُ نَثْرُهُمْ فِي كُلِّ حَقلِ
إلى آخر هذه الأبيات الجميلة المعبّرة على لسان اللغة العربية،عن آلامها وآمالها،وعن حداة قافلتها النّجباء،وبفضلهم لن تضلّ السّير في فيافي عقوقنا، وجهلنا، وإهمالنا، وتشرذمنا..!!
وأخيراً أيّها الصديق سقراط أقول: بوركت جهودك،وسما ردّك،
وخير ما أختم به تعقيبي على كلامك وردّك المعبرين: ما قاله أمين اللغة العربيّة خليل مطران..
دَعَوْتِ فهَبَّ مِن شَتَّى النوَاحِي == مَيَامِينٌ أُولُو حَزْمٍ وَنُبْلِ
بِرَأْيٍ فِيكِ يَكْفُلُ أَنْ تُرَدِّي == مُكَرَّمَةً إِلى أَسْمَى مَحلِّ
يُنَوِّرُ شِعْرُهُمْ فِي كلِّ وَادٍ == وَيُزْهِرُ نَثْرُهُمْ فِي كُلِّ حَقلِ
الكاتب:حيدر حيدر
سلمية في /10/2/2011
ملاحظة:اليوم العالمي للغة الأم،والذي نحتفل به بعيد لغتنا العربية،يصادف الحادي والعشرين من شهر شبط من كلّ عام.
ومن الآن نقول: كلّ عام ولغتنا العربيّة الفصحى بألف خير.