(مـــن يوقــف هـــذا التلــوث اللغـــوي؟!!??.......
في إطار الرّد على مشاركتي التي وضعتها على صفحات منتداكم الكريم،وهي بعنوان(اللغة العربيّة وعلومها المختلفة،والتي عقّب عليها(مشكوراً) المشرف الأخ سقراط وبدوري الآن أهديه أعطر تحيّاتي، وأردّ على تعقيبه القيّم والذي عنونه بـ(مـــن يوقــف هـــذا التلــوث اللغـــوي؟!!??.......
شاكراًبوح قلمه،وفوح عباراته العطر،متمنيّاً أن يكون التعقيب من قبلكم،والرّدّ من قبلي بداية لحوار مثمر وغني، من أجل تمكين لغتنا العربيّة في نفوس أجيالنا الشابة ،وإن سمح لي الصديق سقراط، أن أنشر التعقيب، والرّدّ عليه،على بعض المنتديات التي تعمل مثلكم، من أجل النّهوض بلغتنا الأم من كبوتها،و تدفع بعجلات تقدّمها إلى الأمام.
أخي سقراط تحيّة طيّبة وبعد...
أثارني ردّك العلمي والمنهجي،وهزّ مشاعري،ولا أخفيك سرّاً لوقلت لك:إنّني شعرت بقشعريرة في كلّ كياني،وأوصالي،وأنا أقرأ مفرداته وجمله وتراكيبه التي كانت محمكمة أسلوباً،وغنيّة معنىّ وفائدة،وثريّة وطنيّة،وذات أبعاد قوميّة وإنسانية شاملة ،لأنّها تتعلّق(بلغتنا الأم) التي هي أغلى كائن حيّ يكتنز قيمنا وثقافتنا،وينقلها من جيل لجيل..عبر بوابّة مضامينه الأدبيّة والثقافية والتاريخية والفلسفية بل والإنسانيةالشاملة،إنّ هذا الكائن الذي مايزال حيّاً إلى الآن،ولكنّ ولاة أمرنا،والقائمين على مؤسساتنا اللغوية والفكرية والتعليمية،يسهمون الآن بالمشاركة في إضعافه، وتهميشه،من خلال تأثير كلّ الملوثات اللغوية التي ذكرتها حضرتك، وصولاً إلى دفنه حيّاً بقصد أو من دون قصد..
بل وأضيف على ماذكرت من ملوثات:ماينتقل إلينا من مسلسلات تركيّة وغير تركية مدبلجة باللغة العاميّة الشامية أو الحلبية،أو بلهجات خليجية أو مغربية،وكلّها سموم تصبّ في نهر لغتنا الفصحى ،فتلوث مجراه،وتسمّم لغة الأجيال الشابة الذين ومن خلال مانقرأ لهم على صفحات المنتديات،أو من خلال موضوعات التعبير التي يكتبونها في مدارسنا الحكومية أو الخاصة، لايعرفون كتابة جملة فعلية أو اسمية صحيحة وخالية من الأخطاء الإملائية أو النّحوية...
هذا ..ومن من منطلق تساؤلك(هل لغتنا بخير)أسأل:
من المسؤول عن هذا التلّوث اللغوي الذي تحدثت عنه،وأجدت بحديثك..!!،ومن هو المسؤول عن حمل لغتنا إلى مثواها الأخير،في نعش يحمله أبناؤها، وفلذات أكبادها..من المسؤول عن الأوصاب والعلل التي تتجذر في شرايين تربتها،فتميت جذورها قبل أن تخضر الأوراق،وتزهر البراعم..!!من المسؤول عن تمزيق أوصال جسدها إرباً، إرباً، ورميها في العراء جثة هامدة..قد يقول القارىء إنّ في ذلك مبالغة وتهويلاً بالأخطار المحيقة بلغتنا الفصحى،وبأهم رابطة تجمعنا كأمة عربية لها ماض مجيد،ولها ثقافة إسلامية شاملة، لاينكرها العدوّ قبل الصديق..ولانريد اليوم البكاء على أطلال هذا الماضي الذي سلف وانقضى،بل نريد أن ننبّه من لايزال لديهم بصر، وبصيرة..ونصرخ صرخة ابراهيم اليازجي الذي هاله ضعف الأمة،ونوم أبنائها بدلاً من مواجهة ألأخطار التي تتهدّد وجودها وكيانها،نريد أن نصرخ صرخته مجازاً من أجل لغتنا التي تحتضر رويدا رويدا..ونحن نبكي حول جسدها الذاوي المريض كالأيامى،دون أن نفعل شيئاً يضمّد الجراح،أو يوقف النّزيف،نريد أن نصرخ مع اليازجي...
حذار..حذار ياعرب، فلغتكم، وأمتكم، وشعاراتكم إلى ضياع واندثار:
تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب == فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ
فيمَ التَعلُّلُ بالآمالِ تَخدَعَكُم == وَأَنتُم بَينَ راحاتِ الفَنا سلُبُ
فكلّ من يستيقظ صباحاً، ويسمع وسائل الإعلام المرئيّة والمقروءة تنقل إلينا بلهجات محليّة: من سورية، ولبنانية، ومصرية، وعراقية وخليجية، ومغربية أخبار معاركنا وانتصاراتنا،ومن ثمّ يسمع بعدها أنباء الرّقع التي مُزّقتْ من الثوب الزاهي الجميل للغتنا الأم الفصحى من أمازييغية في المغرب العربي،وكرديّة، في المشرق العربي،وقبطية.. وشركسية... وبربرية..وووو..الخ وماهوقادم على طريق التشرذم، والتفتّت، والضياع..يدرك هول المأساة..ويدرك أن لانجاة..!!ويقول بلهجته الدارجة أيّاً كانت..تعالوا ياأبناء العروبة الميامين...تعالوا نحمل نعش من كانت لنا في يوم من الأيام أماّ...تعالوا نواريها التراب ،قبل أن تنهش جثتها الكلاب الضالة..!!
وبعد ياصديقي سقراط :دعني أوافقك الرأي ..إنّنافعلاَ نخوض معركة حقيقية من أجل تمكين لغتنا في نفوس أبنائنا وأجيالنا الشابة،ولكن أيّة معركة..؟؟ومن يخوض غمارميادينهااللغوية البلاغية والنّحوية..؟؟إنّهم ذوو الضمائر الحيّة من أمثالك، والذين نبّهوا وقرعوا أجراس الخطر،وحاولوا إيقاظ من غطََّوْا في نوم عميق..وأدركوا أن لانجاة لسفينة لغتنا من الغرق إلا بتعاون كلّ البحارة الماهرين القادرين على قيادة دفتها إلى برّ الأمان..لأنّه لم يعد هناك من قبطان يقود السّفينة إلى شواطىء السّلامة واالاطمئنان..!
إنها معركة بين ذوي الضمائر الحيّة، وذوي الضمائر الميّتة من أبناء هذه الأمة الغيورين على خزانة معارفهم، ولغة قرآنهم..وبرهان انتمائهم العروبي، والقومي..
وليس لي أن أقول، وأفتخر بهولاء القلّةمن أبنائها النّجب أكثر ماقاله الشاعر ابراهيم طوقان في مديحه لغيور على لغته الأم:
حنوتَ عَلى أُمِّ اللُغات فَصُنتَها == وَكُنتُ لَها الصرحَ المَنيعَ الممرَّدا
وَكانَ لَها جبرٌ أَميناً وَحامياً == إِذا ما بَغى الباغي عَلَيها أَو اِعتَدى
فأين مثل هؤلاء الأباة الذين ذكرهم شاعرنا..؟؟،ونذكّرنحن بهم حتى لانحمل نعش لغتنا الساحرة الجميلة ونسير به إلى سوء الختام، قبل أوانها،بل نسير به إلى حسن الختام في عرس فصاحتها، ونزفّها إلى ذروة البلاغة القرآنية الشريفة،وإلى نهج البلاغة الواضحة البيّنةللإمام علي بن أبي طالب، وأمات الكتب التراثية، والدواوين الشعرية، والمؤلفات اللغوية الفقهية، والنحوية..ونقول لسيبويه،كما قيل لشكسبير:
لم... ولن تموت لغة الضاد..!! مادام فينا ناطق بها،ولأنّ عدوّنا الذي استطاع من لاشيء، أن يصنع لغة خاصة به، يتخاطب بها على المنابر متفاخراً ومتباهياً ،فإنّنا قادرون بما وهب الله لغتنا من فصاحة وخصائص أسلوبية ومعنوية،أن نحافظ على ملكة إبداعها وحيويتها في نفوسنا وفي تأثيرها على غيرنا،لأنّها لغة عصرية متجدّدة ،بتجدّد الطرائق والأساليب النثرية والشعرية منها،وما تتضمنه تلك الأساليب من كنوز الفصاحة والبلاغة..كما يقول الشاعر علي الجارم مخاطباً مجمع الفصحى:
فَيَا مَجْمَعَ الفُصْحى عَزَاءً فَكُلُّنَا == إلَى الشاطِىءِ المَوْعُودِ ركّابُ زَوْرَقِ
وما عَقِمَتْ أُمُّ اللُّغَاتِ ولا خَلَتْ == خَمائِلُها منْ سَجْعِ كلِّ مُطَوَّقِ
وياأخي الكريم سقراط..
طوبى لقلمك على ما سطّر ،وطوبى للسانك على ماحذّر..وطوبى لغيرتك فهي لم تبق من تلوّث لغوي إلا ما كشفته، وفضحته..ولم تذر..
وصدقني ..لامجامع اللغة العربيّة، ولاقراراتها التي ما أن تنتهي المؤتمرات حتى توضع في الأدراج، وعلى الرّفوف ليعلوها الغبار،وتأكلها الجرذان..تستطيع أن تدفع الأخطار المحيقة بلغتنا،وإنما قلم كقلمك، وصرخة كصرختك،وقصيدة معبّرة كقصيدة الشاعر خليل مطران والتي سوف أضعها على صفحات هذا المنتدى الكريم،سوف توقد شمعة في النّفق المظلم الذي يسير به ولاة أمرنا،والقائمون على مناهج لغتنا،أنارالله طريقهم،وأنار بصيرتهم إلى مافيه خير أمتنا، ولغتنا..وشكراً
يقول أمين اللغة العربيّة، الشاعرخليل مطران، والذي جاء في تعريفه في الموسوعة الشعرية بما يلي:
خليل مطران
1288 - 1368 هـ / 1871 - 1949 م
خليل بن عبده بن يوسف مطران.
شاعر، غواص على المعاني، من كبار الكتاب، له اشتغال بالتاريخ والترجمة.ولد في بعلبك (بلبنان) وتعلم بالمدرسة البطريركية ببيروت، وسكن مصر، فتولى تحرير جريدة الأهرام بضع سنين.
ثم أنشأ "المجلة المصرية" وبعدها جريدة الجوائب المصرية يومية ناصر بها مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمرّت أربع سنين.
وترجم عدة كتب ولقب بشاعر القطرين، وكان يشبّه بالأخطل، بين حافظ وشوقي. وشبهه المنفلوطي بابن الرومي في تقديمه العتابة بالمعاني وبالألفاظ كان غزير العلم بالأدبين الفرنسي والعربي، رقيق الطبع، ودوداً، مسالماً له (ديوان شعر - ط) أربعة أجزاء توفي بالقاهرة.
تَقُولُ لأَهْلِهَا الفُضْحَى أَعَدْلٌ == لِرَبِّكُمُ اغْتِرَابِي بَيْنَ أَهْل
أَلَسْتُ أَنَا الَّتِي بدَمِي وَرُوحي == غَذَتْ مِنْهُمْ وَأَنْمَتْ كُلَّ طِفْل
أَنَا الْعَرَبِيَّةُ المشْهُودُ فَضْلِي == أَأَغْدُوا الْيوْمَ وَالمَغْمُورُ فَضْلِي
إِذَا مَا القَوْمُ بِاللُّغَةِ اسْتَخَفُّوا== فَضَاعَتْ مَا مَصِيرُ الْقَوْمِ قُل لِي
يُحَارِبُنِي الأُولَى جَحَدُوا جَمِيلِي == وَلَمْ تَرْدَعْهُمُ حُرُمَاتُ أَصْلي
وَفِي الْقُرْآنِ إِعْجَازٌ تَجَلَّتْ == حِلاَيَ بِنُورِه أَسْنَى تَجَلِّ
وَلِلْعُلَمَاءِ وَالأُدَبَاءِ فِيمَا == نَأَت غَايَاتُهُ مَهَّدْتُ سُبْلِي
إِذَا مَا كَانَ فِي كَلِمِي صِعَابٌ == فَلاَ تَأْخُذُ كَثِيري بِالأَقَلِّ
وَهَلْ لُغَةٌ قَدِيماً أَوْ حَدِيثاً == تُعَد بِوَفْرَةِ الحَسنَاتِ مِثِلي
فيَا أُمَّ اللُّغاتِ عَدَاكِ مِنا == عُقُوقُ مَسَاءَةٍ وَعُقوقُ جَهْلِ
لَكِ العَوْدُ الحَمِيدُ فأَنتِ شمْسٌ == وَلم يَحْجبْ شُعاعَك غيْر ظِلِّ
دَعَوْتِ فهَبَّ مِن شَتَّى النوَاحِي == مَيَامِينٌ أُولُو حَزْمٍ وَنُبْلِ
بِرَأْيٍ فِيكِ يَكْفُلُ أَنْ تُرَدِّي == مُكَرَّمَةً إِلى أَسْمَى مَحلِّ
يُنَوِّرُ شِعْرُهُمْ فِي كلِّ وَادٍ == وَيُزْهِرُ نَثْرُهُمْ فِي كُلِّ حَقلِ
إلى آخر هذه الأبيات الجميلة المعبّرة على لسان اللغة العربية،عن آلامها وآمالها،وعن حداة قافلتها النّجباء،وبفضلهم لن تضلّ السّير في فيافي عقوقنا، وجهلنا، وإهمالنا، وتشرذمنا..!!
وأخيراً أيّها الصديق سقراط أقول: بوركت جهودك،وسما ردّك،
وخير ما أختم به تعقيبي على كلامك وردّك المعبرين: ما قاله أمين اللغة العربيّة خليل مطران..
دَعَوْتِ فهَبَّ مِن شَتَّى النوَاحِي == مَيَامِينٌ أُولُو حَزْمٍ وَنُبْلِ
بِرَأْيٍ فِيكِ يَكْفُلُ أَنْ تُرَدِّي == مُكَرَّمَةً إِلى أَسْمَى مَحلِّ
يُنَوِّرُ شِعْرُهُمْ فِي كلِّ وَادٍ == وَيُزْهِرُ نَثْرُهُمْ فِي كُلِّ حَقلِ
مع جزيل شكري وتقديري.
حيدر حيدر
سلمية في /3//12/201