ظهر الفكر الأسماعيلي على المسرح السياسي بعد قيام الإمام جعفر الصادق () بتحويل الإمامة من ابنه ابنه الأكبر اسماعيل إلى الأصغر موسى بن جعفر الكاظم () ، والتفاف عدد من الدعاة إلى المذهب الأسماعيلي الجديد حوله ، الذي اختلف مع مذهب الأثنى عشرية في مسالة الإمامة.
إن هؤلأء الدعاة الأسماعيليين وفي مقدمتهم أبو الخطاب وخلفهُ ميمون القداح عملوا على تكوين عقيدة فلسفية ، تعتمد على افكار جديدة هي خليط من معتقدات ومذاهب شتى ، هدفها إعلان الأحتجاج على الأوضاع السياسية والأقتصادية السيئة التي كانت سائدة خلال العهد العباسي.
إن دعاة المذهب الأسماعيلي عملوا على محاكاة جميع الأديإن والمذاهب وأيجاد قواسم مشتركة بين افكارها من اجل اجتذاب عدد اكبر من الأنصار والمريدين ، وتجلى ذلك من خلال الأسلوب الفلسفي المعتمد في شرح الأيات القرإنية الكريمة واستعمال مبدأ التأويل في أظهار معنى الأية ، والحديث النبوي، كما إن استعمال مبدأي الظاهر والباطن للأشياء وإن لكل شئ ظاهراً وباطناً قد دفع الكثير إلى البحث والتقصي ودفعهم إلى الشك في مختلف الأمور التي تحتمل التفسير.
إن اقناع دعاة المذهب الأسماعيلي إنصاره بضرورة العمل في سرية تامة وبطريقة التخفي ، ساعد على نشر عقائد هذا المذهب في أوساط عديدة من الناس، ولأسيما العامة الذين لم تكن ثقافتهم على درجة عالية من التعلم. جاءت الحركة الشيعية الإسماعيلية نتيجة تخطيط دقيق ومتكامل ، قام به نفر من أبناء فرع الحسين بن علي بن أبي طالب () ووضع الأصول الأولى لهذا التخطيط الإمام العلوي السادس جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب () وقد آلت إلى هذا الإمام زعامة العلويين في مطلع عهد الدولة العباسية .
وعاصر الخليفة ابا جعفر المنصور الذي قبض بيد من حديد على مقاليد الأمور وسيطر على شؤون الدولة أيضا عن طريق طبقة مدربة من الجواسيس والولأة ذوي البطش الشديد فضلأ عن جماعة من رجال الدين أصحاب خبرة عالية في التشريع والأفتاء( ).
وقد آثر الإمام جعفر الصادق الأبتعاد عن ثورات أبناء فرع الحسين بن علي بن ابي طالب ، لأنها في نظره ليست السبيل الأمثل لمواجهة الدولة العباسية الفتية وكذلك إنكر مايقال من تسليم الشيعة الكيسانية للعباسيين منذ تنازل زعيمهم أبو هاشم بن محمد بن الحنفية عن حقه في الإمامة لمحمد بن العباس ، وقرر في جلأء ووضوح إن ابناء فرع الحسين بن علي بن ابي طالب هم وحدهم دون الفرعين الأخرين من البيت العلوي اصحاب الحق في الإمامة( ).
وتأسست من حوله بذلك فرقة الشيعة الإمامية التي اشتهرت بهذا الأسم لأقرارها مفهوم الإمامة ، كما حدده جعفر الصادق() ، وتحديد مدلوله أيضاً سواء بالنسبة للبيت العلوي أم بالنسبة للعباسيين وخلافتهم .
لقد استطاع الإمام جعفر الصادق() دعم مفهوم الإمامة ، لأنه من أشهر الفقهاء الذين شهدتهم الدولة الأسلأمية زمن العباسيين ، ومن اهم الأراء التي تبلورت حول مفهوم الإمامة ، هو إن علي بن ابي طالب() لأيستحق الخلافة بعد النبي ، لأنه أجدر الناس فحسب ، ولكن عن طريق النص عليه بالأسم أيضا ، واستندت الشيعة في تأييد قولها بإن الرسول الكريم () نزل في أثناء عودته من حجة الوداع بمكان يعرف باسم غدير خم بين مكة والمدينة واخذ بيد علي بن ابي طالب وقال للناس من كنت مولأه فعلي مولأه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وإنصر من نصره ، واخذل من خذله ، وادر الحق معه حيث دار ألاهل))( ).
وصارت " الإمامة " تاخذ طابعا يختلف عن " الخلأفة " وذلك على نحو ما شرحه ابن خلدون قائلأ :ثم إن الشيعة خصوا عليا باسم الإمام نعتا له بالإمامة التي بلَّغتْ هي أخت الخلأفة ، وتعريضا بمذهبهم في إنه احق بامامة الصلأة من أبي بكر، لماهو مذهبهم ، فخصوا بهذا اللقب ، ولمن يسوقون اليه منصب الخلأفة بعده))( ) .
وغدت الدراسات الفقهية في مفهوم االإمامة سبيلأ للمعارضه الفكرية للخلأفة العباسية .(( فأوضح فقهاء الشيعة إن الإمامة واجبة في الدين عقلأ وشرعاً، كما إن النبوة واجبة في الفطرة عقلأ وسمعا))( ) .
وبذلك وجدت الشيعة الإمامية دراسات الإمام جعفر الصادق () قوة تهيء لها النشاط والأستقرار.
وكان من اعظم المكاسب التي نالتها ـ الشيعة الإمامية ـ هو إن فقة الإمام جعفر الصادق() ينادي بالسوية بين الحديث النبوي الشريف ، وأحاديث الأئمة من بعده( ).
حيث أدت الأحاديث التي اعتمد عليها الشيعة الإمامية سواء المنسوبة إلى الرسول الكريم () أو إلى الأئمة ، دوراً كبيراً في اجتذاب الناس إلى صفوفهم ، وتوجَّ هذا النشاط الفقهي اعتماد الإمام جعفر الصادق () على مبدأ (( التقية)) الذي صار جزءاً مكملأ لتعاليم الشيعة وركناً اساسياًَ من مذهبهم ، وتعني(( التقية)) أن يحافظ المرء على عرضه أو نفسه ، أو ماله اذا خاف من عدوه أو عجز عن مواجهة شروره ، فهي مداراة ، وكتمإن وظاهر بما ليس هو الحقيقة . وقال الإمام جعفر في ذلك
( التقية ديني ودين آبائي ، ومن لأ تقيه له فلأ دين له))( ).
واستطاع الإمام جعفر الصادق ()عن طريق التقية تجنب بطش العباسيين ، على الرغم من ما أمتلأت به أيامه من عصف الخليفة المنصور بأبناء فرع الحسين بن علي ابن ابي طالب(). واستطاع في الوقت نفسه إن يظهر امام الشيعة بإنه الوارث الحقيقي لعلي وفاطمة (عليهما السلأم) ، وإن الزعامة العلوية هي من حق فرع الحسين بن علي ، وصارت الشيعة الإمامية القاعدة الكبرى للنشاط العلوي في عهد الدولة العباسية .
وكان من معالم ذلك النشاط الجديد الذي شهدته الشيعة الإمامية هو إنقسامها إلى قسمين بسبب قيام جعفر الصادق () بنقل الإمامة من ابنه الأكبر اسماعيل إلى ابنه الأصغر موسى الكاظم ()،. وهناك رآى أخر يقول بموت اسماعيل في حياة أبيه وإنه جزع وحزن عليه حزناً عظيماً، وتقدم سريره بغير حذاء ولأ رداء وامر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مرات كثيرة ، وكان يكشف عن وجهه وينظر اليه يريد بذلك تحقيق امر وفاته عند الظانين بخلأفته له من بعده ،وازالة الشبهة عنهم في حياته ( ).
ومهما كان السبب فإن هذه الخطوة التي اقدم عليها جعفر الصادق() ، قسمت الشيعة على فرقتين هما : الإمامية الأثنى عشرية ، وقال اتباعها بامامة موسى بن جعفر الكاظم ()وابنائه من بعده ، واشتهروا بهذا الأسم لقولهم باثني عشر أماماً أولهم علي بن ابي طالب ()، وأخرهم الإمام الثاني عشر من سلألة موسى الكاظم وهو المهدي المنتظر ، ابن الحسن العسكري ابن علي الهادي ، ابن محمد الجواد ابن علي الرضا ، ابن موسى الكاظم . وقد لقيت الإمامية الأثنا عشرية اضطهادات شديدة من العباسيين ، على الرغم من مسالمة رجالها للخلافة العباسية ، فكان الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق معروفاً وظاهراً أيام الخليفة هارون الرشيد (170-193هـ/786-808م) ، اذ اعترف ولو بالظاهر بامامة بني العباس( ) ، حتى يعيش هو وأبناؤه في أمن وسلام ، ( وشجعت هذه المسالمة العلوية الخليفة العباسي المامون بن الرشيد على إن يجعل علي الرضا بن موسى الكاظم ولي عهده )( ) ، ولكنه اضطر إلى التنازل عن هذا الأمر امام معارضة آل البيت من العباسيين ، ومهما يكن الأمر من تلك الخطوة ، فإن ذلك يدل على مدى ريبة الخلفاء العباسيين من إن العلويين كانوا يعملون في الخفاء ، مما ادى إلى اشتداد اضطهادهم ، ويوضح ذلك موت علي الرضا مسموماً)( ).
وكان لهذه الحادثة اعمق الأثر في تاريخ فرقة الإمامية الأثني عشرية ، إذ اضطر زعماؤها إلى العمل في الخفاء بسبب عدم الأطمئنإن على مصائرهم ، وكان من بينهم الإمام الثاني عشر ، وهو محمد المنتظر بن الحسن العسكري ، اذ غاب بمدينة سامراء سنة 260هـ / 873م ولم يعد ، واخذ اتباعه ينتظرون عودته ، إنه سيعود ، ليملأ الدنيا عدلاً( ).
أما الفرقة الثانية فهي الشيعة الإسماعيلية ، وقال اتباعها بامامة اسماعيل بن جعفر الصادق ، من دون إن يعترفوا بتحويل الإمامة إلى اخيه موسى الكاظم ()، واتسمت هذه الفرقة بقدرتها على استخدام الفقه في تسويغ دعواها فضلأ عن المقدرة في التنظيم السري الدقيق ، فكان من اهم النظريات التي وضعتها لدعم كيانها هو تأكيد النص في تعيين الإمام ، فيرى إنصار اسماعيل إنه اكبر ابناء جعفر الصادق () ، وأحبهم إليه ، وإنه نص على امامته بعده ، ولذا فإن هذا التعيين هو الصحيح وإن تعيين موسى الكاظم ()باطل ، ثم استطردت الشيعة الإسماعيلية في وضع النظريات الفقهية لتسويغ دعواها . ( فنادوا بنظرية الأستقرار والأستيداع في الإمامة ، وهي نظرية تقرر إن الإمام المستقر ).
"Permanent or necessary Imam"
هو الذي يورث الإمامة لأبنائه ، اما الإمام المستودع
" Acting or Trustee Imam"
فيظل اماماً طوال حياته ولأ يحق له نقل الإمامة إلى أبنائه)( ).
وكان اسماعيل بن جعفر الصادق () أوسع ابناء الإمام جعفر نشاطاً، وأعظمهم تأثيراً في العمل الثوري للشيعة ، وذلك وفق الأسلوب الذي اقرهُ أبوه من حيث (التقية) ، والعمل في الخفاء (الستر).