تعقيب على مقال الدكتور الجابري :
مما لا شك فيه أن الجابري يؤكد بقراأته السابقة كما عهدناه في كتابه نقد العقل العربي يؤكد نسب رسائل إخوان الصفا للإسماعيلية حيث أن هذا النسب ما يزال موضع شك وظن لدى عدد من المفكرين والمؤرخين ...
ولكن
لابد أيضاً أن نشير إلى مغالاة الجابري في اعتباره كتاباة اخوان الصفا مقيلة للعقل قائمة على ماهو عرفاني فقط في حين رأى الكثير من الباحثين إضافات هامة فلسفية ومعرفية في الرسائل إلى علوم ذلك العصر
هنا أقتبس هذا الرد للباحث عبد الرزاق عيد في مقال له عن كتاب الدكتور جورج طرابيشي( نقدنقد العقل العربي) في رده على الجابريي في كتابه نقد العقل العربي
وهكذا على مدى ما يقارب 120 صفحة يقوم ناقد النقد ببحث جدي ودؤوب وعميق وراء كل هذه البداهات المتوارثة والمتداولة عن اخوان الصفا، فاختار من بين كل هذه الركامات أن يصطحب أبا حيان التوحيدي أغرب الغرباء في غربته، بعد أن (أشكل الإنسان على الانسان) على حد تعبير التوحيدي، وأبو حيان التوحيدي هو الأقدر على معرفة مأساة الغرباء، فهو القائل: إن أغرب الغرباء من كان عن نفسه غريباً، فترافق غريبا الدرب أبو حيان وجورج طرابيشي بحثا عن رفاق الغربة، ليقوم جورج بعملية فك أسر أو افتداء هذه المجموعة الأريبة من التصنيفات السهلة والساذجة والبسيطة لاكراههم على الاندراج في تصانيف وانساق العادي والمألوف، ومن ثم ليكتشف دون اسقاط باستشفاف داخلي لعين حاذقة ترى بأن الاسلام الفقهي الذي شكله (فقهاء السوء) حسب تعبير الغزالي، يتكلكل فوق صدر لوعة الروح وهو يتطلع شوقاً إلى الانفتاح على الملكوت، ولعل من أوثق الأدلة وألطفها وأكثرها رهافة، ملاحظته، إن خمسمائة من الآيات الستمائة التي يسوّر بها الاخوان رسالتهم الجامعية هي من المكيات.
والحال أن مكيات القرآن تقوم للتشريع الروحي مقام المدنيات للتشريع المدني ص 385 (فالشريعة طب المرضى، والفلسفة طب الأصحاء، والأنبياء يطببون المرضى حتى لا يتزايد مرضهم، والفلسفة طب الأصحاء..) على حد تعبير اخوان الصفا.
هذه الخلاصة يصل طرابيشي وهو يفكك الابستمولوجيا الجغرافية المشرقية الغنوصية العرفانية التي يطوق بها الجابري لأخوان الصفا بعد أن استجلا من نصوصهم:
أ رؤية كونية تتحلل من خصوصية أحكام الزمان والمكان داخل الشريعة الواحدة.
ب الانفتاح على الشرائع الأخرى.
ج الانفتاح على جميع أشكال التعددية.
د التأكيد على وحدة الأديان حتى وان اختلفت الشرائع.
هـ معارضة التعصب الاطلاقي النزعة من موقع النسبية المتبادلة وقلب منطق الفرقة الناجية وتكريس شرعية الاختلاف.
هذه الخصائص التي يكتشفها جورج في نصوص اخوان الصفا تخولهم لصياغة نموذج ل (إنسان أعلى كوني) عابر للخصوصيات وجامع لتعدد من الهويات النسبية، ومجسد لمبدأ التنوع في الوحدة الذي كان ولا يزال علاقة فارقة للمذهب الانساني كما عرف ساحة مجده في الثقافة العربية الإسلامية في قرن اخوان الصفا والتوحيدي ومسكويه، وفق ما يخلص له جورج متفقا مع اطروحة محمد أركون عن النزعة الإنسانية العربية في القرن الرابع الهجري.