من تقليد المخطوطة إلى النص المطبوع: انتقال رسائل إخوان الصفاء في الشرق والغرب
إن لقب إخوان الصفاء مستعار لمجموعة من المفكرين المسلمين الذين أنتجوا دائرة معارف مؤلفة من ٥٢ رسالة متنوعة المواضيع جداً وذلك في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر موزعة من علم الكون إلى علوم الفيزياء ومن الأخلاق إلى علم الجمال ومن الوحي إلى ما وراء الطبيعة.
هذه الرسائل مقسمة إلى أربعة كتب أو أقسام: منها ١٤ رسالة تركز على علوم الرياضيات (الرقم، الجبر، علم الفلك، الموسيقى، الخ.)؛ و١٧ رسالة تهتم بالعلوم الطبيعية والفيزيائية (فيزياء، علم المعادن، علم النبات، إلخ)؛ و١٠ رسائل تهتم بالعلوم النفسية والفكرية (علم الكونيات، علم الآخرة، إلخ)؛ و١١ رسالة في علوم الدين والإلهيات (النبوة، الماورائيات، السحر، الخ). وهكذا فالعمل بكليته يهتم بجميع جوانب الحياة الإنسانية الأساسية – أي الدينية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والسياسية.
في مسعى لإظهار التوافق بين العقيدة الإسلامية والأديان الأخرى والتقاليد الفكرية استفاد مؤلفو الرسائل من مصادر عديدة ومتنوعة. تنتشر في الرسائل بقايا علوم البابليين ومكونات اليهودية – المسيحية والفارسية والهندية إلى جانب مدارس الحكمة الهلنستية المتنوعة. ومن الشائع في الرسائل أن المؤلفين استخدموا الحكايا الخرافية والأمثولات والرموز لكي يعرضوا آراءهم. من بين القصص الرمزية الحوار المطول بين الإنسان وممثلين متنوعين لأنواع مملكة الحيوان التي تحتل حيزاً واسعاً من الرسالة الثانية والعشرين، وهي مظهر رئيسي لهذا العمل الموسوعي.
شغل إخوان الصفاء موقعاً فريداً في تاريخ الفكر الإسلامي، ولفتوا انتباه الباحثين في الشرق والغرب. ودلالة شعبيتهم وأثرهم هو وجود العديد من مخطوطات النص منتشرة في أرجاء العالم، سواء في المكتبات الشخصية الخاصة والمكتبات العامة إلى جانب عدد النصوص المطبوعة والترجمات والدراسة للرسائل التي ظهرت على مرّ القرون.
إن أقدم مخطوطات الرسائل في مجموعة معهد الدراسات الإسماعيلية استحضرت على الأغلب من سورية، وقد نسخت حوالي منتصف القرن الثالث عشر. أما المخطوطات الأخرى في المجموعة نفسها فقد نسخت ما بين القرن السادس عشر والتاسع عشر في إيران والهند.
أما ما يخص تحقيقات وترجمات الرسائل العديدة فإن رسالة الحوار بين البشر وممثلي مملكة الحيوان تحتل المكانة الأوسع انتشاراً. ترجمت هذه الرسائل إلى العبرية على يد مؤلف من القرن الرابع عشر هو كالونيمس بن كالنونيمس، وطبعت مرات عديدة. وهي أيضاً أول نسخة مطبوعة من الرسائل في اللغة العربية (ادتيو برنسبس)، طبعت في كلكتا عام ١٨١٢. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ترجمت هذه الرسالة إلى الهندوستانية والفرنسية.
نشر أول نص عربي كامل للرسائل في أربعة مجلدات ما بين ١٨٨٧ – ١٨٨٩. أما التحقيقات الأخرى بالعربية فنشرت في النصف الأول من القرن العشرين ولعل طبعة القاهرة ١٩٢٨ أجدرها بالاهتمام.
بدأ اهتمام الباحثين الغربيين الجدي في القسم الأخير من القرن التاسع عشر بإخوان الصفاء ورسائلهم. ومن بين الرواد الأوائل في دراسة الرسائل من بين الغربيين الباحث الألماني ف ر. ديتريسي الذي نشر خلال ثلاثين عاماً نصوصاً ودراسات في الفلسفة الإسلامية وقد انصب جل اهتمامه على إخوان الصفاء. وكان ديترسي نفسه قد ترجم عمل إخوان الصفاء كاملاً إلى الألمانية لأول مرة وبقي عمله حتى الوقت الحالي هو الترجمة الوحيدة الكاملة للرسائل إلى أية لغة غربية.
اتخذت النسخة العربية المحققة والمترجمة إلى الهندوسناية والمنشورة في كلكتا باعتبارها أساساً للترجمات إلى الإنكليزية الأولى. وقد نشرت على الأقل سبع ترجمات خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكما هو متوقع جميع هذه الترجمات كانت لرسالة الحوار بين الإنسان والحيوانات.
خلال هذا القرن نشرت ترجمات رسائل مختارة من الرسائل إلى الأسبانية والألمانية والإيطالية والإنكليزية وكذلك العديد من الدراسات لرسائل مختارة ومقالات. قدم باحثون أمثال عادل العوا والسندرو بوساني وعباس همداني وايفيت مارقوت وسيد حسين نصر وإيان ناتون وصموئيل سترن وكثير غيرهم مساهمات هامة في دراسة إخوان الصفاء ورسائلهم.