علي نور الدين مشرف عام
عدد الرسائل : 3567 تاريخ التسجيل : 06/02/2009
| موضوع: الموروث الشعبي والسياق الأدبي المعاصر الأحد أكتوبر 18, 2009 11:21 pm | |
| الموروث الشعبي والسياق الأدبي المعاصر بين الثقافة والموروث الشعبي علاقات جذرية عند شعوب الأرض كلها باعتبار أن الموروث الشعبي أحد أهم العناصر التي تقوي الروابط بينهم، والحديث عن الموروث الشعبي وأهمية إحيائه في عصرنا الحاضر حديث ذو شجون، فالقضية مازالت ساخنة، وتحتمل الرأي والاجتهاد، بغية الوصول إلى حلول جذرية ناجعة لما يعيد لهذا الموروث وجهه المشرق الوضاء في هذا العصر، فحاجتنا إليه هامة في وقت اختلط فيه علينا الأمر، وأصبحنا نظن أن كثيراً من سقط الكلم الذي يتناهى إلى أسماعنا إنما هو مستمد من موروثنا الشعبي، بينما هو في حقيقة الأمر بريء منه، ولا علاقة له به لا من قريب أو بعيد. وأكبر تلك الاتجاهات الدؤوبة الجادة التي تبحث عن خدمة الموروث الشعبي وتوظيفه توظيفاً ذكياً لخدمة مساراتنا الأدبية الحاضرة، كما أكبر أيضاً تلك الجهود المثمرة التي مازالت تحاول المواءمة بين قضايا العصر والإرث الشعبي، وهو مواءمة تقوم على مبدأ الاعتدال بين الأخذ من الموروث ومحاولة تطويره ليواكب مستجدات العصر، ومستلزماته، ولكن اللأسف الشديد بين مجتمعاتنا العربية موقف يرفض التراث برمته جملة وتفصيلاً، ويرى أصحابه في بعثه من جديد عائقاً يقف دون التطور، وهو موقف متطرف لا يستند إلى منطق عقلاني يجيز لنا الأخذ به والتصفيق لأصحابه. وفي ضوء هذه المواقف يحق لنا أن نطرح السؤال التالي: إلى أي مدى يمكننا الاستفادة من موروثنا الشعبي لنخدم به أعمالنا الإبداعية؟. السؤال بشكله المطروح يبدو سهلاً للغاية، ولكن الإجابة عليه هي التي تبدو صعبة كما أظن، وتبدو متشعبة أيضاً، ولذلك فإنني لا أستطيع التوسع في الإجابة عليه لأناقش مدى تأثير ذلك الموروث على الأعمال الأدبية والفنية بأشكالها المختلفة، ولكنني سوف أبسط هنا مدى تأثيره على القصة القصيرة والرواية بوجه خاص، فأقول بأن من الخطأ أن ننكر تأثر كتاب القصة القصيرة في عالمنا العربي بموروثهم الشعبي، فتأثرهم به بشكل أو بآخر، ربما لم تتضح آثاره مباشرة في أعمالهم، ولكنها موجودة على أي حال في ثنايا تلك الأعمال وتضاعيفها من خلال السرد القصصي، أو من خلال الحبكة أو من خلال النهاية التي ينهي به الكاتب قصته، فكتاب القصة استفادوا من الموروث الشعبي، وقاموا بتوظيفه توظيفاً جيداً في اعمالهم، وقد يكون هذا التوظيف بطريقة تلقائية عفوية دون قصد منهم لشدة تأثرهم بذلك الموروث، أي أن بعضهم قد لا يحددون تأثرهم بموروث بعينه، ولكن الانعكاسات الإيجابية لهذا الموروث الشعبي بأنواعه وأشكاله المختلفة تكاد تكون واضحة في أعمالهم. وأظن أن بعض المسارات القصصية الجيدة ارتكزت ارتكازاً كلياً، إن جاز القول، على تراثنا الشعبي فأخذت تحاكيه محاكاة مباشرة، فتوظيف الموروث الشعبي في أعمالنا القصصية أمر لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه. وصحيح أن الفن القصصي فن وافد، دخل إلينا من الغرب مثلما دخلت بقية الفنون، غير أن ذلك لايعني بالضرورة في الوقت ذاته أننا لم نخضعه لاستقبال موروثنا الشعبي والتأثر به، فنحن استطعنا الخروج منذ زمن بعيد من مظلة القصة الغربية الخالصة بعد هذه التجارب المطلوبة في هذا المضمار، بحيث أضحت لنا خصائصنا الفنية المميزة في هذا اللون من الفن، وملامحنا التي تميز أعمالنا القصصية المستمدة في جوهرها من بيئاتنا الاجتماعية العربية، فكيف يدعي البعض عجزنا عن إخضاع هذا الفن المتميز لموروثنا الشعبي المتميز؟. وفي مجال الرواية أيضاً، وهي فن من الفنون التي وفدت إلينا مثلما وفدت القصة، لا يمكن بأي حال أن ننكر تأثير موروثاتنا الشعبية على مساراتها الفنية، فهي قد استفادت استفادة جيدة كذلك من هذا الموروث الزاخر بالتجارب الإنسانية المعطاء، والصور الاجتماعية الحية، والأشكال الفنية النابضة بالصدق، ولعلنا واجدون كثيراً من المسحات التأثرية، إن جاز التعبير، بالموروث الشعبي في روايات بعض أدبائنا العرب مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني وغيرهم من الروائيين، والحقيقة التي يجب أن تقال هنا بصراحة متناهية هي أن الرواية العربية، كما هو الحال مع القصة، تخلصت منذ زمن بعيد من أشكال الرواية الغربية ومضامينها، وأضحى وجهها عربياً ناصعاً، وأصبحت قادرة على استيعاب موروثنا الشعبي بسرعة مذهلة معتمدة في ذلك على ركائز موغلة في عمق المجتمع، ومستمدة من قيمها التاريخية وتراثها العريق الأصيل. ولعل من المناسب القول هنا بأن الرواية العربية استفادت أول ما استفادت من الأساطير والملاحم والحكايات التراثية المتوفرة بغزارة في موروثنا الشعبي، وهي ألوان فنية استطاعت الى حد كبير أن تقيم علاقة وثيقة بين الإنسان ومجتمعه الواسع، فهي مادة خصبة استفاد منها الروائيون فائدة قصوى فوظفوها في كثير من أعمالهم الجيدة، وأرى أن الرواية العربية تمكنت تماماً من استيعاب موروثنا الشعبي المتمثل في الاسطورة والحكاية والخرافة، فأضفت عليها مسحة من رؤيتها وتقاليدها الجديدة حتى ظهرت إلينا بشكلها الماثل أمامنا الآن، وهو شكل أعتقد أنه بلغ الذروة في عصرنا الحاضر، فأضحى شكلاً عالمياً بعد أن أقدمت دور النشر على الاهتمام برواياتنا العربية، فترجمت معظمها إلى لغات أجنبية متعددة، وقد نشطت حركات الترجمة هذه بعد حصول الأديب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب. ونخلص من هذا كله إلى القول بأن الكثير من أعمالنا الأدبية العربية في مجال القصة والرواية استفادت فائدة عظيمة من موروثنا الشعبي، فساعدت على إظهاره وبلورة صوره إلى أجيالنا الحاضرة، فكانت سنداً وعوناً على بعث خصائص بيئتنا العربية ومرتكزاتنا الثقافية، ومن ثم تعريف العالم بهذه البيئة والمرتكزات بشكل جيد وبأجمل صورها. | |
|