زائر زائر
| موضوع: ذكر البيان بالتوقيف على الائمة من آل محمد صلى الله عليه وعلي الأربعاء نوفمبر 07, 2007 4:21 am | |
| ذكر البيان بالتوقيف على الائمة من آل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين ( منقول للفائدة ) هذا باب لو تقصينا الحجة فيه، والدلائل عليه والاحجتاج على مخالفيه لخرج عن حد هذا الكتاب ولاحتاج إلى كتاب مفرد في الامامة، وقد أفرد المنصور بالله، صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه، وبيض الله وجهه، لذلك كتابا جامعا استقصى معانيه وأشبع الحجة فيه، ولكن لما شرطنا في ابتداء هذا الكتاب أن نذكر فيه جملا وعيونا من كل باب لم نجد بدا من ذكر جمل من هذا الباب. وقد اختلف القائلون في تثبيت الامامة فيها، فزعمت العامة أن الناس يقيمون لانفسهم إماما يختارونه ويولونه، كما زعموا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد اختاروا لانفسهم من قدموه بعده، واختلفوا في صفة من يجب عليهم أن يقدموه، والسبب الذى استحق به التقدمة، وأنكروا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله قدم عليهم أحدا سماه لهم يقوم بالامامة من بعده، وقالت طائفة منهم: أشار إليه ولم يسمه، قالوا: وهو أبو بكر قدمه للصلوة وهى مقرونة بالزكوة، فوجب أن تعطى الزكوة من قدم على الصلوة، فهذا قول جمهور العامة، وقالوا: من ولى وجبت طاعته ولو كان حبشيا، ولا يرون الخروج عليه وإن عمل بالمعاصى. وقالت المرجئة: على الناس أن يولوا عليهم رجلا ممن يرون أن له فضلا وعلما، ويجهدوا فيه رأيهم، وعليه أن يحكم بالكتاب والسنة، وما لم يجده فيما اجتهد فيه رأيه، قالوا: وطاعته تجب على الناس ما أطاع الله فإذا عصى الله فلا طاعة له عليهم، ووجب القيام وخلعه والاستبدال به. وقالت المعتزلة: لم يقدم رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا بعينه ولا أشار إليه، ولكنه أمر الناس أن يختاروا بعده رجلا يولونه على أنفسهم، فاختاروا أبا بكر. وقالت الخوارج: لم ندر ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله أمر في ذلك بشئ ولا أنه لم يأمر ولا أشار ولا لم يشر، ولكن لابد من إمام يقيم الحدود وينفذ الاحكام فنقيمه علينا. فنقول بتوفيق الله وعونه لمن زعم أن رسول الله (صلع) لم يقدم أحدا، وهم جميع من حكينا قوله: قولكم هذا غير جائز قبوله بإجماع منا ومنكم ومن جميع المسلمين، لانهم قد أجمعوا أن النافي للشئ ليس بشاهد فيه، وإنما الشاهد من أثبت شيئا شهد أنه كان، فأنتم نفيتم أن يكون رسول الله (صلع) استخلف أحدا على أمته أو نصب إماما للامة من بعده، فلم تشهدوا بشئ، وإنما نفيتم شيئا أنكرتموه، ومن شهد بذلك فهو أولى بالقبول، وأوجب أن يكون شاهدا منكم، لانكم وجميع الامة تقولون في رجلين، قال أحدهما: سمعت فلانا قال كذا أو رأيته يفعل كذا، ويقول الآخر: لم أسمعه قال ذلك ولا رأيته فعل ذلك، إن الشاهد بالرؤية والسماع هو الشاهد المأخوذ بشهادته، ومن قال لم أسمع ولم أر ليس بشاهد، ولا يبطل قوله قول من شهد بالسمع والعيان، وقد ذكرنا ما كان من قيام رسول الله (صلع) بولاية على بن أبى طالب صلوات الله عليه يوم غدير خم، وقد رويتم معنا ذلك، وإن ذلك من آكد بيعة وأوجب ما يوجب الامامة مع كثير مما ذكرناه، وكثير قد اختصرنا ذكره اكتفاء بما بيناه. ولو كانت الامامة كما زعمتم إنما تكون باختيار الناس لكان رسول الله (صلع) قد جمعهم وأمرهم أن يختاروا لانفسهم إماما، وكيف للناس أن يجتمعوا جميعا على اختيار رجل واحد منهم على اختلاف آرائهم ومذاهبهم وأهوائهم. وما كان في أكثر الناس من الحسد من بعضهم لبعض. ولو كان هذا لا يكون إلا بإجماع الناس على رجل واحد لم يجتمعوا عليه أبدا، وما اجتمع من حضر بالمدينة على أبى بكر، قد قالت الانصار ما قالت، وامتنع من بيعته جماعة من أكابر أصحاب رسول الله (صلع) حتى كان من أمرهم ما كان، فضلا عمن غاب من أهل الآفاق والبلدان، وإن قلتم: وإن الرأى والامر في ذلك لقوم دون قوم، فأخبرونا من له ذلك دون من ليس له، بحجة من كتاب أو سنة أو اجماع؟ ولن يجدوا ذلك، وإذا كان الناس هم الذين يقدمون الامام فالامام مأمور عن أمرهم، ولم يكن يملك شيئا حتى ملكوه إياه، فهم الائمة على ظاهر هذا المعنى وهو عامل من عمالهم، ولهم إذا عزله، كما قالت المرجئة. وفساد هذا القول أبين من أن يستدل عليه ببرهان. وقولهم: إنهم يفعلون ما لم يأمر به رسول الله (صلع) ولم يفعله، إقرار منهم بالبدعة، وهم يقولون إن الامامة من دين الله، وقد أخبر الله عزوجل في كتابه أنه أكمل دينه، وبينا فيما تقدم أن ذلك إنما كان نزل عند ما قام رسول الله (صلع) بولاية على صلوات الله عليه فكيف يقرون بأن الله عزوجل أكمل دينه ولم يبين فيه أمر الامامة التى هي على إقرارهم منه؟ أو هل كان الله عزوجل قال ذلك ولم يكمل دينه حتى أكملوه هم، أو كان رسول الله (صلع) عاجزا وقصر عن تبيان ما افترض الله عزوجل بيانه فبينوه؟ وهذا من أقبح ما انتحلوه، وأعظم ما تجرؤا به على الله عزوجل وعلى رسوله (صلع). ونقول لمن زعم أن رسول الله (صلع) أشار إلى أبى بكر فقدموه بتلك الاشارة: وأنتم مقرون بأن الامامة من دين الله عزوجل فهل يجوز عندكم تغيير شئ من دين الله عزوجل أو تبديله، فمن قولهم: لا، فيقال: فإن كان فرض الامامة أن ينصب الامام بالاشارة، وكان النبي (صلع) أشار بها كما قلتم إلى أبى بكر، فكيف صنع أبو بكر بعمر، وعمر بعثمان؟ فمن قولهم إن أبا بكر نص على عمر، وإن عمر جعل الامر شورى بين ستة((على بن أبى طالب وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف)) وقدم صهيبا على الصلوة، وهذا خلاف لفعل رسول الله (صلع) في دين الله، وقد أمر الله عزوجل باتباعه ونهى عن مخالفته بقوله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وفعل عمر خلاف لفعل أبى بكر، وقد غيرا بإقرارهم دين الله، وبدلا حكمه، وخالفا رسوله، وصهيب على قولهم أحق من عثمان بالامامة، إذ كان عمر قد قدمه على الصلوة، وهم يزعمون أن رسول الله (صلع) قدم أبا بكر على الصلوة فبذلك استحق عندهم الامامة، ولم يكن ذلك، ولكنا نقول لمن ادعى الاشارة بالصلوة: أنتم أحرى بأن لا تحتجوا بهذا، لانكم تزعمون أن الصلوة جائزة خلف كل بر وفاجر، وتروون في ذلك أخبارا تحتجون بها على من خالفكم في ذلك، وأنتم مقرون أن رسول الله (صلع) استعمل عمرو بن العاص على غزوة ذات السلاسل ومعه أبو بكر وعمر، وكان يأمهما في الصلوة وغيرهما، وهما تحت رايته، ومقرون بأنه لم يستعمل أحدا على على صلوات الله عليه قط، ولا أمره بالصلوة خلفه، وإن هذه الصلوة التى تدعون أن رسول الله أمر أبا بكر بها لم يكن على حضرها، وكان على على قولكم مع رسول الله (صلع) وصلى بصلوته، فهو على دعواكم أولى بالفضل ممن قدمتموه، وكذلك تقرون أن رسول الله أمر على أبى بكر وعمر أسامة بن زيد، وقبض (صلع) وهما تحت رايته وهو أمير عليهما وإمامهما في صلوتهما، وكان آخر ما أوصى به صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: نفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه، وأسامة يومئذ قد برز، فقعدا عنه فيمن قعد، وأسامة وعمرو بن العاص على قولكم أولى بالامامة منهما، إذ قدما في الصلوة عليهما، وتقرون أن عمر لما جعل الامر شورى بين ستة أقام صهيبا للصلوة، فلم يستحق بذلك الامامة عندكم، مع أن أمر الصلوة التى ادعيتموها لم يثبت عندكم لما جاء فيها من الاضطراب في النقل والاخبار واختلافها ، وأنها كلها عن عائشة بنت أبى بكر وأنتم تقولون: إن من اختلف عنه في حديث كان كمن لم يأت عنه شئ، ورددتم شهادة على لفاطمة صلوات الله عليهما، فكيف تجيزون شهادة عائشة لابيها لو قد ثبت عنها ذلك؟ وكيف وهو لم يثبت أنه أمره بالصلوة إلا عن عائشة، فلما علم رسول الله (صلع) ذلك خرج فأخره وصلى بالناس. وأما قول المرجئة أنهم يولون الامام فإذا جار عزلوه، فهم أشبه على قولهم هذا بأن يكونوا أئمة كما قلنا، فإذا كان لهم أن يولوا فلهم كما قالوا أن يعزلوا وهذا قول من لا يعبأ بقوله، وقد ذكرنا فساده فيما قدمناه. وأما قول المعتزلة أن رسول الله (صلع) أمر الناس أن يختاروا فهو قول يخالف السنة، وقد ذكرنا فعله (صلع) بغدير خم في على عليه أفضل السلام، ووصفنا ما يدخل على من زعم أن للناس أن يختاروا، ولن يأمر الله عزوجل ولا رسوله (صلع) بأمر يعلم أنه لا يتم ولا يكون، ولا يفترض الله طاعة من يجعل اختياره إلى من أوجب عليه طاعته ، ويجعل عزله إليه، ويقيمه منتقدا عليه، ولو جاز للناس أن يقيموا إماما لجاز لهم أن يقيموا نبيا، لان الله عزوجل قرن طاعة الائمة بطاعة الانبياء وجعلهم الحكام في أممهم بعدهم بمثل ما كان الانبياء يحكمون به فيهم. وأما قول الخوارج أنها لا تعلم ما كان من رسول الله (صلع)، فليس قول من لم يعلم بحجة على من قد علم، وعلى من لم يعلم أن يطلب العلم ممن يعلم، وإن هم لو سألونا: كيف يكون عقد الامامة؟ قلنا لهم، بما لا يدفعه (12) أحد منكم ولا من غيركم: إنها بالنص والتوقيف الذى لا تدخل على القائل به حجة، ولا تلزمه معه لخصمه علة. وقد ذكرنا توقيف رسول الله (صلع) الناس على إمامة على صلوات الله عليه ونصبه إياه، وكذلك فعل على بالحسن، والحسن بالحسين، والحسين بعلى بن الحسين، وعلى بن الحسين بمحمد بن على، ومحمد بن على بجعفر بن محمد، وكذلك من بعدهم من الائمة إماما إماما بعده، فيما رويناه عمن قبلنا، ورأينا فيمن شاهدناه من أئمتنا، وهذا من أقطع الحجج وأبين البراهين، وما ليس لقائل فيه مقال ولا لمعتل عليه اعتلال. وكذلك قولنا في الرسل والائمة بين الرسولين: إن ذلك لا يكون إلا بنص وتوقيف من نبى إلى إمام، ومن إمام إلى إمام، ويبشر النبي بالنبي يأتي بعده، كما ذكر الله عز وجل في كتابه: ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد. ويؤدى ذلك الائمة بعضهم إلى بعض ويوقفون عليه أتباعهم إلى ظهور ذلك النبي (صلع) كما أقرت العامة أن آدم صلى الله عليه نص على شيث وأوصى إليه، وأن شيثا نص على الامام من ولده من بعده، وكذلك نص الائمة يوقف كل إمام على الامام بعده حتى انتهى ذلك إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى عيسى، ومن عيسى إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله، وعلى جميع المرسلين وعلى الائمة الصادقين ، وقد أقرت العامة أن كل نبى مضى قد أوصى إلى وصى يقوم بأمر أمته من بعده، ما خلا نبيهم محمدا (صلع) فإنهم أنكروا أن يكون أوصى إلى أحد، على أن الناس أحوج ما كانوا إلى الاوصياء والائمة لارتفاع الوحى وانقطاع النبوة، وأن الله ختمها بمحمد ورد أمر الامة إلى الائمة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وتفويض أمر الخلق إلى الائمة إلى يوم القيامة. فهكذا نقول في النبوة والامامة بالتوقيف والبيان، لا كما زعمت العامة أن الدليل على الرسل الآيات بلا نص ولا بشرى ولا توقيفات، ولو تدبروا القرآن لوجدوه يشهد بالذم لسائلي الآيات من أنبيائهم، قال الله عزوجل لمحمد نبيه (صلع): يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة. وقال في موضع آخر: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا. وقال في موضع آخر: وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الاولى. ومثل هذا كثير في القرآن. ومع ذلك أن الله عزوجل لا يبعث نبيا إلا وهو مفترض الطاعة، فمن لم يصدقه ومات على تكذيبه من قبل أن يأتي بالآية مات كافرا عندهم بإجماع، ولو كان كما زعموا أن الدليل على الانبياء الآيات لم يكن على من ليؤمن قبل الآيات حرج، فإن قالوا: فما معنى مجئ الرسل بالآيات؟ قيل لهم معنى ذلك ما قال الله عزوجل: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا، وإنما يبعث الله بالآيات تخويفا لخلقه وتأييدا لرسله وتأكيدا لحججهم على من خالفهم وتخويفا لهم كما قال الله عزوجل: وما نرسل بالآيات إلا تخويفا، وقد بعث الله (تع) نوحا صلوات الله عليه إلى قومه وأخبر أنه مكث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وقد هلك في تلك المدة قرون ممن كذبه على الكفر، ثم أخبر عزوجل أن آيته كانت السفينة،وكذلك قال عامة الناس، وكانت الآية في آخر زمانه ومعها أتى العذاب إلى قومه لكفرهم به، فأهلكم الله عزوجل بعصيانهم ورد نبوته، ونجاه فيها ومن آمن معه. وقد هلك قبل ذلك أمم ممن كذبه وصاروا إلى النار بكفرهم وتكذيبهم إياه، ولما جاء به عن ربه، ولو لم تكن تجب عندهم نبوته إلا بآية لما كان عليهم أن يؤمنوا به ، ولو لم تكن تجب عليهم إجابته لما كان له أن يدعوهم دون أن يأتيهم بآية، إذ كان لا يجب عليهم تصديقه دون أن يأتي بها ولا يحب أن يدعوهم إلى ما لا يجب عليهم قبوله. وما كان الله عزوجل ليبعث نبيا يدعو إليه وهو غير مفترض الطاعة، وهذا بين لمن تدبره، ووفق لفهمه. ولو ذكرنا ما كان ينبغى أن يدخل في هذا الباب لخرج من حد هذا الكتاب ، ولكنا أثبتنا من ذلك نكتا يفهمها ذوو الالباب، والله الموفق برحمته للصواب. (( من كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان )) |
|