كلمة مختارات 'anthology' أصلها يوناني وتعني "جمع الزهور". هذه المختارات من الأدب الإسماعيلي رؤية إسلامية شيعية هي أول مجموعة من الأزهار الأدبية في التقليد الإسماعيلي، وهي توفر لقرائها نظرات في التقليد الأدبي بصفته غنياً ومتنوعاً بمقدار ما هو غير مشهور. أخذت المقاطع من مراحل تاريخ الإسماعيليين ما قبل العصر الحديث وهي تعكس تاريخ الجماعة المتعدد والمتنوع كما تعرضه تعددية الأسلوب والنوع الرائعين.
وكما يشير عظيم نانجي في مقدمته فإن الدافع وراء هذا الاختيار هو وجود فجوات في أدب المسلمين. فقد عهد عن المسلمين اهتمامهم بجمع الحديث والسير والتواريخ والشعر والتفاسير باعتبار ذلك طرقاً لحفظ وتنظيم تراثهم. هذا المجلد يتبع ذلك التقليد نفسه، برغم أنه تم تزويده بأدوات البحث المعاصر. بهذه المقاطع من "التاريخ والمذكرات"، "العقيدة والفكر" و"الشعر"، فإن هذه المختارات تقدم لقرائها أنواعاً متعددة من كتابات الإسماعيليين مما قبل العصر الحديث والظروف التي أنتج فيها الإسماعيليون هذا الأدب.
افتتاحية الكتاب هي عبارة عن مقالة في التاريخ والتقاليد الأدبية الإسماعيلية كتبها فرهاد دفتري. الفصل الأول من المختارات هو مقاطع تاريخية تبدأ من زمن غير محدد ولكنه سابق على تأسيس الحكم الفاطمي في مصر، وهذه المقاطع تؤرخ لأحداث من القرن العاشر كما كتبها الداعي والمؤلف ابن الهيثم. مشاهد من أيام الإمام الخليفة الفاطمي الأول المهدي (توفي 322 هـ/ 934 م) أخبرنا بها حاجب المهدي المخلص جعفر والفقيه المشهور القاضي النعمان (توفي 363 هـ/ 974 م) وفيها نعرف المزيد عن القاضي النعمان وآخر إمام -خليفة خدمه وهو المعز لدين الله (حكم ما بين 341 - 365 هـ 953 - 975 م) بحسب كلمات إدريس عماد الدين الداعي الطيبي من القرن الخامس عشر. وهناك روايتان لداعيين عظيمين لامعين من القرن الحادي عشر في نظام الدعوة الإسماعيلية تتضمنان تفاصيل عن رحلتهما. الأولى سيرة المؤيد في الدين الشيرازي بخط يده (توفي 470 هـ/ 1078 م) وتتضمن رواية أخاذة عن هروبه من مملكة البوهيين المعادية إلى مجال الدولة الفاطمية الآمن. وفيما يقارب هذا التاريخ قام ناصر خسرو (توفي بعد عام 462 هـ/ 1070 م) برحلة روحية من إيران إلى مصر التي كان يحكمها الإمام - الخليفة المستنصر بالله (توفي 487 هـ/ 1094 م). وفي المقطع المختار يصف ناصر القاهرة القديمة وحكم الإمام المستنصر حيث انتشر العدل لدى الجميع بغض النظر عن مذاهبهم. ونهاية هذا الفصل تتضمن رواية بير سبزا علي لرحلة إلى آسية الوسطى في أوائل القرن العشرين حيث عانى مع مرافقيه الهنود سلسلة من الصعوبات في شترال والتقوا مع إسماعيليين يسكنون هناك أعجبوا بهم لإخلاصهم لإمام زمانهم.
القسم الثاني من المجلد عن "العقيدة والفكر" وهو قلب هذه المختارات ويتألف من أربعة أقسام من التأملات لمفكرين إسماعيليين كبار تأملوا في القضايا الأساسية للخلق والوحي والإمامة وأخلاق العقيدة الدينية. القسم الأول منها مقاطع من أعمال مفكرين إسماعيليين كلاسيكيين أمثال أبي يعقوب السجستاني (توفي حوالي 360 هـ/ 971 م) وحميد الدين الكرماني (توفي بعد عام 411 هـ/ 1020 م) وناصر خسرو الذين جادلوا ضد النظرية الدينية في ذلك الوقت برفضهم أن يتصوروا أية صفات تجسيدية لله المبدع. وهذا هو اقتباس مما قاله أحد المحررين هرمن لاندولت: "هؤلاء المفكرون ابتعدوا أيضاً بأفكارهم عن التقليد الفلسفي للنظرية السائدة قائلين بأن "الوجود" نفسه ذو صلة بمجال الإبداع وبالتالي لا تصح نسبته إلى المبدِع، الذي تقع هويته اللطيفة خارج مجال الفكر." يحتوي هذا القسم أيضاً على تأملات السجستاني في نوعية الجمال الروحاني في الطبيعة والفن. وينتهي هذا القسم برسالة لإخوان الصفاء المجهولين الذين يعتقد أنهم عاشوا في البصرة منتصف القرن العاشر. استخدم هؤلاء المؤلفون عالم الطبيعة لإنشاء جدالات فلسفية عميقة: مثل الببغاء حيث تشير إلى محاججة الببغاء ومحاولته لتفسير كيف أن الحيوانات في نظر الله فوق البشر.
يتألف القسم الثاني من تأملات حول طبيعة النبوة والإمامة، والعديد منها يؤكد أهمية وجود الإمامة المستمرة ودورها بصفته هادياً للأجيال المتعاقبة. يبدأ هذا القسم بشرح السجستاني لتواصل الوحي النبوي الكوني بصفته انعكاساً لتاريخ البشرية الباطني ذاته. قال الداعي الفاطمي المؤيد في الدين الشيرازي بأن "... جميع العلوم بما في ذلك العلوم العقلية ... مجتمعة في علوم الأنبياء، وبالتالي أسس لأهمية العقل في الدين." ويزيد الداعي الإسماعيلي الشاعر والمفكر ناصر خسرو هذا الموضوع شرحاً فيقول إن العقل البشري هو أثر العقل الكلي، ولذلك فهو لا يناقض الوحي. أما المفكر الإسماعيلي الآخر أحمد بن إبراهيم النيسابوري (عاش في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي وأوائل الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي) مثل سابقيه استخدم أدوات عقلية ورمزية من الطبيعة لشرح كيف أن الإمامة هي محور وأساس الدين. ويشرح حميد الدين الكرماني ضرورة الإمامة لنقل الرسالة الإلهية وسنة النبي عبر الأجيال المتعاقبة. ويؤكد الحجة الإيراني حسن الصباح في بقايا نص متوفر لدينا الحاجة إلى الإمام الإسماعيلي بصفته معلماً ذا سلطة يقود النوع البشري لتحقيق أهدافه الروحانية. أخيراً يشرح المفكر نصير الدين الطوسي (توفي 672 هـ/ 1274 م) طبيعة الإمامة والحاجة إليها ولماذا كان من الضروري للباحثين عن المعرفة الحقيقية أن يسلّموا "للإنسان الكامل الحكيم".
تصف النصوص الإسماعيلية المتوفرة رحلات شخصية في البحث عن المعرفة الروحانية. يبدأ القسم الثالث بقصة باحث شاب، مستوحاة من رواية جعفر بن منصور اليمن (توفي حوالي 346 هـ/ 957 م) وقد كُتِبَتْ قبل قيام الخلافة الفاطمية. يلي ذلك رواية نصير الدين الطوسي الذي وجد نفسه غير قانعٍ عن طرق روحانية عديدة ثم عاد ليؤمن بضرورة "القائد الروحي" لقيادته نحو المعرفة الروحانية. في المعرفة ذاتها بعد ظاهري وآخر باطني وهو الحقيقة النقية. يشرح حميد الدين الكرماني الحاجة إلى معرفة عالية من خلال تأويل النص المقدس ويفسر السجستاني أن هذا النوع من المعرفة العالية يؤخذ من الأنبياء على شكل إلهام روحاني عبر تجاوز العالم المادي. يعقب ذلك ثلاثة أمثلة من الباحثين الإسماعيليين في التأويل أو التفسير النقي الذي يظهر المعنى الباطني للآيات القرآنية وواجبات المسلمين الدينية.
القسم الخاص بالعقيدة والأخلاق يبدأ بتفريق القاضي النعمان بين الإيمان والإسلام أو العقيدة والتسليم في بداية مجموعة الفقه الفاطمية دعائم الإسلام. ويتبع ذلك أنظمة سلوك الدعاة عند النيسابوري التي تظهر الخطوط العريضة للمؤسسة الهرمية الفاطمية. فمن بنود الفقه والمعايير إلى الأخلاق ثمة تقدم طبيعي. ومن رسالة في التقوى من نص منسوب لنصير الدين الطوسي يقرر المؤلف أن الأخلاق محكومة بالإقرار بإمام الزمان وتبجيله. وكتب الطوسي أيضاً رسالة قصيرة في الولاية والبعد "تولى وتبرى" ونشرت في هذه المختارات كاملة. يتبع ذلك مقطع من رسالة كتبها خيرخواه هيراتي في القرن السادس عشر يقرر فيها أهمية التعليم الروحاني ودور التنظيم الإسماعيلي الهرمي في قيادة المؤمنين نحو الحقيقة والله.
القسم الثالث من المجلد مخصص للشعر الإسماعيلي الناقل الأولي للتعابير الوجدانية المخلصة عبر الأجيال. ويفسر قطب قاسم بأن الشعر يظهر "الداخل" أي الحياة الروحية للشعراء والجماعة التي يمثلونها. يقسم هذا الجزء إلى مؤلفات كتبت أصلاً باللغة العربية والفارسية ولغات جنوب آسية. تتمثل الفترة الفاطمية بقصائد كتبها الشاعر الكبير ابن هانئ الأندلسي (توفي 362 هـ/ 973 م) المشهور بلقب متنبي المغرب، وكذلك بأشعار الإخلاص عند المؤيد في الدين الشيرازي. أما ناصر خسرو فهو أحد الشعراء الكبار في التقليد الإسماعيلي الفارسي. وتظهر قصائده المنشورة هنا إخلاصه للعقيدة الإسماعيلية وتقواه ومهارته الشعرية. يتبع ذلك بمؤلفات من القرن الثالث عشر لحسن محمود الكاتب الذي كان يقيم في ألموت تظهر إخلاصه للإمام. والشعر الأكثر تساؤلاً وإشكالاً شعر نزاري قوهستاني (توفي 720 هـ / 1320 م) وثمة شعراء أقل شهرة من مرحلة ما بعد ألموت نشرت لهم بعض المقاطع من مرحلة القرن 15 وحتى 18 وهي تمثل استمرارية الولاء للأئمة الإسماعيليين مع أن الجماعة تعرضت للانقسامات والتفرق. شعر المديح الذي نظمه إسماعيليو بدخشان ومعظمه بالفارسية الطاجيكية عرضه هذا القسم من خلال عدة مقطوعات تعكس تنوع هذا الشعر وموضوعاته. في نهاية هذا المجلد ثمة اختيارات من الجنان وهو شعر الإسماعيليين النزاريين في جنوب آسية، وهو منسوب لبعض الدعاة- الشعراء الذين نشطوا في ذلك الإقليم منذ القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي. معظم هذا النوع من الشعر في هذا القسم من هذه المختارات ما يزال مصدر إلهام للإسماعيليين النزاريين حتى اليوم.
برغم أن معهد الدراسات الإسماعيلية نشر نصوصاً وترجمها إلى الإنكليزية لما يزيد عن عقد من الزمن، فإنها المرة الأولى التي تضم فيها مطبوعة واحدة هذا الكم الواسع من الأدب وتضعه أمام الفضاء العلمي والقراء. يستطيع محبو الشعر قراءة الضوء الساطع: مختارات شعرية إسماعيلية (1966) ترجمها فقي محمد هونزاي وحررها قطب قاسم. أما المهتمون بالفلسفة الإسماعيلية فيمكنهم مراجعة المجلد الثاني من مختارات فلسفية في إيران: الفكر الإسماعيلي في العصر الوسيط، تحرير سيد حسين نصر و مهدي أمين رضوي (2008). أما هذا المجلد فيجلب إلى القراء مجموعة أعظم من النثر وترجمات جديدة من أساتذة بارزين في هذا الحقل مع مقدمات موجزة سياقية لكل قسم. من المأمول أن تلفت هذه المختارات نظر القراء لكي يكتشفوا الغنى والتنوع في الأدب الإسماعيلي.