أدونيس رمز عالمي للشعر العربي
بجائزة «نوبل» أو من دونها!
كنت بصدد الكتابة عن معنى حجب جائزة نوبل لهذا العام أيضاً عن أدونيس/ الشاعر العربي العالمي الأول/ حسب وصف الراحل الكبير إدوارد سعيد له، عندما قرأت في صفحة من جريدة «الصريح» الغراء بعدد الأحد 10-10-2010 مقالاً ينضح تشفيّاً ويتكىء إلى مغالطات وتسطيح جلي لحقائق نربأ بأي كاتب، أكان موقفه من أدونيس إيجابياً أم سلبياً - أن يجهلها أو يتجاهلها.
فَتَحْتَ عنوان (موسم لأدونيس.. فما الحكاية؟!) ينشىء الزميل الصحفي التونسي محمد بن رجب نصاً يقوم على نميمة مفادها أن الصحف العربية تورد اسم أدونيس سنوياً لجائزة نوبل بينما تغفله «الصحف العالمية» مستشهداً هنا بصحيفتين (مقدّستين) هما : ليبراسيون والشرق الأوسط (؟!) ركزتا فقط على الكاتبة الجزائرية باللغة الفرنسية آسيا جبار كمرشحة لنوبل هذا العام، بينما ثمة آلة دعائية من صداقات أدونيس ولوبيّاته ومناصريه من أدباء وشعراء مغرمين بكتاباته ومواقفه - وهذه العبارات لمحمد بن رجب - يحشرون اسم أدونيس حشراً في قائمة المرشحين سنوياً!.
وهذه النميمة ما كانت لتعنينا لأنها تشكك في مصداقية ومهنية عشرات بل مئات وسائل الإعلام التي أوردت اسم أدونيس إلى جانب الجزائرية آسيا جبار و«عاموس عوز»، كأبرز أسماء قائمة نوبل لسنة 2010، وعلى المعنيين بها أن يردّوا أو يصمتوا فهذا شأنهم، لكن أن يدّعي صاحب النميمة أن الهدف من ذلك اغتنام فرصة الإعلان عن نوبل «لنشر ترجمة حياة هذا الشاعر (أدونيس) والتعريف بأعماله الشعرية والنقدية، وبمواقفه الفكرية» بل وأبعد من ذلك يزعم أن «جديد هذا الرجل يكاد يكون منعدماً، وقديمه يجب أن ننظر إليه بعيداً عن حركة الدعاية لصالحه تصنعها كتابات شعراء يميلون إلى أدونيس ويقلدونه، أما كتابه الشهير عن الثابت والمتحول فإن الأحداث الأدبية والحداثة التي أطلقتها التكنولوجيا الاتصالية جعلته في مؤخرة الكتب الفاعلة في الذهنية العربية الجديدة»، فإن هذا قصف عشوائي ولغو غير مسؤول استوجب منّا هذه الوقفة احتراماً لقرّاء الجريدة وللذات الإبداعية والفكرية العربية المعاصرة التي لا يجوز التطاول عليها ومحاولة تهشيم صورة أحد أبرز رموزها على هذا النحو أو سواه.
بدءاً، أؤكد أن أدونيس ليس في قائمة أصدقائي ولستُ من مريديه، ولم ألتقه إلا مرة واحدة في بيروت ومرتين في تونس رغم أننا تبادلنا لمدة عام بضع رسائل، ولم يعجبني بعض تصريحاته وسلوكاته السياسية والشخصية، وعبّرت له عن ذلك مشافهة وكتابة، وهذا لا يعني أنني كنت أكثر منه صواباً بالضرورة بل كنت أعبّر عن حق الاختلاف معه، لكنني وكل شاعر عربي جاد من مجايلي أدونيس أو الأجيال اللاحقة أفدنا من تجربته ومدوّنته الشعرية والفكرية بمقدار وتأثرنا إن لم يكن قد قلّدنا وحاكينا، فهو رائد في الكثير من فتوحات الكتابة الشعرية العربية المعاصرة، وإن ذهب بعض من تأثروا ببعض فتوحاته إلى أبعد وجاوزوه وتمكنوا من الانعطاف عنه، مؤكداً كلٌّ منهم صوته الخاص والعالي كما هو حال سليم بركات، سعدي يوسف، محمود درويش، وغيرهم.
ولم يحظ شاعر بقراءات جادة في مدوّنته كما حظي أدونيس، ولم ينج قارىء حقيقي وعميق من أَسْرِ لغته التي أنشأ بها شعره أو نثره، كما لم يُتَرْجَم شاعر إلى لغات العالم كافة تقريباً وبفعل جاذبية نصه فقط لا بفعل تبني المؤسسات والأحزاب والدول كما يحصل مع غيره، وهذا يحسب له لا عليه، كما أنه حصد أكثر من عشر جوائز من كبريات الجوائز الشعرية في الغرب والشرق، وهو الشاعر العربي الأكثر حضوراً عند القرّاء باللغتين الفرنسية والإنكليزية على الأقل. وبعد (الثابت والمتحول) أصدر أكثر من عشرة كتب في النظرية الشعرية العربية آخرها كان عامي 2002 و2005 ، وصدرت له حوالي 25 مجموعة شعرية منها خمس مجموعات صدرت بعد سنة 2002، فإن كان الزميل محمد بن رجب (المتابع الحصيف) كما سمّى نفسه لا يقرأ، فعليه ألا يرمي قرّاء الجريدة بالأضاليل، فهل يعرف مثلاً هذه العناوين الأخيرة: موسيقى الحوت الأزرق، المحيط الأسود، أول الجسد آخر البحر، تاريخ يتمزق في جسد امرأة، تنبّأ أيها الأعمى، ورّاق يبيع كتب النجوم؟.
لا أظن، وإلا لما تجرأ على الزعم بأن «جديد هذا الرجل يكاد يكون منعدماً، فإذا كان صاحبنا منذ مدة لا يقرأ فهذا ليس معناه أن أدونيس وأمثاله لا يكتبون!.
لقد قدم أدونيس للقارىء العربي مختارات تحت عنوان (ديوان الشعر العربي) في ثلاثة مجلدات ضخمة غطت الشعر العربي منذ العصر الجاهلي، فضلاً عن مختارات صدرت في كتب مستقلة لشعراء مثل السياب ويوسف الخال وأحمد شوقي والرصافي والزهاوي، ولمفكرين مثل الكواكبي ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وغيرهم.
كما صدرت له ترجمات من عيون الشعر والمسرح في العالم صدرت في حوالي 20 كتاباً.
فهل ثمة شاعر عربي معاصر خدم الأدب والشعر والقارىء الجاد في الوطن العربي أكثر من أدونيس، الذي أصدر حتى الآن قرابة السبعين عنواناً بطبعات مختلفة؟.
أمّا كونه محل سجال دائم فلأنه دائماً يأتي بالجديد الذي يُخْتَلَف عليه شعرياً وفكرياً، ورغم مجاوزته الثمانين من عمره الخصب فلم ينضب جديده، فهل يجوز التحرش بمثل هذه القيمة والقامة إلابداعيتين بهذه الخفة؟.
لقد سبق للزميل محمد رجب منذ سنوات أن حاول النيل من أدونيس في جريدة /الصباح/ زاعماً أن كتبه قليلة، فضحكت حينها من هذه النكتة، كيف لا وأدونيس من أغزر شعراء جيله نتاجاً؟.
أما إزاء ما حبّره هذه المرة من تشفٍّ، فقد انتابني شعور آخر!.
لو تمعّن زميلنا في مدوّنة أدونيس وتجربته وما تتركه من أصداء متواصلة معه أو ضده لأدرك أن إبداعنا العربي لم يعرف مثل هذه التجربة وما تثيره من إشكالات منذ أبي الطيب المتنبي، فهل كل هذا من فعل بضعة أدباء وشعراء ينتصرون له؟.
وإذا كان ليس بمقدوره أن يتابع مدى حضور أدونيس بقديمه وحديثه في المشهد الثقافي العربي، فإنني أكتفي بأن أدلّه على كمّ الدراسات التي خصه بها مهتمون تونسيون، لعل أبرزها كتاب صاحب أخصب تجربة شعرية تونسية معاصرة، أعني الشاعر المنصف الوهايبي الذي درس شعرية أدونيس في إطار حصوله على دكتوراه الحلقة الثالثة، فكان كتابه (الجسد المرئي والجسد المتخيل في شعر أدونيس)، وكذلك كتاب أهم تجربة نقدية تونسية معاصرة، وأعني هنا الناقد مصطفى الكيلاني وكتابه (أدونيس وشاعرية الأصول)، وكلا الكتابين صدر مؤخراً في تونس، فهل وصل زميلَنا المتابع خبرُهما؟.
ولكن رغم الشعور بالضيم الذي قد يعبر عنه أدونيس إزاء عدم حصوله على نوبل، فإن كثيرين حصلوا على هذه الجائزة بنتاج وتأثير ثقافي أقل بكثير من عطاء شاعرنا وثراء تجربته وصداها، وبالتالي فإن نيل أدونيس للجائزة كان سيشرّفها وليس العكس، بل كان سيسندها وهي التي لم تعد تعنى بمصداقيتها، ونحن نعلم أن أدونيس لم يحصل عليها فقط لأنه شاعر سوري لم تعقد بلاده صلحاً مع إسرائيل، وبالمناسبة غيرالمبلغ المالي، ماذا قدمت نوبل لنجيب محفوظ، هل صارت رواياته تُقرأ أكثر؟، لا أعتقد ولو لم ينلها محفوظ هل كان ذلك سينتقص من قيمة مدوّنته السردية أو يغيّر من حقيقة أنه أسس للرواية العربية المعاصرة تأسيساً ناضجاً؟.
أخيراً، لا أظن أن من الصائب الكيد لقاماتنا ورموزنا الإبداعية ومحاولة التقليل من شأنهم اعتماداً على النميمة والإشاعة التي تصدر عن الحسد غالباً، مع أنني أؤكد ضرورة إخضاع كل نتاج إبداعي عربي إلى النقد المستند إلى حقائق معرفية وذائقة يقظة ومنهج منسجم مع آليات النص الإبداعي ومرجعياته المختلفة.
وأنصح بمحبة الزميل والصديق محمد بن رجب، وأعفيه مسبقاً من الجَمَل، بأن يحقق ويدقق ويقرأ في الموضوع الذي يقاربه، ولو بوسائل التكنولوجيا الاتصالية، قبل أن يطلق نيرانه من بندقية تُطْلِق إلى الخلف!.