بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
يا الله يا محمد يا علي
بعض مما تركه أمانة لدي الأستاذ الكبيرهشام الحرك رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه
1- مباهلة
- ابتداء من النبي الجليل الذي لم يترك حبة رمل من أرض الجزيرة إلا ونشَّفها بخطواته الثقيلة, وغمرها بفيض من عقله وروحه وحنانه, فإذا هي تؤوب من اعتكافها الطويل, لتنال خطا جديدا بين يدي من راح يبنيها بناء جديداً بإنسان سويّ.
أما العبقري الآخر الذي كانت خطواته أوسع من الدروب, وراحتاه أندى من كل ديمة مرت في سماء- فانه ما ترك خلفه خطا من خطوات القوافل, إلا وزرع نفسه فيه: نظافة, وعدالة, وتقى, وسُمُواً, مما جعل مجتمعات الأرض تفتش عن حقيقة وجودها الحضاري النبيل, ولا تجده إلا في الإنسان الذي يبنيه حزام الإمام علي.
أما تلك التي نبتت بين ذراعي أبيها كأنها أعز من شجرة الدر, فيكفيها أنها مشت أقصر طريق من بيتها الذي قلعت من باحته شجرة الأراك, إلى باحة المسجد الذي كان يصلي فيه خليفة المسلمين, لتعلمه أن العدالة الممهورة بجنان أبيها محمد, والمسبوكة من معدن زوجها علي, هي التي ترزم الأمة وتجعلها قدوة بين الأمم.
ومشى الحسين من مكة, وأهل بيته جميعهم في محمول القافلة- ومعه أبوه الرابض هناك في النجف الأشرف, وأمه الثاوية هنا في البقيع, والمتلفعة بوشاحها المطرز, وأخوه المتزمل بجبته البيضاء, وجده الممدود فوق المدى, ومعه كل الجدود المطيبين, من أبي طالب, إلى عمرو العلا, الهاشمين الثريد في القصاع, المشبعين العطاش من بئر زمزم, ومعه الرسالة في القرآن, ومعه الاجتهاد وكل صيغ الجهاد, ومعه الغيرة على مجتمع فك جديداً من أساره وأعيد من غياب طويل حتى يتعلم كيف يكتب الكلمة وكيف يقرأها للحياة.
لو أن فاطمة الرهيفة لم تكن ضلعا رهيفاً من قضية أبيها, لكان شأنها عادياً كشأن أخواتها اللواتي أَمّمنَ الحياة ورحن إلى أزواجهن يبنين العش السعيد- ولكن فاطمة المجبولة بحنين أبيها, كانت قسطا آخر من أقساطه التي يسددها للحياة على صفحة الأرض, ولقد كان ربط جسدها بجسد علي مرهونا بحلم كبير مخطوف من جوهر الرسالة التي اندمجت بشوقه, وعزمه, وروحه, في سبيل الأمُّة التي هو منها, ومن أجل جعلها عزيزة وهادية لأمم الأرض. لم يذكر التاريخ رجلاً أحب وأكرم من علي على قلب النبي الكريم, ولم ينزل أحد غيره من بيته نزولا مقروناً به كأنه الملازمة والالتصاق, وذلك هو التدليل القائم بذاته بغير حاجة إلى أي تفسير أو تحليل أو تعديل, بأنه رفيقه الروحي, وربيبه الأمثل, وتلبيته الخارقة, وزناده المشدود مثله بالعزم, والحق, والصدق, والإخلاص.
يكفي التصديق على ذلك ربط فاطمة البهية بالرجل الحصيف حتى تظهر الغاية التي بقيت نائمة في الحلم إلى أن تفسر الحلم وأنجب الزواج الكبير طفلين سمى واحداً بالحسن, والثاني بالحسين.
لقد كانت فاطمة في عين النبي, أطهر رحم يمكن أن ينجب من يليق بالميراث الأوسع من الحدود- أما علي فهو وحده- أيضاً- خليق بالأبوة المجيدة يحققها في جلوة التظهير.
فليكن اجتماع السقيفة- تململاً من هجعة- أبعد الرجل المحسوب ركناً من الأركان المعتمدة لمتابعة الخط وترسيخه إلا أن واقع التاريخ, وواقع الرسالة التي لا تزال حتى الآن تنمو وينمو بها عالم الإسلام, يشهد بان لعلي مكانة مجيدة القيمة في ضلوع الرسالة, لا يجهلها الحق, ولا يقدر أن ينكرها المنطق- وما من أحد على الإطلاق تمكن من فصل بيت علي عن بيت الرسول, لا في الحقيقة ولا في المجاز.
منذ أن هبط الحسين من رحم أمه إلى حضنها الوثير, تلقَّفته الأحضان من حضن إلى حضن, وبقي ينمو ولا يدري أي حضن هو الأرفه والأوثر- لقد أمِّ الحياة صغيراً ضئيلاً- لم تكن ولادته وهو في شهره السادس إلا نحيلة كنحول أمه في خشبة جسدها, وما احتاك به من زهيد الشحم والدم, من هنا كانت الولادة نحيفة رهيفة كالمصدر الذي انزلقت عنه- غير إن الأحضان التي سربلته بأكثر من دثار, نشَّطت فيه طاقات عجيبة من التدله النفسي- الروحي, ما شَحّ انعكاسه على عضلاته وألياف أعصابه, فإذا هو كأنه رشاً يملأ البيت حركة ودلعا ورواء, وإذا هو أكثر من جاذبية شغف بها المحيط كله, من ساحة الدار التي تظللها شجرة واحدة اسمها"الآراك: إلى داخل البيت الذي كانت حيطانه وسقفه ترشح بما لا يعرف من أَيِّ ضوع هو, لقد راح الفتى يشعر أنه دلاعة البيت وهزته الصغيرة, وكانت النشوة فيه تحتار من أين تأتيها الإشارة- فبينا يغرق فيها في حضن أمه كأنها حرير مبطَّن بمخمل, إذا هي- في عبَّ أبيه- كأنها إعصار يتناحل في نسمة الصبح, أمّا في حضن جدّه وتحت عينيه, الناضحتين بالحبِّ, فكأنهما شعاع دفء هابط من كوَّتين هما من بهجة الصباح أنقى وأزهى.
وهنالك حضن رابع كان يتعب وهو يتلقّط به ليحتويه, وهو حضن الحسن أخيه الذي يزيده بالعمر سنة وعدِّة أشهر, ولم يكن يعرف الحسين أي طعم كان يتلذذ به وهو مضموم إلى صدر أخيه, كأنه نكهة معجونة بسويقٍ لا اسم له, تلك هي الأحضان التي احتوت الحسين منذ أمَّ الحياة وراح يدرج في البيت إلى أن تركه جدَّه الكبير في حضن راح يفسّر له- بالتدريج- كل معاني الأحضان التي احتوته طفلاً, وحضَّرته – بدوره- لأن يكون حضناً يتناول الرسالة إلى صدره وينفخ فيها نفساً مقدوداً من صدره المليء بالعنفوان.
فإذا السموات السبع, وكلها موسوعة الممرات إلى جنان تشرب الكوثر من راحتي الوعد السخي الذي سيتمتع به الإنسان الذي يسمو بالحق, والصدق والمعرفة, وهو يتحلى بالمثل الكريمة النابعة من إيمانه باله واحد أمثل, يخلصه من كل عبودية, و ينظفه من الرغبات السود, و يزيّنه بالصدق, و الطهر, و العفاف, و يحضّره لأن يكون إنساناً صادقاً في دنياه, ليكون ثوابه جنة من ذلك الطراز, وهي-أبداً- جنة سيجدها مزروعة في نفسه المحررة من الكذب, والغش, والبهتان.
ماشحّت في هذه الملحمة الرائعة بطولات لحمت الأرض بالجنان, وما ضؤّل الثواب على المدعوين إلى معانقة الحقيقة الباهرة- وكان الثواب تحقيقا آنياً مترجماً على الأرض, هكذا كانت الترجمة العظيمة متجلية في الكلمة الواحدة التي هي ((الرسالة)), وكان التحقيق البليغ ملموحاً في توحيد المجتمع بإنسان رمى فرديته المنهوكة بقبائليته وعشائريته, وفتائل زعاماته, وثعابين أصنامه, وراح يتمتع بمجتمعيته التي هي الآن في حقيقة الوعد الكبير الذي زرع القيمة في الإنسان, فإذا الحياة الكريمة هي الجنّة التي لمحتها عين الإسراء والمعراج.
إن أهل البيت هم الوصية المقصودة لتناول الإرث الذي هو رسالة ملفوفة بملحمة حقيقية ما شهدت الأرض نظيرها من الملاحم- أما الحسن والحسين فمنهما الحلم الذي انبثق من الوجدان الممسوح بالشوق والخيال- إنهما من صلب هذا الوجدان وهو مرشوق بعظمة الرسالة, سيكونان مخطوفين من بهجة اللمح, لقد نشأ أبوهما وهو يأكل من ذات الخمير, ويتربع على ذات الحصير, وهكذا نشأت أمهما تمتص رهافتها من ثدي تلك التي ذابت بين يدي زوجها كما تذوب شمعة مقدّسة أمام نافذة المحراب, وها هما طفلان يلعبان في باحة المسجد, ولكنهما ما كانا يشربان إلاّ كوثراً صرفاً سيكون به تحقيق الميراث, وتحقيق الوصية, وتحقيق الإمامة, وتحقيق الوعد الذي تعيش به رسالة ماانفكّت ملحمة يلتحم بها إسلام الأرض بين يدي ربها الرحمن الرحيم.
لقد توصّل الفتى – بعد عناء – إلى جدّه المنبري بجلاله – لقد مدّ يده وتعلق بطوق الجبّة, وصعد الهوينا, وكف جده يسنده من الوراء, وإذا به, رويداً رويداً, يمتن ربوضه فوق المنكبين المستسلمين لإرادة الفارس. لقد تبسم الجد الذي هو الآن رحل الحسين وهو يقول: هذا سيد ثان من أسياد أهل الجنة, فطوبى لأمة فيها مثل علي ينجب !!!
ما كان أبوه علي يخرج مرة إلى الساحات ويعود إلى ركن البيت,إلا وفي جعبته خبر ثقيل كأنه الرزيئة- لقد اجتمعوا أربعتهم الليلة هذه على الحصير حول صينية مدّت عليها فاطمة وجبة الطعام - أما الأب الذي كان يأكل قليلاُ وهو يتحدّث, فإنه راح يوضّح لهم قصّة السقيفة, سقيفة بني ساعدة, كيف وظّفها عمر بن الخطاب لتبعده عن حقيقته وحقوقيته في الإمارة, وإحلال أبي بكر فيها- كأن الرضوخ لمشيئة النبي هو الخطأ, وفي المعصية الصواب.
لقد شرح لهم بعمق وهو مثقل المنكبين: أن للإعمال الكبيرة أوقات مرهونة بها ساعات مباركة مقرونة بالتحفّز والرضوان, ولقد قطفتها- في حينونة ساعتها- نهدة الحق بنبيّها وبطلها الذي لم تنجب صنوه ملحمة من أقدس الملاحم في وجود الإنسان, واستطرد يقول: من لنا الآن- وقد غاب سيف صقيل من بيننا, وفوتنا علينا تعهد ما غرسناه في البستان! لهفي على الرسالة, يلزمها المعين, ونقطع عنها- وهي طريّة- هذا المعين!!!
أما الإمامة العظيمة بشرفها, ونظافتها, واستقامتها, وعلمها البصير, فهي التي تسوس بالعدل والقسطاس, وهي التي تفجر الخير من موارده الصادقة, وهي التي تحكم بظل من الله الذي هو حق, وعدل, وعلم, وجمال.
لقد كانت المحطة الأولى محطة السقيفة- وذلك إذ ترك الرسول الكريم كل المحطات التي مشاها على الأرض, بعد أن مسحها من لوثات الغبار, وأوصى الذين سيمشون بعده, في رحلة العمر, أن يتوقوا إثارة الغبار وهم يمشون فيعموا عن الطريق.
بالحقيقة المستورة- كانت السقيفة محطة أولى تنزّه بها القوم- لقد توقّوا أن لا يثيروا الغبار- لهذا فإنهم مشوها في الليل, وتقريباً بلا كثير من قرقعة,وانتهت مع الصباح الباكر بتنصيب أبي بكر الصديق خليفة على المسلمين- توا- بعد التفاف محمد بالدثار الكبير.
أما المحطة الثانية, فإنها ترتبت وتأّنقت بعد أن لبست ثوبها وتدهّنت بعطر شميم- أنها الآن أكثر من نزهة بسيطة, إنها مشوار. أما المشوار هذا فإنه تميزّ بقافلة كبيرة تألفت من فرسان, وخيول, وسيوف, وهوادج, لقد كان على القافلة أن تقوم بمراسيم نقل إمارة من قصر إلى قصر- إن الأمير هنا مشرف على الموت – سيكون انتقال إمارته إلى الآخر, قبل أن يغمض عينيه, وهكذا حصل- لقد نقلت القافلة المعدّة خصيصا لهذا المشوار, إمارة, هي بين يدي أبي بكر, إلى شيخ آخر اسمه عمر بن الخطاب, أما الغبار فانه لم يكن أقل من مستوى المشوار.
أما المحطة الثالثة التي تيمم إليها القوم, وحبل بها المشوار, وجاءها المخاض فأولدها شوطا, فإنها هي التي مشاها الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- لقد بقي يمشي عشر سنين في شوطه الوسيع, حتى زحمه من الخلف- علج- حسبما كان عمر يلبسه الثوب- فارسي الانتماء اسمه (( أبو لؤلؤة)) بضربة خنجر, مزّقت سرّته, واستقرٌت طائشة في حبال أمعائه.
بالحقيقة إن السبب كان ابن وتيرة جن بها أبو لؤلؤة, نحر الأمير بها ثم انتحر, وتلك كانت المحطة الأخيرة للرجلين القتيلين بمدية واحدة في اجتيازهما رحلة العمر.
إن المحطة الثالثة هذه, كانت شوطاً كبيراً من الأشواط التي بقيت تمشي يساراً يساراً إلى أن ارتطمت بذاتها, فوقعت أرضاً وشجّت رأسها حتى الدماغ, وراحت تعصبه بما لا يردّه إلى وعيه- لقد تألفت العصبة المعدّه للفُّ الرأس المشجوج من قماشة محبوكة بستة أشرطة تسمّى(( مجلس الشورى)) .
إن الحسين- وهو الآن في غمرة من العمر تقفز به بضع خطوات عن العشرين- في جلسة حميمة مع أبيه علي, وأخيه الحسين, يستعرض ملياً واقع الحدث الجديد الذي راحت تتفقّه به الأمة بعد مرور عشر سنين عليها بين يدي ابن الخطاب الذي راح- بدوره- يعرض الحساب بين يدي النبي الذي أوصاه قبل أن يرحل: أن يصون الذمّة ويتعهّد الأمة مع المتعهدين, وينجّي الطريق من زحمة الغبار, وأن يضبط الشوط ويجعله رحلة العمر, من أجل مجيد إلى أمجد, وعندئذ يمكن القول: جّل الله وصدق وعده.
ولكن اللعبة الصبيانية الهوى, ما كانت بنتا لعمر, أكثر مما كانت عانساً يحاول أبوها أن يزفها عروساً لشيخ من شيوخ القبيلة, أما المدعوون إلى حفلة العرس, فإنهم الرأي العام الذي لا يروق له أن يفتح رئتيه إلا لغبار يثار من تحت نعليه.
وكل أهل البيت, بكل ما في العبارة من معاني حقيقية ومجازيّة على الأرض- إنه البيت وجدران البيت, وباحته, وشجرة الأراك فيه- وليست كلها موجودة إلا لأنها احتواء متكامل بأمّه فاطمة المرتبط ارتباطاً أمتن من الحب, وأبهى من العشق, بأبيها محمد, وبزوجها علي, وبالتالي به هو الذي لا يقدر إلا أن يأخذهم جميعاً إلى صدره, وقلبه, وروحه, بحزمة واحدة من الشوق الذي يكبر أبداً ويكبر.
فإذا كان لنا أن نتبيّنه- فيما بعد فسنجده تعبيراً متباهياً أبداً بجدوده الأوفياء للحق, والذين خرج من صلبهم رجل راح يسميه دائما " جدّه" وهو الرحل العظيم المتوشّح بالنبوّة, وهو الذي ما حبلت امرأة من نساء الجزيرة بأعقل منه, وأكبر منه، وأورع منه- فهو الجزيرة, وهو الرسالة, و القضيّة, في سبيل مجتمع الجزيرة, وهو الأمة التي تعتصب به, وبنوره تمشي دروبها- إن هذا الرجل جدّه الرسول, وأبو أمه الأجمل, والأحلى, والأطهر, وابن عم أبيه الأمتن والأصدق, والأنبل.
أما أن يقتل معاوية أخي الحسن؟ فبأي حق يحصل التعدي على أرواح الناس وأجسادهم وهم الذين اشتراهم جدي لجنان الملكوت, وصانهم أبي علي بالعدل, والحق, والرحمة, والمساواة, وزينهم بالصدق, والطهر ونظافة الكف, دون أن يطمع برغيف لم تخبزه له فاطمة وقد عجنته من طحين سحق-هو- حبات شعيره على رحى يديرها بساعده الأيمن ويلقمها حبات الشعير بالأيسر؟؟؟
إني بنيت قراراً تتفيأ به أمتي, وأمة جدي وأبي وأمي وأخي الحسن- سوف أقدم على نوع من مبايعة يبهر عينيك وسوف لا أجبن عن بذل الذات في سبيل أمتي هذه التي سأفجر دمي حقناً لدمها, حتى تبقى ملمومة إلى سلالم المجد- ألم يتفان جدي, وأبي, وأمي, وأخي, في سبيلها؟ فأي شيء لي بعد الآن لا أسكبه قطرة قطرة من دمي في الإبريق الذي تشرب منه ريها؟؟؟ اطمئن أيها الوالي- ورعاك جدي, انه رب السماط.
هل يكون استعداد الحسين للنزول إلى ساحة الصراع نزولاً عسكرياً مجهزاً بسيوف ورماح يقصف بها سيوفاً ورماحاً يقابله بها خليفه معاويه وابنه يزيد؟ لم يظهر أن الحسين قد تجهّز بمثل هذا التجهيز, أما الذي بدأ فهو من الصنف الآخر من المعدات التي لن يحرز الحسين النصر إلا بها, والتي لم يطمح يزيد على الحصول على أي نوع من أنواعها- أما حظ يزيد منها , فكونه قد أمتشق سيفاً من الذل يضرب به عنق الحسين, فتناول الحسين حسامه الأغر, ودافع به : ليس عن عنقه الأعزل, بل عن عنقه المسوّر بالإمامة, وعن صدر الأمة المدّرعة برسالة جده, وطهر أمه, وفقار أبيه, ونصاعة أخيه في الساحة البيضاء. . . ما عدا ذلك فإن يزيد قد تضاءل جداً أمام عين الحسين, وأصبح طيفا يتراءى في باله , ممزوجاً مزجاً مركباً بمعاوية أبيه,وعثمان, وعمر, وأبي بكر, وكلهم من الحزمة التي يراهم فيها الحسين, يشدون حبالها على خصر الامة وعنقها مع عمرو بن العاص, وبشير بن النعمان, وأبي موسى الأشعري , وزياد ابن أبيه أو أخي أخيه, ومروان بن الحكم, وعبيد الله بن زياد, وهذا الأخير الوالي المعزول ابن عتبة السفياني...