بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
يا الله يا محمد يا علي
-مما تركه أمانة لدي الأستاذ الكبيرهشام الحرك رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه
الشيرازي
مدخل
كما سبق أن قلت في كتبي السابقة أنني وجهت اهتمامي نحو الكتب الإسماعيلية ومن أهمها وأقربها لي ألا وهي الكتب الفاطمية، فحصلت على مخطوطات هامة وكثيرة، ومن أماكن شتى، قمت بدراستها ملياً، ورأيت أنه من الضروري تقديمها للقراء الأفاضل ليصبح في مقدورهم الإطلاع على تلك المرحلة الهامة من تاريخنا الإسلامي العريق، ويستنبطوا من خلال هذه الكتب فلسفة الدين الحق وتأويلها الباطني الذي نحن بأمس الحاجة له .
ولقد عمدت في تحقيقاتي أن أتحاشى ما قام به غيري من تحريف أو حذف، فاتخذت لنفسي مساراً في الكتابة يقوم على الدقة والصدق والأمانة.
ولذلك وجدت من المناسب إعادة تحقيق المخطوطات كلها سواء كانت مطبوعة أو غير مطبوعة، لأضعها بين أيدي القراء الأفاضل بكل أمانة تاريخية وعقائدية وعلمية أتمنى من خلال ذلك أن أبيّن الحقائق بدقة وصدق وأمانة، ليكون نتاجي بداية درب طويل لا ينتهي...
وقد اعتمدت في تحقيقاتي أسلوب جديد لم يكن متبعاً فيما مضى من قبل المحققين الأفاضل، فابتعدت عن الأسلوب الكلاسيكي في التحقيق، واعتمدت على مخطوطة واحدة من المخطوطات التي هي بحوذتي، وبعد أن قرأت نسخ المخطوطة ذاتها، وقارنت فيما بينها، وقمت بتحقيق إحدى تلك النسخ، ولم أنوّه في كتابي المطبوع كما كان يفعل المحققون في كتبهم المحققة، إذ نجد في حواشيهم ما يلي: (كتبت كذا في النسخة م ) على سبيل المثال، أو ( جاءت كذا في النسخة س ).. لأنني أرى أنه ليس من الضروري أن أقول للقارئ إنه في النسخة الثانية التي سميتها (س) مثلاً جاء فيها على سبيل المثال كلمة ( وقوله تعالى) بدلاً من كلمة (قوله) في النسخة (ص)، أو كلمة ( قول الله تعالى) في النسخة (م)..
فما همّ القارئ من ذلك كله.. إن جاءت هذه الكلمة (وقوله) أو (قوله)؟!!... وما يضر المعنى إن كتبت الواو أم لم تكتب طالما أنها لم تؤثر على المعنى، وما الدليل على قولي أنا كمحقق؟.. وما هي المصداقية في كلامي؟!.. إذا كانت المخطوطات ليست بين يدي القارئ؟!.. ولم يرها أبداً؟!.. طالما أن هذا القارئ يثق بما يكتبه له المحقق؟..
إضافة لذلك، فقد قام المحققون بطباعة تحقيقات كثيرة، ولكن لم تظهر أية مخطوطة بيد القراء، ليبيّنوا مصداقية هذا المحقق الذي قدّم مخطوطته على شكل كتاب!... ولكن لم نقرأ في الكتب المطبوعة إلا ما كتبه المحقق فقط: (ذهبت إلى الهند لأبحث عن المخطوطات فحصلت على هذه النسخة وسميتها (س)، وخرجت تحت البرق والرعد والمطر والثلج الكثيف لأحصل على نسخة من هذه المخطوطة وسميتها (ع)، وبذلت ما بوسعي من جهد وعطاء لأحصل على نسخة من هذه المخطوطة وسميتها ك...).. وما إلى ذلك من أخبار وأقوال.. وما أدرانا ما الحقيقة، ولماذا صنع هذا المحقق من نفسه (كبش الفدا) ليحقق هذه المخطوطة؟!.. أو لينافس غيره بتحقيق المخطوطة ذاتها؟!.. أو ليطبعها بعناوين مختلفة وكأنه يستغفل القارئ الذي لم تصله المخطوطة فيميّز بنفسه؟!.
وإذا ما نظرنا إلى الكتب المطبوعة، وجدنا معظم حاشيتها تعجّ بـ (جاءت في النسخة س كذا) أو (كذا في النسخة ل )، وكأن المحقق لن ينال رضى القارئ إلا إذا كتب هذه الحاشية، وربما أن القارئ يثق بالمحقق وتحقيقه إلا إذا كتب ذلك!!..
فما أدرانا نحن كقراء.. أن يكون بحوزة المحقق نسخة واحدة فقط من المخطوطة، فقام بنفسه بكتابة الحشو(جاءت في النسخة س كذا) أو (كذا في النسخة ع) .. وما إلى ذلك من كتابات، قد تكون من بنات أفكاره.. وهذا ما يثقل الكتاب المطبوع بأسطر وصفحات جدّ كثيرة تزيد من حجم الكتاب، وجلّ همّ ذلك المحقق أن يحصل على ثقة القراء بدون أن يعرفوا شيئاً مما هو فاعله؟!!!..
أنا لا أكره أحداً، ولا أبغض أي إنسان.. إنني أحب الجميع بلا استثناء(قراء ومحققين)، ولكنني أقول صدق الكلام وحقيقة ما يعتمل في صدري.. فإني أقدم اعتذاري إذا أخطأت في تعابيري التي لا أتمنى أن تُفهم بأني أقصد منها الإساءة، ولا أبغي من كلامي سوى ما أراه حقيقة وأن يجلى وجهها.. والله الموفق.
الدكتور حسام خضور
مقدمة المحقق
لابد لنا في بداية هذا الكتاب أن نقدم لمحة بسيطة عن المؤلف.. حياته.. وأعماله..
المؤيد في دين الله هبة الله الشيرازي: هو هبة الله بن أبي عمران موسى بن داود الشيرازي، ولد في شيراز في القرن الرابع من الهجرة، ولقد اختلف المؤرخون في السنة التي ولد فيها، فذكر الهمداني أنه كان في التاسعة والعشرين من عمره حين طلب إليه أن يغادر بلاده في سنة 429هـ .
وهذا يعني أن ولادته كانت سنة 400هـ، ولكن الدكتور كامل حسين خالف هذا الرأي، فقال أن ولادة المؤيد كانت على الأرجح سنة 390هـ معتمداً في ذلك على بيتين من الشعر وردا في ديوان المؤيد يخاطب بهما الإمام الإسماعيلي المستنصر بالله قال:
لي في هجرة إليك تمن
قد تمنيته وإني غلام
وتدانى من أربعين لي السن
ولم يقض للتمني زمام
وبذلك دلّ على أنه بلغ الأربعين من عمره سنة 427هـ .
كانت ولادة المؤيد في أسرة اتخذت العقيدة الإسماعيلية مذهباً لها، فأبوه كان حجة جزيرة فارس في عهد الإمام الحاكم بأمر الله الفاطمي، فنشأ ابنه هبة الله، وأعد ليحتل مكان والده في الدعوة الإسماعيلية وأسرارها، فكاتب أبوه الحاكم بأمر الله أن يولي ابنه هبة الله أمر الدعوة في فارس من بعده.
وبالنظر لنبوغ هبة الله المبكر، ونشاطه الملموس في خدمة الدعوة، أصبح حجة بلاد فارس بعد وفاة أبيه، فكرّس جهوده لرفع مستوى الدعوة في تلك البلاد، وعمد إلى تنظيمها علمياً بحتاً، فانقاد له أتباعه الانقياد كله، وضحّوا في سبيله بأرواحهم، وازداد عددهم زيادة كبيرة، مما جعل السلطان أبو كاليجار البويهي يخاف من سطوته ونفوذه، فحاول أن ينفيه مراراً من شيراز، ولكنه كان يخشى ثورة أتباع المؤيد من الإسماعيلية، إلا أن المؤيد استطاع بما أوتي من مقدرة فائقة أن يتصل بأبي كاليجار، فأقنعه بالاستماع إليه، وأن يعقد مجالس المناظرة بين المؤيد وعلماء الشيعة والمعتزلة وأهل السنة، فبرز المؤيد على خصومه ومناظريه، مما اضطر السلطان أن يخضع لقوة بيان المؤيد ودافع حجته، ويدخل في دعوته.
ولقد ساعد دخول السلطان الدعوة المؤيد في الدين، فأجهر بمعتقداته الإسماعيلية في بلد يدين للعباسيين دون خشية، مما حمل قاضي الأهواز على إرسال كتاب إلى الخليفة في بغداد ينعي فيه الدولة العباسية، وضياع خلافتها على يد المؤيد في الدين.
وبنفس الوقت ثار أهل السنة على أبي كاليجار، مما أجبر العباسيين على إيفاد الوزير العباسي ابن المسلمة للقبض على المؤيد، ولكن المؤيد علم بالأمر، فسار متخفياً متجنباً الطرق العامة، سالكاً البراري والقفار، حتى وصل إلى مصر سنة 439هـ.
إلا أن المؤيد يذكر في سيرته أنه لقي بمصر عند وصوله أبا سعيد التستري الذي قتل سنة 439 هـ.
أما الدكتور كامل حسين، فيقول بأن المؤيد جاء إلى مصر بين سنتي 436و439هـ، وأخذ يتردد على أبي سعيد التستري ويتقرب إليه، فلما قتل التستري في سنة 439هـ تقرّب المؤيد من الوزير أبي نصر الفلاحي الذي سهل له السبيل لمقابلة الخليفة، وقد تحققت أمنيته ومثل بين يدي الإمام في آخر شعبان سنة 439هـ.
جاء المؤيد في الدين إلى مصر حيث كانت مقراً للخلافة الفاطمية، فأقام فيها قرابة الثلاثين عاماً، عمل خلالها على نشر العقائد الإسماعيلية عن طريق إلقاء المحاضرات العلمية، والمجالس التأويلية، فاستمع له جمهرة من المصريين، وأخذوا عنه علوم الدعوة وفلسفتها، فكان له تأثير كبير في الحياة العقلية، وعنه أخذ الدعاة اليمنيون، فأدانوا له بالإستاذية في علوم الدعوة، وفي القاهرة أنشد المؤيد أكثر قصائد ديوانه، وألقى مجالسه التي بلغت الثمانمئة مجلس، تحدث فيها عن العقائد الإسماعيلية وعلوم دعوتها.
والمؤيد في سيرته يتحدث عن حياته في مصر، وعن علاقته ببعض الوزراء ورجال بلاط المستنصر بالله، ولقد وصف المؤيد أول مقابلة له للإمام الفاطمي المستنصر بالله فقال:
(وكنت في مسافة بين السقيفة الشريفة، والمكان الذي ألمح فيه أنوار الطلعة الشريفة النبوية.. فلم تقع عيني عليه إلا وقد أخذتني الروعة وغلبتني العبرة، وتمثل في نفسي أنني يدي رسول الله وأمير المؤمنين ماثل، وبوجهي إلى وجهيهما مقابل، واجتهدت عند وقوعي إلى الأرض ساجداً لأولي السجود ومستحقه أن يشفعه لساني بشفاعة حسنة بنطقه، فوجدته بعجمة المهابة معقولاً، وعن مزية الخطابة معزولاً.
ولما رفعت رأسي من السجود، وجمعت ثوبي للقعود، رأيت بناناً يشير إليّ بالقيام، لبعض الحاضرين في ذلك المقام، فقطب أمير المؤمنين خلد الله ملكه وجهه عليه زجراً، على أنني ما رفعت به رأساً ولا جعلت له قدراً، ومكثت بحضرته ساعة لا ينبعث لساني بنطق، ولا يهتدي لقول، وكلما استرد الحاضرون مني كلاماً ازددت إعجاماً ولتعقبه ألقى اقتحاماً، وهو، خلد الله ملكه! يقول
دعوه حتى يهدأ ويستأنس).
ثم قمت وأخذت يده الكريمة فترشفتها، وتركتها على عيني وصدري، ودعيت وخرجت).
وبعد هذه المقابلة تقلد المؤيد ديوان الإنشاء وزيد في رزقه، وعلا قدره في نظر الإمام المستنصر.
وكان المؤيد بارعاً في الكتابة بالعربية والفارسية، فوسع نطاق الدعوة الفاطمية إلى بغداد.
فلما علم أن طغرلبك السلجوقي حاول أن يهادن البيزنطيين ويحالفهم من أجل الإستيلاء على أملاك الدولة الفاطمية في أعالي الجزيرة وبلاد الشام بعد أن دخل مدينة الري سنة 444هـ راسل وزير طغر لبك الكندري يستميله إلى الفاطميين.
إلا أن طغر لبك دخل بغداد في سنة 447هـ، فهرب السباسيؤي، ولكن سرعان ما اتصل به المؤيد وأبلغه أن الفاطميين مستعدون لشد أزره وإمداده بالمال والسلاح.
ومن ناحية ثانية أخذ يستميل العرب والأكراد ويخلع عليهم خلع الفاطميين ويغدق عليهم الأموال.
ونجحت خطة المؤيد، فانتصرت جيوش البساسيري على جيوش طغرلبك وانتشرت الدعوة الإسماعيلية في العراق، خطب للإمام المستنصر في بغداد.
ولكن البساسيري ما لبث أن تفرقت جموعه، ونجح طغرلبك في طرده من بغداد في سنة 449هـ.
لقد قدم للدعوة الإسماعيلية خدمات كثيرة، ودافع عنها بالقلم واللسان، استطاع أن يقنع الملوك والأمراء للدخول في المذهب الإسماعيلي، وحاول القضاء على الدعوة العباسية بتأليب أمراء العراق والشام على القائم بأمر الله العباسي، ونجحت مساعيه في إقامة الدعوة لإمامة المستنصر على منابر بغداد سنة 450هـ، ولولا أسباب لا طاقة له بدفعها لقضى على الخلافة العباسية قضاءاً تاماً، ولغير وجه التاريخ الإسلامي، ولقد استطاع أن يعيد مدينة حلب إلى أملاك الفاطميين بعد أن أعيت جيوشهم.
ولقد قدَّر الإمام الإسماعيلي الجهود التي بذلها المؤيد في نشر الدعوة فعينه داعياً للدعاة سنة 451هـ .
خافه الوزراء كثيراً مم دفعهم للمكيدة حتى نفي من مصر، ثم عاد إليها وولي رئاسة الدعوة، ثم عزل وولي ديوان الإنشاء مرة ثانية، وهكذا حتى توفي في القاهرة سنة 470هـ ، ودفن في دار العلم بجوار القصر، وقد صلى عليه الإمام المستنصر نفسه عند وفاته.
ولقد ترك المؤيد مؤلفات مهمة نذكر منها:
1- المجالس المؤيدية: ويضم ثمانمائة مجلساً من مجالس الدعوة الإسماعيلية التي كان يلقيها المؤيد، وقد رتب هذا الكتاب وقسمه إلى أبواب حسب موضوعاته حاتم بن إبراهيم الحامدي الداعي اليمني، وسماه( جامع الحقائق)، وفي هذا الكتاب نرى مناظرات ورده على المخالفين.
2- ديوان المؤيد في الدين: وهو عبارة عن مجموعة من القصائد التي أنشدها في مدح الأئمة، وتعرض فيها لحياته، كما وصف أحواله وأشار إلى جهوده في نشر الدعوة الإسماعيلية، وملأ قصائده بالعقائد الإسماعيلية ومصطلحاتها.
3- السيرة المؤيدية: وهو كتاب قيّم يتحدث عن الحياة السياسية والاجتماعية في فارس والعراق ومصر من سنة 429هـ إلى سنة 450هـ، يعتبر سجلاً للوثائق التي تبودلت بين المؤيد وأمراء العرب، وبينه وبين الوزراء المصريين إبان ثورة البساسيري.
4- كتاب الإيضاح والتبصير في فضل يوم الغدير.
5- كتاب شرح المعاد.
6- جامع الحقائق في تحريم اللحوم والألبان
مقتطفات من المجالس المؤيدية).
7- تأويل الأرواح.
8- القصيدة الاسكندرانية .
9- المسألة والجواب.
10- كتاب الابتداء والانتهاء .
11- المجالس المستنصرية : تعرض فيه للفلسفة الإسماعيلية وشرح عقائده بإيجاز.
12- ترجمة أساس التأويل إلى الفارسية عن القاضي النعمان .
13- نهج العباد.
المجالس المؤيدية- المائة الخامسة
إن هذا الكتاب جزء من الثمانية أجزاء لكتاب المجالس المؤيدية .. حيث أن كل جزء مؤلف من مائة مجلس، ويسمى كل جزء بالمائة التي يتضمنها، فالجزء الأول يسمى بالمائة الأولى، والجزء الثاني يسمى بالمائة الثانية، وهكذا إلى المائة الثامنة.
وكتابنا هذا(المجالس المؤيدية- المائة الخامسة) هو الجزء الخامس.
وإن الموضوعات الأساسية التي يدور عليها كتاب المجالس المؤيدية متناثرة في جميع الأجزاء، وكل جزء منه على حدة يعطي صورة عن الكتاب بأكمله، وإن كان في حقيقة الأمر لا يغنى عن بقية الأجزاء ففي مجملها تشكل موضوعاً متكاملاً.
وإن اختيار المؤيد لتجزئة الكتاب إلى ثمانية هي من الأمور الهامة باعتقادي، لأن الأعداد عند الفاطميين والإسماعيلية عامة لها دلالات باطنية كبيرة يجب تبيانها بصورة جلية.
فالعدد ثمانية عند الفاطميين هو (أصل) بمقابلة أبواب الجنة وحملة العرش، أو بمقابلة الحدود الروحانية والحدود الأرضية، فهذا العدد (ثمانية) اختاره المؤيد لأجزاء كتابه ولمجالسه ممثولاً من هذه الممثولات.
وجاءت تسمية المجالس من مجلس، والمجلس هو مكان جلوس الداعي الفاطمي إلى أتباع الدعوة في يوم من أيام الأسبوع والمناسبات والأعياد، فيطرحون موضوعاً هاماً، يغوصون في بواطنة، يقلبون تأويلاته وأفكاره الفلسفية من باعث ديني جدير بالمناقشة، ويستشفون من الإمام وأمير المؤمنين النصائح والأقوال، فيبصرهم بمذهبهم، وهذا سمي مجلساً.
حاول المؤيد الربط بين مجالسه وترتيبها، وثمة مواضيع تأخذ أكثر من جلسه، فكان يشير في مقدمة المجلس الذي يتحدث فيه إلى ما ذكره في المجلس السابق، أو في نهاية المجلس يشير إلى ما سيكمله في المجلس التالي، فمثلاً يقول (تلي عليكم كذا) أو (قرأ كذا) أو (يتلى عليكم كذا) أو يقرأ كذا)، وهذا يدل على أن المؤيد كان يعد الموضوع الذي سيطرح في الجلسة مسبقاً، شأنه شأن باقي المؤلفين الذين عاصروا العهد الفاطمي كالقاضي النعمان في كتابه مثلاً المجالس والمسايرات، وهذا يرجع إلى تعاليم الإمام وتوجيهاته في تسيير أمر الجلسات، فكان الإمام يلقي النظر بها قبل أن يلقيها الداعي على أتباع الدعوة الفاطمية.
وكان المؤيد يتناول في مجالسه مواضيع هامة كالوصاية والإمامة والغلاة، وتأويل الآيات القرآنية، والمناسبات الدينية، ومواضيع جمة نترك للقارئ تبيانها.
كان يقدم المؤيد موضوعاته بأسلوب شيق، وأفكار مترابطة، فيقلب الموضوع من أكثر جوانبه، فيشد إليه السامع والقارئ بسلاسة تعابيره، وتراكيب معانيه، وبلاغة أسلوبه.. ويتنقل من الفكرة ككل، ثم أجزاءها وتفصيلاتها، ومن سرد إلى حوار ومناقشات لأوجه مختلفة في الرأي، متباينة في طروحاتها، يناقشها ويبين وجهات النظر فيها، ثم يرد عليها، فيعطي الأفضل منها.
ورغم كثرة المجالس عند المؤيد، فقد اتخذ قالباً واحداً لها في ذا الشكل، فهو يبدأ بمقدمة تشبه الخطب المنبرية، فيحرص فيها على حمد الله والصلاة والسلام على النبي، ثم الوصي والأئمة وفضلهم عليهم السلام، ويطلب من الفاطميين التمسك بأئمتهم، والأخذ بتعليماتهم الروحية، وعدم الانصياع لملاذهم وأهوائهم الدنيوية التي ينهي عنها الدين الإسلامي، ثم يشير إلى ماكان قد انتهى إليه في المجلس السابق، ثم ينتقل إلى موضوع مجلسه الذي يتحدث فيه، وكان في بعض الأحيان يشير في مجالسه إلى ما سيدور الحوار في المجلس التالي، ثم يختم المجلس كما في المقدمة.