قام المفكرون على اختلافات اختصاصاتهم خلال العقد الماضي وبعدة مناسبات بشرح الظاهرة الثقافية والتاريخية للفاطميين بدلاً من وصفها. خلال الندوة الكبيرة من الإحتفال بألفية القاهرة الأولى، سعى المتوفى غوستاف فون غرونيبام والبروفيسور برنارد لويس وأنا لتحديد أسباب نجاحات وفشل الفاطميين أو ببساطة الحيثيات الثقافية أو التاريخية. يوفر التركيب المثير للجدل للكاتب الراحل مارشال هدجسون حول التاريخ الإسلامي أيضاً تفسيرات جديدة عن الفاطميين ضمن ماسماه الفترة الإسلامية الوسيطة. وعبر العديد من العقود قادت دراسات البروفيسور جويتن حول أجزاء الجنيزة إلى العديد من الإستنتاجات والأفكار حول الفترة الفاطمية. إن أحد أسباب هذا التفسير الغريب هو أن الفترة الفاطمية قد وثّقت بشكل جيد ومتوفر للجميع خلافاً للكثير من الفترات الأخرى عبر التاريخ الإسلامي، وذلك من خلال اليوميات المحفوظة والتي نشرت بجزأها الأكبر رغم أنها لم تنل رضى الجميع، وصروح القاهرة ومصر المعروفة بشكل جيد، والأعمال الفنية والحرفية الخلاقة والتي يمكن إيجادها في الكتب والمقالات وحتى في بعض الأحيان ضمن مقالات المراجعات الروحية، والعديد من الوثائق الملحقة كالقطع النقدية والرسائل الرسمية وعقود البيع والمهور والنصوص القانونية، والتي غالباً ما ذكرت في كتب التاريخ العام.
ولكن السبب الأهم ربما أن هناك شيء غير اعتيادي ومحير حول الفاطميين كما لو أنهم كانوا تطوراً استثنائياً ضمن الثقافة الإسلامية في عصر طغت فيه حركات السلالات الإثنية الممتدة من إسبانيا وحتى بلاد ماوراء النهر، فقد كانت الخلافة الفاطمية إسلامية بشكل واسع يشمل الجميع رغم كونها متركزة حول العرب. لقد كان لها قوة سياسية ودينية شاملة ولكن إرثها الأكثر وضوحاً كان في تحويل مصر لمركز عظيم للثقافة الإسلامية من دون أسلمتها أو استغلال اقتصادها. وبدلاً من تطوير مدينة صغيرة مثل غزني، تنمال، أو الرباط لتكون عاصمة مؤقتة للإمبراطورية، فقد صاغوا القاهرة لتكون واحدة من حواضر العالم الإسلامي العظيمة والزاهرة لما ينوف عن ألف عام، وأعطوها طابعاً مصرياً بدلاً من الطابع الإسلامي. لقد عاشت الخلافة الفاطمية وازدهرت من خلال التجارة العالمية والهندية والمتوسطية غير أن طموحاتها السياسية كانت في بغداد. لم يكن الإبداع الفكري والأدبي عند الفاطميين مقارناً بمعاصريه في إسبانيا والعراق وخراسان ولكن الأدب كان أصيلاً ومختلفاً عن أي شيء آخر معروف في ذلك العصر. وكمثال أخير عن الخصوصية الفاطمية فإن الحماسة الدينية والتبشيرية للسلالة الفاطمية كانت قد بلغت أوجها خلال حكم الإمام الخليفة الحاكم (المتوفي عام 1221 م/ 411 هـ)، لكنها تناقصت بعد ذلك وكان ذلك قد ظهر بشكل واضح من خلال فشل البساسيري في بغداد في فترة 1057- 59 م/ 449- 451 هـ؛ ولكن رغم الضعف وصعوبة المرحلة استمرت السلالة الفاطمية في الحكم بعد ذلك لقرن أوأكثر من الزمن.
كانت هذه المفارقات ما حير المؤرخين وإن غايتي من هذه المقالة هي تحديد وتوضيح الطرق التي درس بها الفن ومن خلالها يمكن الوصول لحلول وتوضيح لهذه المفارقات. لن أتمكن من أن أكون كاملاً وشاملاً ولا أن أناقش كل الطرق الممكنة لدراسة وشرح المواد المتوفرة. غايتي هي تطوير ملاحظات عامة حول الصروح المختلفة والنصوص التي كتبت عنها وبشكل خاص كتاب المقريزي الثمين ’’الخطط‘‘، حتى أقيّم أصالة الفاطميين ضمن الفن والثقافة الإسلامية.
إن الصروح الأكثر شهرة في فن العمارة الفاطمي كانت كلها في مصر: الجوامع الكبيرة كجامع الأزهر وجامع الحاكم، والصغيرة كجامع القمر، أو ما اختفى منها في عصرنا الحالي مثل جامع العرافة والذي يمكن إعادة بناءه على درجة من الثقة، والأضرحة في القاهرة، أوس، وأسوان والقصور بما يشمل القصور الملكية العظيمة ضمن جدران القاهرة نفسها أو الأجنحة الموجودة عبر المدينة والتي عرفت من خلال النصوص الأدبية والشروحات، والتحصينات والبوابات والإحتفالات والشعائر.
هناك عدة إعتبارات واسعة تلعب دوراً في فهم هذه الأبنية. أحد هذه الإعتبارات هو التوازن بين العناصر المصرية الداخلية (بعضها جلب لمصر من العراق خلال القرن التاسع) والعناصر المستوردة. تعتبر العناصر المستوردة بشكل عام مقتبسة من شمالي أفريقيا خلال فترة التاريخ الفاطمي الباكر وشمال مابين النهرين بعد منتصف القرن الحادي عشر. القضية الأخرى هي درجة أصالة أشكال فن العمارة الفاطمي وغاياتها. إن هذا الموضوع أكثر تعقيداً من مجرد وضع قائمة للتأثيرات وإن السؤال بكليته يحتاج لبعض من التفصيل. ظهر في الفترات الفاطمية مجرد معلم عمراني وحيد جديد بشكل حقيقي، رغم أن جذوره كانت أقدم من السلالة الفاطمية، إنه الأضرحة والتي يعود الفضل في تطويرها أحياناً للتراث الشيعي. لكن المصادر الحقيقية لذلك هي دينية وعلمانية. كانت الجوامع والقصور وحتى جدران المدينة قد وجدت من قبل، لقد تابع الفاطميون استخدام نفس الأسلوب العمراني للجوامع التي بنيت منذ عدة قرون. لايوجد أي دليل على أن قصورالفاطميين كانت قد اختلفت بشكل كبير في الشكل عما كان يعتبر قصراً مدنياً ملكياً في بغداد أو سامراء أو حتى القسطنطينية. كانت جدران وبوابات المدينة نادرة قبل القرن العاشر ومن الصعب اثبات الأصالة الفاطمية. غير أن جدران المدن لها نفس الغاية والشكل بشكل عام مما يحد من قيمتها العمرانية التاريخية.
غير أن هذه الإنطباعات السريعة عن إستمرارية هذه الصروح في العمل لمضللة، لأن التغييرات التي أدخلت كانت واسعة المدى. لم تكن الجوامع الصغيرة – مثل جامع الأقمار وجامع الصالح طلائع وغيرها والتي ذكرها المقريزي- مجرد نسخ مصغرة عن تلك الجوامع الكبيرة ذات الأعمدة ولكن كانت تعبيرات عن التحول في رعاية المباني الدينية العامة من السلطة المركزية للدولة إلى جهات خاصة. وأصبح هذا التغيير لارجعة فيه واستمر على مدى عدة قرون بعد ذلك حيث أصبح لدى جميع المدن المسلمة تقريباً، وخصوصاً من العراق إلى المغرب، جوامع صغيرة خاصة وغيرها من المعالم الدينية المتكيفة مع الواقع المادي للمدن وهذا يعكس تعدديةطرق الإيمان وليس تصوراً واحداً للتكوين السليم للمجتمع الإسلامي. لم تظهر تغييرات وظيفية في المساجد ذات التجمعات الكبيرة بشكل فوري، ولكن المقريزي يبين أن هذه الأبنية إحتوت إحتفالات ملكية رسمية عند جميع المجتمع المسلم مثل الدخول الرسمي، وتغييرات الأثواب الرسمية، وإشعال البخور، واختفاء بعض الخلفاء وراء الستائر، والمواكب وترديد الهتافات؛ ومن غير المؤكد فيما إذا كانت هذه الإحتفالات قد سلمت من أزمة منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، ولكن المواكب الشكلية والرسمية في معظم جوانب الحياة الملكية كانت قد استمرت بالتأكيد، ولقد نوقش طابعها الغير عادي في إطار التقاليد الإسلامية مراراً.
إذا ما نظرنا إلى الأشكال المعمارية فإننا نلحظ ظهور شكل جديد واحد فقط في العصر الفاطمي، وهو المقرنصات.لا يوجد حتى الآن أي تفسير مقنع حقاً لأصلها، وهناك بعض النقاش حول ما إذا كانت من أصل شرق إيراني مستورد إلى مصر، أو أنها إبداع محلي، أوأنها اختراع شمال أفريقي وهذا احتمال ضعيف.تكمن أهمية المقرنصات في أن مثل هذا الضريح والمباني الصغيرة الأخرى الدينية، أصبحت شائعةً في العصر الفاطمي ومنذ ذلك الحين تبقى سمة ثابتة ضمن العمارة الإسلامية لقرون قادمة. هنالك تطور شكلي آخر ذو تاريخ مماثل ولكن أقل وضوحاً، هو الواجهة الرئيسية مع البوابة المركزية غنية التزيين مع مآذن في الزوايا. وجدت البوابات المزينة بالفعل في العمارة الإسلامية الغربية في القرن التاسع الميلادي، ولكنها وجدت أيضاً في الجوامع الفاطمية في تونس وأصبحت عنصراً رئيسياً من عناصر تكوين الواجهة.يبدو أن البويهيين في إيران كانوا قد استخدموا ذات النوع من التشكيل في نفس الوقت تقريباً، وذلك في حال صحة تأريخ وتحديد واجهة جورجير في أصفهان. أما التطور اللاحق في الواجهات مع أو بدون مآذن فليس بحاجة إلى إثبات.
يمكن لإثنتين من الإنشطة الفاطمية الغير معروفة جيداً أن توضح وتصقل معرفتنا حول إهتماماتهم المعمارية.ويتناول أولها الحرم الشريف في القدس. لم يُكتب التاريخ الأثري والثقافي لهذا الحرم العظيم بعد رغم توفر كم هائل من الوثائق المتاحة. يتبين بشكل واضح من خلال النقوش والنصوص ومن وصف ناصر خسرو الرائع عن المعالم، بأن الفاطميين، إلى جانب الأمويين، كانوا مسؤولين عن البناء الأكثر اتساقاً للحرم. ومن الصحيح، بطبيعة الحال، أن تقصير أسوار المدينة في عهد الإمام الخليفة الظاهر والزلازل المدمرة في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي استلزم عمليات إعادة إعمار كبرى. لكن الملفت للنظر هو نوعيتها، كما في حالات الفسيفساء المشهورة في المسجد الأقصى وعلى البوابة الغربية والتي وصفها الرحالة الفارسي. إن تقنية الفسيفساء لكلا المعلمين الأثريين ومواضيع الزخرفة في المسجد هي أيضاً ملفتة للنظر لطابعها التقليدي والقديم، وحتى المثلثات الركنية في المسجد الأقصى ذات الأصالة المعمارية الحقيقية. لم يبق شيء من البوابة الغربية، ولكن، وبما أنها كانت قد أصبحت المدخل الرئيسي إلى الحرم، فمن المنطقي أن نعتبر ذلك تعبيراً عظيماً خاصاً عن السلطة الفاطمية. وإذا ذكرنا هدم الإمام الخليفة الحاكم لكنيسة القيامة وإعادة بناءها لاحقاً، والتي من أجلها أرسل الإمبراطور البيزنطي الأشياء الثمينة المسجلة رسمياً في المكاتب الحكومية الفاطمية، فإنه يمكننا الإستنتاج بأن الفاطميين، وبصيغة مختلفة، كانوا قد أعادوا إلى القدسالصراع بين الإسلام والمسيحية البيزنطية والذي ميز العصر الأموي، وكانوا، على غرار من سبقهم، قد عبروا عن ذلك بشكل معماري.
المثال الثاني يشمل نشاطات البناء الفاطمية في مكة والمدينة وهذه النشاطات لم تُوثّق بشكل كافٍ. وكما توضح المصادر التاريخية فإن سيطرة الفاطميين على هاتين المدينتين المقدستين في الإسلام قد أربكها نشاطات العباسيين من العراق والإضطرابات المحلية والهجمات القرمطية. غالباً ماهُجِر الحج لفقدان الأمان. غير أن الإصرار الرسمي على الوجود الفاطمي كان قد تم تأكيده بنحت نصوص كبيرة على الكعبة، ومن الملفت للإنتباه أن نقوش الخليفة العباسي المكتفي والتي حلت مكان النقوش الفاطمية في عام 1100ميلادي/ 550 هجري تحتوي على إشارات شيعية ’’لنقاء أسلاف‘‘ ’الخليفة العباسي‘ وأحفاده. تشير كل هذه الأمثلة للنموذج التالي. إن فن العمارة الفاطمي هو من حيث المبدأ محافظ وتقليدي. يشتمل على عناصر بنائية وإنشائية معروفة وإن إهتمام السلالة الفاطمية بمكة أو المدينة أو القدس هو أسلوب للتعبير عن شرعيتها، وربما في حالة القدس قد ظهر هذا بشكل أكبر لأن السيطرة عليها كانت أسهل مقارنةً بالأماكن المقدسة في الجزيرة العربية ولأنها كانت مركزاً مهماً للعمارة الأموية. ومهما كانت الأسباب فإن تقبل المجتمعات المسلمة كان فقط من خلال الترميم وأحياناً تعديل الصيغ المعروفة والقديمة. كانت التغييرات على نوعين. أحدها الإستخدام الإحتفالي للجوامع والمقدسات الأخرى من قبل الخلفاء وهناك أدلة على أن هذه الممارسة كانت موجودة في العهود الأموية والعباسية والطولونية. ولكن لم تكن أبداً بنفس الأسلوب المنظم عند الفاطميين. لم يستمر هذا التجديد بعد ذلك إلا أنه لمن المثير للإهتمام أن الإحتفال بوجود الحاكم في الجامع قد ظهر من جديد في عصر العثمانيين وهم آخر سلالة حاكمة إسلامية في حوض المتوسط. كذلك كان هناك تغييرات رسمية بدت من خلالها الأضرحة والمقرنصات وواجهات الأبنية في الأبنية الدينية كإبتكارات صغيرة ولم يكن أي منها قد اخترع في العهد الفاطمي. إلا أنها كلها قد أصبحت جزءاً من فن العمارة الإسلامي بشكل عام ويمكن طرح السؤال فيما إذا كان إعتماد الفاطميين لها قد جعلها مقبولةً من قبل التراث ككل. يساهم فن العمارة بسهولة أكثر من باقي الفنون الأخرى بصياغة فرضيات المعاني التاريخية والثقافية لسلالة حاكمة أو عصر ما بسبب إرتباطه الإجتماعي التلقائي. وبوضع هذه الفرضيات بعين الإعتبار فإننا نتمكن بسهولة من دراسة الفنون الأخرى.
لقد كتب الكثير عن الرسوم الفاطمية منذ أن كتب إيتينغ هاوزن مقالته الأصلية منذ ماينوف عن خمسة وثلاثين سنة ماضية، بالإضافة للعديد من الأجزاء المكتشفة والتي نسبت صواباً أم خطأً للفترة الفاطمية. إن معاني هذه الأجزاء نادراً ماكان واضحاً وغالباً ما كانت متفاوتة بالقيمة. إنه لمن شبه المستحيل فرز المخططات من الرسوم الحقيقية، والخربشات التوضيحية والرسوم العامة من رسوم البلاط، والرسوم الباكرة من الرسوم اللاحقة أو المتأخرة في هذا الوقت من الزمن. وإذا أضفنا، ويتوجب علينا ذلك، لفن الرسم فهنالك أمثلة عديدة أخرى من أعمال السيراميك البراقة بموضوعات واسعة التنوع، والأعمال الحرفية الخشبية كالواجهات التي من المفترض أنها تعود للقصر الفاطمي، أو الأعمال العاجية والمعدنية والتماثيل مع تمثيلات متفرقة للأفراد والحيوانات، وهذه الإضافات تجعل الأمور أكثر تعقيداً. لأن الآراء حول الأسلوب والأنماط لهذه الفنون تتأثر بالأساليب والأغراض المختلفة. بالإضافة لذلك فإنه من الصعب أن نجد لأي لوحةً أو أيّاً من الأعمال الفنية الأخرى تاريخاً واحداً. وفي الحقيقة فإن الرسومات من قصر كابيلا في باليرمو في صقلية تعود لتاريخ 1140 ميلادي/ 535 هجري. وهي مرحلة كررت فيها الثقافة القاطمية نفسها في المراحل السابقة. يمكننا أن نعتبر وجود فن رسم في العصور السابقة حيث أن العديد من الكتب تذكر رسومات جدارية في منازل خاصة وقصور وجوامع في منتصف القرن الحادي عشر، وغالباً ما احتوت المكتبات الضخمة للخلفاء على مخطوطات توضيحية ذات أهمية ربما تفوق بكثير ما بقي اليوم. لا يمكن ربط أي إشارة في مراجع المكتبة بشكل مباشر لرسومات معروفة اليوم. وبالتالي بإستثناء رسومات باليرمو الغير مكتملة التفسير والتي نفذت في سياق مرحلة تاريخية وثقافية خاصة جداً، فإن الكم الهائل من المستندات يفتقد لتفاسير واضحة أو حتى إشارة أو فكرة توضيحية يمكن للمرء أن يتخيل، على الأقل من الناحية النظرية والإفتراضية، بأنها ستمكن من فهم الباقي.
وبالتالي فإنه في ضوء اليأس المنهجي في التعامل مع هذا الكم من المعلومات الغير متكاملة والغير واضحة فإنه يمكن أن نضع عدداً من الملاحظات حول الفرضيات الموضوعة حول فن العمارة. أولاً إن عدد التمثيلات الفنية التي تخص الفاطميين في مختلف النواحي الفنية هو عالٍ بشكل كبير. لقد ساهم المناخ في مصر والأمان النسبي من الغزوات المدمرة للعديد من القرون بالطبع في حفظٍ أفضل لممتلكاتها مقارنةً بأي مكان آخر في العالم الإسلامي. لكن رغم ذلك فإنه من المنطقي أن نستنتج بأن الثروة الفاطمية من الأعمال الفنية تختلف عن تلك الموجودة في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي خلال الجزء الأخير من القرنين العاشر والحادي عشر. لاتمتلك أعمال السيراميك الفنية ذات الدلالات من العراق أو شرق إيران ولا حتى ما تبقى من أجزاء اللوحات المثيرة للأسى من نيسابور أو بازار لاشكاري ولا الأعمال الجصية من أفارسيب وترمز، تنوعاً متقارباً في المواضيع. لايمكننا أن نعزو هذا لعدم كفاية الأدلة، لأن الظاهرة المصرية قد أوضحت بشكل كبير أنه عند درجة معينة من الإشباع فإن التمثيلات الفنية تمتد لتشمل تقريباً كامل درجات العمل والنشاط الفني وتترك في الحقيقة آثاراً أكثر مما تم إيجاده. ومن ناحية أخرى وخلال القرن الثاني عشر فإن كامل أرجاء العالم الإسلامي عدا المناطق الغربية كانت قد شهدت زيادة كبيرة جداً في التمثيلات الفنية بكل الأنواع والوسائل. لا يمكن الجزم بالأثر الفاطمي على الفنون في إيران وأناطوليا لاحقاً من خلال الدليل الرقمي فقط، ولكن ولمرة أخرى، قد بقيت الإبداعات الفاطمية المصرية ميزة لعدة قرون لاحقة.
الميزة الثانية للبقايا المصرية هي أن حفظها قد جرى بدون أي تمييز بحيث أن إبداعات كل طبقات المجتمع قد حفظت وفق عشوائية أثرية شبه مطلقة. في الحقيقة وبسبب السرقات المتكررة لمراكز الخلافة ولغياب التنقيب المنظم، فإن البقايا ربما أكثر تمثيلاً للطيف الواسع للمجتمع الفاطمي مقارنة لما وجد في سامراء في العراق ومدينة الزهراء في إسبانيا. للأسف وبرغم دراسات البروفسور جويتن الرائدة إلا أننا لا نستطيع حتى الآن أن نصل لوصف دقيق لهذا المجتمع. لكن على أية حال يمكننا أن نعتبر أولاً المجتمع الفاطمي بأنه كان هرميّ البنية، حيث يوجد فقراء وأناس بسطاء أكثر من المثقفين والأغنياء، وثانياً بأن بعض التوافق قد وجد بين تقنية الأسلوب وبين المستوى الإجتماعي الذي ملكه أو استخدمه. لكن حتى هذا الإفتراض الثاني لمختلف عليه، حيث أن ملكية شيء ثمين كانت عندها وما تزال ليومنا هذا في بعض الأحيان حكراً على الفقراء. إن الفكرة هنا هي أن الإستغلال الفعال للحفظ العرضي لعدد كبير من المواد الفنية الفاطمية التي وجدت يتطلب تحديد وتقييم متغيرين: القيمة الإجتماعية للأسلوب المستخدم وتخيلنا عن التذوق الفني للمجموعة الإجتماعية. وبما أن كلا المتغيرين لم يدرس فإنه يمكننا فقط أن نصيغ الفرضية بأنه تحت الحكم الفاطمي استطاعت شرائح واسعة من المجتمع أن تعبر عن بعض من ذوقها أوحاجاتها المرئية أو متطلباتها الجمالية أكثر من أي وقت مضى أو في أي مكان آخر من العالم الإسلامي. وبالتالي لمن المؤسف أن القليل من الصروح المتبقية مؤرخة أو قابلة للتأريخ، لأننا لا نستطيع أن نوضح فيما لو كان توسيع القاعدة الإجتماعية للصيغ المتنوعة عملية بطيئة، أو كان قراراً مدروساً، أو كما وضحت في مقالة سابقة، نتيجة للسرقات في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي.
الميزة الثالثة للتمثيلات الفنية الفاطمية هو نمطها وقد نوقش هذا مراراً. لقد جذب جانبان للنمط الفني الإنتباه بشكل خاص. الأول مصدرها. لقد بُرهن بشكل كبير على وجود عناصر عباسية عراقية، وطرق مصرية شعبية، وذكريات إغريقية ومصرية قديمة، وأدوات فنية بيزنطية هامة. يمكن توضيح كل هذه المصادر بسهولة، فالعراق في القرن التاسع الميلادي كان مركزاً للعالم الإسلامي وكانت أنماطه الفنية قد تغلغلت في مصر حتى قبل الفاطميين بقرن من الزمن، كذلك فقد رعى الحكم الفاطمي بشكل مؤكد الإدراك الذاتي المحلي، إضافة لذلك فقد أدى نمو مصر لإعادة الإكتشاف العرضي أو المقصود للصروح السابقة للبلاد، ولقد كانت بيزنطة المقدونية من أكثر منافسي الفاطميين قوة في ذلك العصر وكانت بمثابة نموذج يستفاد منه إضافة لكونها شريكاً تجارياً للخلفاء في القاهرة. مما يثير الإستغراب غياب التأثيرات الإسلامية الغربية أو المتوسطية الغربية في التمثيلات الفنية الفاطمية رغم ظهورها الواضح في فن العمارة. إن هذا الغياب الظاهر ربما غير حقيقي لأنه يظهر لنا في حالتين محدودتين وجود علاقة بين الفاطميين والغرب المسلم. إحداهما هو حول المنحوتات العاجية حيث من الممكن أن اللويحات الفاطمية، كالموجودة في متحف برلين، أن تكون قد أخذت أبعادها الثلاثية ورونقها الأثري الخادع من المنحوتات العاجية في قرطبة في القرن العاشر للميلاد. المثال الآخر هو الأعمال الفنية المعدنية ـــ حيث من شبه المستحيل التفريق بين الأعمال الفاطمية وبين تلك في الغرب الإسلامي. إن تفسير ذلك أنه يعود ببساطة للقواسم المشتركة بين المركزين المتوسطيين، أو على أنه يعود لتأثير أحدهما على الآخر، لايزال مثار جدل. الفكرة هنا هي بتنوع مصادر الفن التقديمي الفاطمي. وقد يعكس هذا ببساطة نشوء مركز غني وراع للعلماء يأتيه المميزون والحرفيون بأنفسهم أو بدعوة من أجل العمل والنجاح. قد يعني هذا أيضاً أن التراث الفاطمي لم يطور نمطاً فنياً واحداً له وإنما قد بنى بشكل عفوي وتلقائي، أو مقصود ومدروس، تراثات تطورت في أماكن أخرى.
إن صعوبة التعريف نفسها تظهر للهوية والصيغة وهما الجانب الآخر المتكرر النقاش للنمط الفني الفاطمي. لقد نوقش بأن هنالك نوعين من التمثيلات الفنية. الأول أنماط زخرفية ثنائية البعد تخرج عن الواقع المادي. الآخر أكثر خصوصية، فسواء سمي واقعياً أو خيالياً أو مكانياً فإنه يستخدم أساليب تمثيلية قريبة إلى حد كبير من الأصل التقليدي والذي يشير إلى الحيز والحجم. يمكن بسهولة أن نربط هذا النمط الثاني، وكما حدث مراراً من قبل، بالعديد من النصوص المحفوظة التي تشرح المذهب الطبيعي في أعمال الرسامين الفاطميين. وفيما لوكانت هذه النصوص تعكس واقعاً حقيقاً للكليشات الأدبية فإنه لمن المقبول أن نفترض أن الفن الخيالي لبعض اللوحات يعود للنزعة الحقيقة تجاه صيغ طبيعية أكثر مما كان موجوداً من قبل.
إن تحديد الأهمية التاريخية لهذه الأنماط والأساليب الفنية أصعب بكثير من تعريفها أو شرحها. إذا كان من الصحيح نسبها للقرن الفاطمي الثاني بدلاً من الأول فإنه لمن الجائز عندها أن نراها سباقة للواقعية والتي تظهر لاحقاً في الجزء التالي من القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر للميلاد وخاصة الفن العربي في منطقة الهلال الخصيب. ولكن إذا كانت حقاً سباقة فإنها ليست بنيوية بشكل رسمي. فهي التي تحدد طريقة التعاطي مع التمثيل الفني بدلاً من أسلوب التمثيل الفني. يتبين لنا أنه تحت الحكم الفاطمي يبدو أننا نكتشف للمرة الأولى ضمن تراث العصر الإسلامي الوسيط الإهتمام بالواقع المادي للعالم المحيط. يجب أن يبقى هذا الحكم موضع مراجعة لأنه من الممكن أن ما يبدو اليوم نوعاً من الواقعية لم يكن إلا تأثيراً للصيغ الإغريقية ذات المزايا الخيالية على مصر الفاطمية. هنالك أيضاً مزايا أخرى يمكن إعتبار الأسلوب الفني الفاطمي سباقاُ بها. مثل التغييرات التي حصلت على الفن الإيراني في القرن الثاني عشر ميلادي ولكن قبل قرن من ذلك جمعت التمثيلات الفنية الفاطمية تنوعاً غير إعتيادي من المصادر الفنية بطيف واسع من النوعية والتأثير. رغم أنه ناقش البعض بأن الحرفيين الفاطميين كانوا قد هاجروا إلى إيران بعد سقوط السلالة الحاكمة إلا أن تأثيرهم، فيما لو كان لهم تأثير بالأساس، كان ربما محدوداً ببعض الأساليب التقنية مثل أعمال السيراميك ومن الصعب شمول الصيغ الفنية نفسها بهذا التأثير. نذكر مرة أخرى أن الظاهرة الفاطمية ترتبط هيلكياً وليس رسمياً بالمرحلة الإيرانية اللاحقة.
إذا انتقلنا في الموضوع للفن الفاطمي فإننا نصل لنتيجة مشابهة. فالفن الملكي الصرف غير معروف سوى من خلال النصوص. يمكن أن نستنتج من وصف ناصر خسرو للّوحات في قاعة العرش واللائحة الطويلة للأشياء التي وجدت في كنوزهم، بأن التحف والأمور الكثيرة الباهظة الثمن مثل حدائق الذهب والفضة لم تكن ذات أصالة أوطابع إيديولوجي عظيم. مال فن الأمراء المسلمين للتأكيد على نفس المواضيع، وعلى حد علمي لا يوجد أي دليل يظهر أن الفاطميين قد حاولوا إدخال رموز للسلالة الحاكمة أو رموز دينية أو شخصية في فنهم. غير أن بعضاً من الأمراء المسلمين قد فعل ذلك.
تختلف الأمور كثيراً عندما ننتقل للمستويات الإجتماعية الأخرى. حيث أن المواضيع المتنوعة التي وجدت في اللوحات والأعمال الخشبية والعاج أو السيراميك الفاطمي هي قيد البحث من قبل العديد من العلماء، وسأقتصر على بضع الملاحظات العامة وربما الصحيحة لفترة مؤقتة فقط. توجد أمثلة من الرسوم التوضيحية عن القصص الأدبية والأحداث الشائعة والمواضيع المثيرة والرموز الفلكية وأنشطة الأمراء والحيوانات، وربما حتى الرموز الدينية المسيحية. هذه المجموعة مماثلة للظاهرة الإيرانية في القرن التالي، ولكن في الأنماط فقط، فمن الصعب أن تقترح علاقة مباشرة ممتدة من مصر إلى إيران. ربما هنالك تفسير واحد صحيح لكلا المجالين هو جوهرياً التفسير الإجتماعي. كان نمو البرجوازيات القوية، كما هو واضح في بحث البروفيسور غوتين، قد خلق رعاية أكثر تنوعاً مما كانت عليه من قبل وهذه الرعاية تسعى إلى التعبير عن العديد من الإحتياجات الإجتماعية والشخصية والعرقية والأدبية والطائفية، أو غيرها أكثر من الرعاية الثابتة تماماً من الأمراء. تفسير آخر هو أن مصر أصبحت، قبل إيران، على مفترق طرق من الإتصالات الدولية، وإن مثال الثقافات الغنية بالصور مثل الهند أو العالم المسيحي أدت إلى تطور التمثيلات الفنية الإسلامية، في الوقت الذي لم تعد توجد فيه المبررات التاريخية للمنع الصارم للصور في هذه التمثيلات.
قبل محاولة إنهاء هذا المقال عن فن الفاطميين، يجب هنا ذكر نقطتين إضافيتين. أحدها يتعلق بالتقنيات الحرفية. ودون الخوض في أطراف مشكلة الأسبقية المصرية أوالعراقية في تطوير السيراميك المزخرف، فإن الفاطميين هم أول من قولب هذه التقنية الإسلامية الفاخرة والفريدة لتغدو وسيلة للعديد من المواضيع والأساليب الفنية الغير إعتيادية. المشكلة الأكثر تعقيداً هي مع صخر الكريستال ومشتقه المعروف، والمسمى بزجاج هيدويغ. إذ أنه بسبب مجموعة صغيرة من المواد الكريستالية الرائعة في المرحلة الباكرة من تاريخ الفاطميين تميل الدراسات بشكل طبيعي جداً لإرجاع معظم الأمثلة المتبقية إلى كنف البلاط الفاطمي أو لتلك التي تحاكي ذوقه. قد يكون هذا صحيحاً، ولكن المصادر الأدبية تشير بوضوح إلى أن صخور الكريستال قد صنعت للعديد من البلاطات وربما يكون من المناسب النظر إلى هذا الفن على أنه عموماً فن ملكي مع وجود أمثلة مصرية متفرقة محفوظة بالصدفة. وثمة صعوبة مماثلة في تحديد أصل الفنون في مجال المنسوجات. تتوفرمعلومات نصية كثيرة وقوائم طويلة من الحرائر المزينة بشكل متقن استخدمت في البلاط الفاطمي، خزنت بين كنوزه. لكن في هذه المرحلة من البحث من غير الممكن تحديد هذه المنسوجات من بين المئات المتبقية منها، وما هو أكثر أهمية، أن هناك بعض الشك فيما إذا كانت الفنون الفاخرة الرئيسية مرتبطة بمراكز معينة للتصنيع أو كانت متاحة في كل بلاط هام.
إن لهذه الملاحظات على تقنيات الفن الفاطمي نتيجة مباشرة هامة لأغراضنا. إنه لمن شبه المستحيل تحديد أصالة التقنيات الفنية الفاطمية. وربما لم توجد تلك أصلاً. حيث كان العالم الإسلامي في القرن الحادي عشر الميلادي قد طور في أماكن مختلفة ولأسباب شتى الوسائل الرئيسية لتعابيره الفنية.وفي هذا الصدد، فإن الفن الفاطمي وجد في نهاية فترة من النمو الفني.وسيكون القرن الثاني عشر مع مراكزه الجديدة في إيران والعراق والأناضول مختلفاً تماماً.
تركز النقطة الأخيرة على فن الزخرفة الفاطمي. إنه لمن شبه المستحيل التعميم في هذا الموضوع المدروس بشكل غير كافٍ. تبدو الغرابة الأكبر في ابتعاد فن الزخرفة عند الفاطميين عن التجريد الكامل المعروف في العراق والمتأثر بالتصاميم الطولونية التي تفضل الأنماط النباتية الفاخرة أو أحياناً الطبيعية، حتى ولو كانت مجزأة، والحيوانات، قبل أن يتأثر في القرن الثاني عشر مثل بقية العالم الإسلامي، بسحر الأشكال الهندسية المعقدة تميزت الفترة الفاطمية الوسطى بالزخارف الحيوية والمتألقة.
تقود الملاحظات السابقة رغم جزئيتها وعدم إكتمالها إلى استنتاجات عن الفن الفاطمي في ثلاثة مستويات مختلفة. أولها هو محلي بشكل أساسي. رغم أن الإرتباطات الفاطمية مع شمال أفريقيا، و بشكل أعم الغرب الإسلامي، تصبح أقوى وأكثر إثارة للإهتمام مع كل تنقيب جديد في تونس أو بحث في الفن المغربي؛ إلا أن الأثر الأكثر استمراراً للفاطميين كان في مصر التي تم تغيير طابعها الإجتماعي والإقتصادي والبيئي كلياً من قبل الفاطميين. وهذا لا يعني أن التعايش المنفتح والغير مألوف بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية، والذي كان مميزاً لمعظم العهود الفاطمية، قد استمر على مدى القرون اللاحقة. لقد كرس هذا النظام التجاري المنفتح نسبياً تحت رعاية السلالة الملتزمة روحياً انتصار الذوق الإسلامي في مصر. ومهما كنا نعرف الكثير عن ’’الأشياء‘‘ التي يملكها اليهود، فإنه يبدو أنها لا تمتلك ميزات يهودية حصراً، وحتى لو كان هذا موضوع نقاش إلا أن فن مصر المسيحية تحت حكم الفاطميين - والذي كان يطلق عليه بشكل خاطئ الفن القبطي- قد أصبح يمثل الفن الشعبي. ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى العصر الفاطمي كتتويج لعملية طويلة، حكم فيها الطولونيون نصف قرن كقادة رئيسيين. ولكن اعتمد الفن الطولوني إلى حد كبير على نماذج عراقية. لم تقترض الفترة الفاطمية من أماكن أخرى فقط ولكن أيضاً اكتشفت مصادر محلية، كالإغريقية أو الزخارف المصرية القديمة التي عادت إلى الظهور.ولكن حتى على المستوى المحلي، لا يمكن أن ينظر إليه كمجرد نهاية للتراث؛ لأن إنشاء مدينة القاهرة والفنون الحرفية، فضلاً عن الإزدهار التجاري للبلد كله، كانت أسساً مادية لقرونمن التاريخ المصري. جُعل هذا ممكناً من خلال الموهبة الإسلامية الإمبراطورية العالمية عند الفاطميين .أسس المسلمون الأوائل من عباسيين وطولونيين مؤسسات جديدة في المناطق الحضرية في جزء ملائم من وادي النيل، ولكن طموح الخلافاء الفاطميين هو الذي حول مدينتهم الملكية الخاصة إلى الحاضرة التي نعرفها اليوم بمدينة القاهرة.
للمستوى الثاني من الفن الفاطمي، والذي يمكن أن يسمى المستوى المتوسطي، أهمية كبيرة في ذلك العصر لكن ذلك ربما أصبح أقل أهمية لدى التطورات اللاحقة. فمن النماذج البيزنطية في المظاهر والإحتفالات وحتى فن الرسم ذو الإلهام الفاطمي في صقلية النورماندية أو الأبنية ذا الطابع المعماري الرومنسي، يشكل ’’الإتصال‘‘ المتوسطي جانباً مستمراً من الفن الفاطمي، تماماً كما دعي مجتمعه بالمتوسطي. يعود هذا بالطبع، في جزء منه على الأقل، للنتائج العملية للتجارة المصرية والتحرر الطائفي عند الفاطميين.ولكن مما يثير الغرابة درجة الوعي تجاه المواضيع المتوسطية والتي تتخلل الكتب مثل كتاب التذاكر أو وصف المقريزي للكنوز الإمبراطورية. لقد أوصل سفراء بيزنطية أفكاراً رئيسية بتقديمهم هدايا فاخرة إلى البلاط في القاهرة، وبالمقابل يوجد القليل من أعظم روائع الفن الفاطمي الآن في البندقية والتي كانت قد جاءت من بيزنطة. في المقابل فهناك ضحالة مثيرة للإستغراب في مواضيع الشرق المسلم. من الصعب أن نجزم فيما إذا كان هذا الذوق المتوسطي للفاطميين خياراً واعياً أم أنه عكس ببساطة الفشل السياسي في الشرق. لقد غيرت الحروب الصليبية والإنتصار النهائي للإسلام الشرقي طابع الذوق المصري، رغم أن آثاراً من الإتجاهات المبكرة قد ظهرت من حين لآخر في فن العمارة المملوكي.
وأخيرا يوجد مستوى إسلامي، أو أسلمي كما يصفه مارشال هودجسون، من الفن الفاطمي. إنه الفن الأكثر سحراً وإثارة للدهشة على الإطلاق. وكما حاولت أن أوضح من قبل، فإن الفن الفاطمي هو فن تقليدي في نواحي كثيرة ومن الصعب القول بأنه ابتكاري فيما يخص التقنيات، أنواع المواد، أو الوظائف المعمارية. ومع ذلك فإن إبداعاته- بما يشمل المقرنصات، والأضرحة، والفن التمثيلي- هي تقريبا دائماً الأسبق للتغيرات العظيمة التي طرأت على معظم أجزاء العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر. يمكن للمرء أن يقول، كما قيل بالنسبة للأضرحة، بأن الإبداعات الفاطمية قد تم اقتباسها من قبل العالم السني المسيطر وتم تحويلها إلى آليات لأفكارهم ورؤيتهم. وحيث أن أغلبية هذه الإبداعات لم يكن ابتكاراً فاطمياً حقيقياً بل تطويراً لنماذج صغيرة من الفن الأسبق في القرن العاشر الميلادي، يمكن للمرء أن يناقش بأن هذه الإبداعات كانت من البداية تعابير عن الذوق الشيعي، وهي نقطة يمكن إثباتها بإجراء مقارنة بين الفاطميين والبويهيين. بيد أنه، بالموازنة، أظن أنه لمن الخطأ تفسير الفن الفاطمي من منطلق طائفي. إن تفسيراً لأصالتهم أكثر اقناعاً يمكن أن يستند إلى نشوء مجتمع تجاري ذو طموحات إمبراطورية تحت حكمهم ويمتاز بثقافة الثقة بالنفس. كانت الأشكال والتقنيات المبتكرة على مدى القرون السابقة كافية لأهدافهم ولم يعد هناك حاجة لضبط أو تحجيم المدى اللانهائي من التعبيرات الفنية الفردية. كان الفن الفاطمي ذروة للماضي ورائداً للتطورات المستقبلية، لأن الثقافة الفاطمية كانت مبدعة في أرض إسلامية جديدة متطورة لكن شرعيتها تعود للماضي.