ي السنوات الأخيرة جرى بحث هام حول أدب الإسماعيليين في جنوب آسية. بالإضافة إلى ذلك، يوجد بحث ما عن المحاكاة بين الأدب الإسماعيلي وممارسات جماعات معينة أخرى، وبخاصة في غرب الهند.
1 برغم أن هذا البحث أثمر نتائج بعواقب هامة، ما يزال على هوامش تاريخ أديان وأدب جنوب آسية. وقد تكون هذه مناسبة ملائمة لتقييم مضامين هذا البحث من وجهة نظر تاريخية وإدراج بعض القضايا التي يمكن أن يوضحها مزيد من البحث.
كيف يمكن وضع الجنان في تاريخ أوسع للأدب الديني في جنوب آسية؟ برغم أن المخطوطات الأكثر قدماً للجنان أُرخت منذ القرن الثامن عشر، فإنها تشير بوضوح إلى أحداث وتقاليد من تاريخ أقدم.
2 عندها ماذا يمكن أن تطلعنا هذه المؤلفات عن الأحوال الدينية للعصر الوسيط ؟ كيف درست مؤلفات الجنان والساتبنثي(إمام شاهية) في الحاضر وهل يمكن طرح مقاربات بديلة؟ برغم أنه لا يمكن الإجابة على هذه الأسئلة بموثوقية حالياً. وسيبذل جهد ما لضبط السياق من أجل بحث أعمق.
لمحة عن التطورات الدينية في جنوب آسية في العصر الوسيط عاش المسلمون في الساحل الغربي للهند وتفاعلوا مع الجماعات المحلية منذ القرون الأولى للتاريخ المسلم. هذا التاريخ الطويل من الارتباط بين المسلمين والجماعات المحلية جعلهم منغمسين عن قرب بتحول ونشوء سياسات ومجتمعات محلية. منذ القرن التاسع، كان الدعاة الإسماعيليين نشيطين في السند ومن أواخر القرن الحادي عشر فصاعداً يقوم دليل على أن الإسماعيليين أسسوا مناطق نفوذ صغيرة شملت شمال الهند بأكمله. في غضون ذلك، تحول المشهد السياسي. لقد أزاحت سلطنة دلهي الزعماء المحليين (1297-1526م) والتي أرسلت جيوشاً إلى معظم أنحاء شبه القارة الهندية. فقد هزم معظم الحكام المحليون وحل محلهم حكاماً من دلهي- كما في كجرات- فيما احتفظ شيوخ القبائل الآخرين بمراكزهم مقابل دفع إتاوة. هاجر شيوخ العشائر إلى كوجرات والسند وراجستان، واستقروا هناك وحرروا أقاليم جديدة وأسسوا إمارات جديدة. مع مضي الزمن اجتمع العديد من هذه الإمارات في شبكة واسعة من العشائر الذين تزاوجوا فيما بينهم وأسسوا نظاماً هرمياً متسلسل الرتب فيما بينهم- أطلق عليه راجبوتس. أما العشائر الأخرى، فقد حققت نجاحاً عسكرياً أقل أو اندمجوا عبر الفتح واندمجوا في نظام تراتبي راجبوت وشغلوا مناصب بمراتب أدنى.
حينئذ كانت البوذية تتراجع في شمال الهند كلها، بما فيه السند. في جنوب السند، طبقات من البوذيين العاديين في المدن تحولت إلى الإسلام السنّي.
3 في شمال وغرب الهند، اتسم توسع الترتيبات الهندوسية في العصر الوسيط مثل إدارة غورجارا برتيهاراس والراشتراكوتاس وفيما بعد كولوكياس إلى مناطق جديدة ببناء المعابد. وثمة مظهر آخر للتدين في ذلك العصر هو انتشار طرق الزهد الهندوسي بما فيها ناثس وجوغيز اللتان تبرزان دائماً في التقاليد الإسماعيلية والصوفية المبكرة. منذ القرن الخامس عشر بدأت أشكال شعبية من الفشنية تنتشر في شمال وغرب الهند وفي مواقع مرتبطة تقليديا بكريشنا اندمجت في رحلات حج مشترك.
4على طول الساحل الغربي لم يكن دخول الإسلام عبر الفتح ولا المجاهدين الصوفيين كما هو الحال في شمال الهند والبنغال. وقد تم تحول الدفعة الأولى إلى الإسلام من خلال الإقناع والشرح الواسع دون التخلي عن الأعراف المعتادة. ثمة دليل بأن الدعاة المسلمون السنّة حققوا بعض النجاح في غرب الهند. مع حلول القرن الثالث عشر، وبعيداً عن مستعمرات التجار المسلمين في المدن الساحلية، يوجد أيضاً مستوطنات في أماكن مثل باتان وبهاروش وجنغاذ.
5 وطبقاً لنقش فيروال المؤرخ عام 1264شملت الجماعات المسلمة المحلية مستخرجي الزيت والمكلسين وفئات عمل أخرى.
6فيما كان التجار المسلمون يستقرون على الشاطئ الغربي للهند منذ القرن الثامن، كانت التقاليد المحلية التي أدرجت فيما بعد في الهندوسية تمر بمرحلة تعديل جوهرية وتتوسع إلى مناطق جديدة. بينما كانت طوائف وفرق دينية عديدة تتحول إلى البراهمانية التي ترعاها الدولة، كان الآخرون يتطورون ويهاجرون. وحالما استقرت عشائر رعوية وجدوا موارد جديدة وأدمجوا بالنظام العسكري وشغلوا وظائف، أصبحوا جزءاً من طبقة فلاحين مسلحة عابرة للإقليم مع أبطالهم المقدسين وآلهتهم وأمهاتها.
7تاريخ الإسماعيليين في شمال وغرب الهندومن الواضح جداً أن الدعاة الإسماعيليين كانوا مؤثرين في العديد من أنحاء شمال وشمال غرب الهند في الفترة المبكرة جداً من تاريخ الإسماعيلية. لقد وُجِد اسماعيليون في السند منذ أواخر القرن التاسع حيث تأسست في ملتان قاعدة سياسية خارج حدود الخلافة الفاطمية.
8 دامت الإمارة الفاطمية أقل من 50 سنة وقوضها الحاكم الغزنوي السنّي محمود في عام 1005م، لكن عدد قليل من السكان الإسماعيلين استمروا يعيشون في إقليم السند-ملتان. بعد ذلك، بقيت الدعوة موجودة في ملتان وقامت ثورات إسماعيلية ضد الحاكم الغزنوي عام 1041م ومن ثم ضد الغوريين عام 1175م.
برغم أن هناك شك حول أي الجماعات التي تحولت إلى الإسماعيلية أولاً، من المحتمل أن هذه الجماعات شملت جماعات الرعاة والفلاحين من الريف في السند الأعلى، وربما تشمل فروع من الجاتس والسومراس.
9 على كل حال هذه الفترة من النفوذ لما قبل الإسماعيلية النزارية في السند لا تبدو ذات صلة بالجنان أو يستذكرها الجنان بوضوح.
أسس الدعاة من الإسماعيليين الصليحيين اليمنيين في عهد الإمام-الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (توفي 1094م) المرحلة التالية من الدعوة الإسماعيلية في كجرات. وطبقاً لرواية من التقليد الإسماعيلي المستعلي، وصل الداعي عبد الله إلى كجرات وشق طريقه إلى العاصمة حيث استمال أخيراً الحاكم المحلي. بعد الإنقسام النزاري المستعلي عام1094م، دخلت الدعوة الإسماعيلية الجديدة إلى السند وأصبحت التقليد السائد، بمركزها الأساسي في أوتش، جنوب ملتان. استهدفت الدعوة هذه المرة جماعات التجار وبعض جماعة لوهانا وحولتها إلى الإسماعيلية.
بدأ الدعاة] الآن السفر إلى أنحاء أخرى من شمال الهند والمواقع الرئيسية وكانت من أماكن استيطان ونشاط الإسماعيليين هي كجرات وكوتش وراجاستان. وكان الدروز نشطين في السند أيضاً.
10 ظهرت مستعمرات صغيرة مستقرة من التجار الإسماعيليين في الموانئ التجارية على طول الساحل. فقد بنى التجار الإسماعيليون، المتصلون مع اليمن الفاطمية في آواخر القرن الثاني عشر الأبنية المسلمة الأكثر قدماً في الهند في بهادريشفار في كاتش.
11 برغم أنه لا يوجد دليل أن هذه المستعمرة امتدت إلى الداخل أو كان لها صلات مع الجماعات الإسماعيلية الأخرى في شبه القارة الهندية، يمكن استنتاج أثر الدعاة في الداخل من شاهدة قبر لابن داعي اسماعيلي من القرن الثاني عشر في ناغور راجاستان.
12 منذ ذلك التاريخ تقريباً يعتقد بأن الدعاة ابتداءً من ساتغور نور. كانوا نشيطين في شمال الهند سافر بير شمس إلى السند والبنجاب ويعتقد أيضاً بأنه نقل الدعوة إلى كشمير والبنغال.
13 وبالتالي ومن أواخر القرن التاسع الميلادي لدينا صورة للدعاة الإسماعيليين يتجولون في شمال وغرب الهند. ومع حلول عام 1500م وجدت جيوب التأثير الإسماعيلي في كل أنحاء شمال الهند وبخاصة في السند وجنوب البنجاب وراجاسثان وكجرات.
في الفترة المبكرة، يبدو أن الإسماعيليين في غرب الهند تكونوا من المستوطنين ذوي الأصول العربية أوالتجار الفرس بالإضافة إلى المتحولين مجدداَ إلى الإسماعيلية من جماعات الرعاة والمزارعين أو التجار المحليين. وربما شمل هؤلاء الرعاة والفلاحون والمزارعون المعدون عسكريا ًمن شمال- غرب الهند، الذين أصبح بعضهم جزءاً من نظام راجبوت الهرمي الناشئ.
14 الروايات المبكرة للدعوة الإسماعيلية تشمل تقارير تتحدث عن مواجهة الدعاة لخصوم أشداء على هيئة رهبان وشيوخ صوفيين. تتحدث معظم الروايات عن انتصار الدعاة الإسماعيليين وابتعاد خصومهم أو قبولهم الدعوة الإسماعيلية. بعد سقوط آلموت بيد المغول عام 1256م، جاء المزيد من الدعاة النزاريين إلى السند وكجرات وعلى الأخص أوكش حيث أصبحت مركزاً هاماً. بينما عمل الدعاة النزاريون بين جماعات الفلاحين والرعاة، يبدو أن التأثير الإسماعيلي المستعلي اقتصر على جماعات التجار الذين أطلق عليهم البهرة أو فهراس. بالرغم مما يبدو أنه لم يكن ]للمستعليين تأثير واسع، فهذا لم يبحث بعد بحثاً منظماً.
لم يكتسب الإسماعيليون سلطة سياسية دائمة في جنوب آسية (فيما عدا القاعدة الأمامية الفاطمية القصيرة الأجل في ملتان في القرن العاشر) لكن تاريخهم في المنطقة مرتبط بتعقيد التغيرات الدينية والسياسية. توجب على الإسماعيليين المنافسة مع الجماعات الأخرى النشطة في هذه الفترة على الموارد. كان الدعاة مجبرين على معرفة الأنظمة الهرمية في المجتمع الذي يواجهونه، وبناء على ذلك توجهوا نحو جماعات الرعاة القوية، ذات الميزة العسكرية والتي فرضت تحدياً عسكرياً للبلدات ومراكز القوة. تتحدث روايات الدعوة المبكرة عن العديد من الأمثلة التي تصف تحول حكام محليين وحاشيتهم وزوجاتهم إلى الإسماعيلية.
15 الرواية النزارية لتحول ملك كولوكيا الكجراتي، سيدذاراجا (حكم ما بين 1094-1143م) هو مثال جيد عن هذا النوع من التحول. هنا يقال بأن ساتغور نور جعل الصنم في المعبد الملكي يبدو راقصاً بناءً على أمر منه مما أدى بالكاهن أن يستسلم للداعي نور. بعد ذلك جرت مواجهة مع الساحر المشعوذ الخاص بالملك جوغي أو الراهب الشيفي. وبعد أن شهد الملك والملكة العديد من المعجزات قبلا العقيدة الجديدة.
16 تشير الرواية إلى ألفة الدعاة مع بنية السلطة الكولوكية، معترفين بالكاهن بصفته راعياً لمعبد الأصنام والجوغي بصفته مستشاراً للحاكم.
17الفترة التكوينية للأنشطة النزارية في جنوب آسية الممتدة من القرن12وحتى القرن 15 نادراً ما كانت تؤرخ في سجلات تاريخية غير الإسماعيلية. فيما عدا بعض الاستثناءات فالروايات المدونة في الجنان هي تقريباً المصدر الوحيد للمعلومات عن تلك الفترة. يعود ذلك إلى تقليد التقية الخاص بالإسماعيليين أو (الستر من أجل الحماية) وجزئياً لأن معظم الروايات التاريخية عن مسلمي الهند كتبها مؤلفون سنّة. مع ذلك، إن المصادرالمتناثرة والمشفرة لدى الإسماعيليين يمكن جمعها ومقارنتها وتحليلها للحصول على صورة أوضح لأنشطة الدعوة ومعتنقيها.
في تاريخ سلاطين دلهي السنّة، هناك إشارات متناثرة لجماعات وصفت "بالباطنية" و القرمطية[/url] وإيبهاتي وهلم جرا، ومن المحتمل بأن بعضها أشار إلى الإسماعيليين.
18 كذلك ظهرت صفات لجماعات ثورية في كاتش والسند في المدونات التاريخية لسلاطين كجرات في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.محمود بيغادا (حكم من 1458-1511م، سلطان كجرات الأكثر شهرة شنّ حملة ضد شيوخ عشائر المنطقة عام 1472 وأجبرهم على التسليم له. وكان من بين أولئك الشيوخ رؤوساء السومراس والبلوشيين والسودهاس وُصِمُوا بشكل جماعي ً بأنهم الإيبهاتيس، تسمية ملطفة شائعة للإسماعيليين.
19 وشملت أوامره لهم التوقف عن الزواج والعلاقات الأخرى مع الهندوس وأن يمارسوا تعاليم الإسلام السنّي الصحيحة.
20 وطبقاً للمؤرخين الرسميين،خاض السلطان المحمود وسلاطين كجرات الآخرون موقفاً متشدداً ضد المتمردين والمنشقين، بغض النظر عن إيمانهم الديني. مع ذلك يؤكد التقليد الإسماعيلي أن محمود هذا منح الداعي الإسماعيلي إمام شاه أرضاً قرب العاصمة أحمد آباد. ومع نهاية القرن الخامس عشر، كان التأثير الإسماعيلي في تراجع جزئياً بسبب أعمال السلاطين والجماعات الصوفية المحلية.
برغم أن الجنان هو واقعياً المصدر الوحيد للمعلومات عن أعمال الدعوة في هذه الفترة، من الواضح أنها كانت زمناً تحقق فيه نجاحاً هاماً. ذلك يدعمه السجل الحديث لمعلومات جديدة عن الدعوة ومواليها من مؤلفات وتقاليد جماعات الرعاة والحرفية مثل بيشنيز وميغفال وإيهرز وهلم جرا. وتعزز الكثير من هذه المؤلفات موضوعات الجنان وتظهر أن التأثير الإسماعيلي شمل دوائر أوسع بكثير مما اعتقد سابقاً. وتشير إلى أن طوائف الرامديف والجامبها وإيماتا وشخصيات بارزة أخرى من هذا النوع التي تبدو بأنها تجليات لأولياء وقديسين ضمن الهندوسية الشعبية كانت سابقاً جزءاً من الدعوة النزارية الأوسع في شبه القارة الهندية (سميت أحياناً ساتبنت) وما تزال ذات صلة من خلال مشاركة مؤلفاتها، وممارساتها وشبكات طرق الحج (الزيارة).
21 اعتقدت بعض هذه الجماعات بأنه من المناسب إخفاء روابطها بالإسماعيلية، لكن كشفها فيما بعد علماء الانثروبولوجيا. بما أن هذه الأضرحة والمؤلفات لا يمكن عادة اعتماد تواريخها، لكن دراسة مقارنة ودقيقة ستكشف عن أنماط ونزعات. مع ذلك تبقى أسئلة . إلى أي حد كانت الجماعات المتأثرة بالإسماعيلية متصلة ببعضها؟ كيف حافظ الدعاة فردياً على اتصالهم مع السلطة النزارية المركزية؟ ما طبيعة إتصال الدعوة المركزية مع المعتقدات بالأبطال والقديسين؟
لقد أُقصيت جماعات من هذا النوع خصوصاً تلك التي تظهر علامات تجمع بين الأديان والمذاهب والمعتقدات باعتبارها هامشية بالنسبة لتاريخ الهوية الدينية في جنوب آسية. وينظر إليها على أنها تفتقر للأهمية في تاريخ كل من الهندوسية والإسلام.
22 على كل حال، أصبح من الواضح الآن أن جماعات من هذا النوع كانت أكثر أهمية مما اعتقد سابقاً وتمتعت أيضاً بولاءٍ لا ديني واسع الانتشار في جنوب آسية. فضلاً عن ذلك، كان التمذهب الطائفي في العصر الوسيط يخضع لعمليات تشكيل النظام الإجتماعي الهندوسي والدولة في غرب الهند. .وقد ذكرت أمثلة توضيحية وإشارات عديدة لهذه العمليات في مؤلفات الجنان والساتبابنثي.
الجنان والأدب المعاصر الآخرإلى أي مدى كانت الإسماعيلية النزارية في جنوب آسية عادة معروفة في المنطقة بأنها الساتبنثي أو "الطريق" المستقيم والتقليد الموحَد؟ وعرضنا سابقاً بأن البحث عن عمليات مستمرة للتقليد الفاطمي له نقاط ضعفه وأن الساتبانثي (الصراط المستقيم) نشأ من خبرات شبه القارة الهندية بشكل فريد.
23 بينما يبدو من الواضح أن هناك مشابهات رائعة في التنظيم والممارسات وتركيبات الجماعات من تقاليد السابتنية الأوسع، هناك اختلافات هامة.. ويمكن تمييز تيارات متنوعة ضمن التركيبات - بعضها يميل تدريجياً إلى الصوفية، وتيارات أخرى تحمل رسائل سياسية أكثر، وأخرى ذات طابع روائي. وقد يعود هذا التنوع إلى تدوين جوانب مختلفة أو ملاحم من التقليد الساتبنثي، باعتبار أن التواريخ تؤثر فيها الظروف المحلية. كذلك عدّلت لتناسب حاجات وظروف الجماعة التي تستخدمها.
24 تميل هذه المؤلفات إلى أن تتأثر بالخيارات الدينية التي تبنتها الجماعة، غالباً بسبب الحاجة إلى استيعاب ممارسات الجماعة المهيمنة في المنطقة. وقد ترتبط الناحية العملية للجماعات الناقلة بنوع المؤلفات التي يفضلونها. وقد يكون من المفيد أن تقارن المؤلفات التي يفضلها التجار
الخوجا المسيطرون مع تلك المؤلفات التي تفضلها الجماعات الناقلة الأخرى التي أنتجت أدباً مختلفاً. وهكذا يحتاج الجنان ومؤلفات السابتنثي القريبة منه أن تدرس على ضوء جميع هذه العوامل.
مع ذلك لا يمكن تجاهل أطر مقارنة أخرى. يجب بذل جهد ما هنا لتشكل قائمة ببعض أطر المقارنة التي يدرس من خلالها الجنان ومؤلفات السابتنثي والجهة التي يقصدها بحث أعمق.
1- في الجنان الإسماعيلي أشياء كثيرة مشتركة مع الأدب الديني لجماعات لها روابط تاريخية مع التقليد الأوسع للتقليد السابتنثي بما فيها مهامارجس ونيزاربانثس وبيجمارجس وهلم جرا.
25 كما يوجد ضمن شبكة الجماعات المرتبطة سراً بالتقليد الإسماعيلي أو الساتبنثي، بعض الجماعات التي لها علاقة رسمية من خلال دفع الواجبات الدينية وأداء مستحقات العضوية الأخرى. في جماعات أخرى، عدد قليل من الأفراد مدرك لصلة سابقة أو مستمرة مع الإسماعيليين فيما جزء من عامة الأتباع يزورون الضريح أو يستخدمون المؤلفات الأدبية مع جهل بصلتها بالسابتنثي ، كما هي الحال مع عبادة عقدية بير رامديف.
أما في حالات أخرى، يوجد إدراك وربما استعارة بينة للمؤلفات بين السابتنتي وأتباع الجماعات الأخرى . وهذه ممارسة شائعة في مؤلفات الأدب الديني لماقبل العصر الحديث وبالفعل حتى في مؤلفات العصر الحديث في جنوب آسية. مثلاً لم يكن استخدام المؤلفات المنسوبة إلى الشاعر الولي كبير من العصر الوسيط مقتصراً على أعضاء طائفته بل شمل أيضاً نطاقاً واسعاً من الجماعات الأخرى. كذلك احتوت الكتب المقدسة للسيخ استعارات تخص تقاليد عديدة معروفة. إن تبادلاً من هذا النوع يحتاج على الأقل لتمييز الأهداف والمصطلحات الصوفية المشتركة، لذلك يمكننا أن نلخص بأن الساتبنثي تجميع من نوع ما من التقاليد الأخرى. إن المتابعة على أنساق البحث الحديث، يصبح من الضروري لتوزيع وتصنيف الموضوعات والصيغ اللغوية في أدب السابانتثي ومقارنتها مع مؤلفات أخرى. بينما يشرح هذا بالتأكيد ويحدد الموضوعات الأدبية من الموضوعات الدينية، فإنه يمكن أن يساعد في توضيح الجوانب الأدبية المتبادلة بين التقاليد.
2- يمكن أن يدُرس الجنان أيضاً على ضوء علاقته بالأدب الصوفي في غرب الهند. تاريخياً، إنه من الصعوبة بمكان أن تفصل بين الإسماعيليين والصوفيين لأن الإسماعليين البارزين غالباً مرّوا بصفتهم صوفيين لينجوا من الإضطهاد. من المحتمل أن يكون اسماعيليون شغلوا في مناصب بارزة في بلاطات سلاطين كجرات والدكن. مثلاً شاه طاهر من حاشية حاكم الدكن برهان نظام شاه (حكم من 1508- 1554م)، كان إماماً من سلالة محمد شاه.
26 ومن الجائز جداً أن تشمل مؤلفات صوفية مساهمات من الإسماعيليين. غالباً ما تتضمن مجموعات شعرية أو نثرية صوفية من القرن السابع عشر وما بعده مؤلفات منسوبة لمؤلفين إسماعيليين مثل ساتغور نور ونور محمد شاه.
27 غالباً ما رعى السلاطين في غرب الهند آداب لغاتهم القومية وربما ساهم كتّاب البلاط سواء أكانوا إسماعيليين أو صوفيين، في ظهور أدب بلهجات المسلمين الهنود. بينما معظم الأدب المنسوب إلى البلاط والأدب الصوفي هو باللغة الفارسية، توجد مساهمات هامة في أدب اللغات المحلية لكوجاري والدكن تحمل خصائص لغوية مشابهة للغة المستخدمة في بعض قصائد الجنان. تأثرت الكوجارتية غالباً بالسندي والبنجابي لأن أصل متحدثيها واحد، حيث الكثير منهم من أوكش وملتان وذانيسار ومناطق أخرى حيث كان الإسماعيليون مؤثرين. كما يوجد موضوعات متشابهة لاسيما في موضوعات عقيدة المخلص في الأدب الصوفي التي تنسب عادة إلى تأثير شيعي عفوي. وقد يكون من المفيد مقارنة مؤلفات الجنان والساباتنثي مع المؤلفات الصوفية من حيث المحتوى والخصائص اللغوية.
3- الصلة الثالثة هي علاقة الأدب الساباتنثي مع الممارسات الناشئة للبكتية (دينية) وتقاليد السانت. ظهر أدب الجنان والسابانثيي بجانب تقاليد معينة للبكتية ولهما بعض الخصائص المشتركة. وقد يكون لبعض الناشرين الهامين للبكتية ارتباط سري مع الإسماعيليين، مثلاً قد يكون المستشار شاعر المراثي إيكناذ اسماعيلياً.
28 وأُشير أيضاً إلى أن شخصيات هامة أخرى مثل كبير ورياداس قد يكون لها صلات مع الدعاة الإسماعيليين.
29 وعامل مشترك آخر هو تقليد العبادة الجماعية وتلاوة المدائح الدينية، بهاجانز أو الجنان كما يمكن للمرء أن يتوقع. في كجرات، محا ظهور الفاشنية الدينية من القرن السادس عشر العديد من معالم ممارسة السابتانثي، برغم أن هذه الصلات أوضح في المؤلفات والممارسات التي حفظتها الجماعات الحِرفية. مع ذلك، نحتاج للقيام بالمزيد من البحث عن تكرار التداخلات والتبادلات والصلات بين تقاليد الأدب الديني لما قبل العصر الحديث.
4- يرتبط التقليد الساباتنثي أيضاً بدوائر الملحمة والإرجوزة الموجودة في كل أنحاء غرب ووسط الهند كما في الروايات عن الأبطال مثل رامديف والحجة جيسال.
30 هذا بسبب أن العديد من الجماعات المرتبطة بالسابتبانثي تطلعت إلى مقام الراجبتوس أو مجموعات الجند وبالنتيجة تشبهت بممارسات الراجبوت. إن أحد أشكال الأدب الحربي الأكثر شيوعاً كانت قصة-الإرجوزة التي تبرز صفات الجندي البطل، والتي غالباً ما كان يقرضها ويقولها شعراء ونسّابون محترفون. حكايات من التقليد الشفهي من مجلد ضخم تشمل قصة دورات بابوجي وآها، وبطريقة مشابهة لكن ضمن الساتبانثي وقصص رامديف و، في كجرات، قصة الحجة جيسال وماليناذ وراني روباندي. لقد كان أسلوب الإرجوزة البطولية (الملحمة الشعرية) متكرراً واستخدم في القرون اللاحقة من أجل العديد من الأبطال العسكريين وماتزال مستمرة في الاستخدام.
ظهر تقليد الأرجوزة في فترة حين كانت هوية راجبوت أقل ثباتاً وكان يمكن للجماعات التي حققت نجاحاً عسكرياً أو زواجاً مناسباً أو تحالفات عسكرية الحصول عليها.
31 مع تعزيز الراجبوت منذ القرن السادس عشر، من الممكن أنه حدث تراجع في تأثير الإسماعيليين بين الفرق الراجبوتية. بينما الجماعات الإسماعيلية او الساتبانثي استمرت فعالة، وحققت نجاحاً أكبر بين الجماعات المهمشة مقابل للشبكات الراجبوتية المسيطرة في راجستان، الذين تبنوا بتزايد ممارسات الطبقة لإجتماعية الهندية العليا. مثلاً، لقد أصبحت الفرقة البرانامية المتأثرة بالإسماعيلية هامة في القرن السادس عشر البونديلخاند، حينئذ حكمها البوندل الراجبوت.
32 بعد ذلك، ما هي طبيعة التأثيرالإسماعيلي على تاريخ جماعات من هذا النوع؟ هل يمكن إيجاد إشارات في مؤلفات الأراجيز؟
5- إن المجال الأخير والأقل استكشافاً في المقارنة الممكنة هو علاقة المدونات الساتبانثي مع الأدب السنسكريتي المعاصر، وبخاصة البوراناس.
33 بينما يبدو أن عالم الأدب الساتبانثي ومعتنقيه انتموا إلى عالم غير العالم السنسكريتي، مع ذلك ثمة صلات مع التقليد السنسكريتي الذي لم يشرح بعد. كيف جرى دمج شخصيات هامة من أدب البوراناس السنسكريتي بلهجاتها المتنوعة في جنوب آسية بأدب الجنان والساتبانثي؟ إن أكثر هؤلاء شهرة هو شخصية الكلكي أو نسكالانكا أوتارا التجسدات، أوتارا تجسد العاشر الطاهر الذي يرى دائماً في المؤلفات الساتبانثية بأنه القائم أو المخلص. شخصية الكالكي أو نيكالانك - مقوم الأخطاء، والمحارب الصنديد – متجانسة مع شخصية الإمام علي المخلص في التقليد الإسماعيلي.
يوجد عروض كلكية لحواشي منحوتة في كوجرات من القرنين الثاني عشر والثالث عشروالعديد من النقوش تعود إلى تشولوكيا حاكم أجيابالا بصفته نسكالنكا (التجلي العاشر الطاهر).
34 تشرح شخصية الكالكي في بوراناس الفيشنا بما فيها ذلك تراكم الكالكي بورانا. ثمة مجال للبحث لاستكشاف فيما إذا كانت مقاطع من هذا النص كتبت استجابة لتفصيل شخصية الأوتار البورانية قامت به الجماعات المرتبطة بالساتبانثية. وتوجد شخصيات هامشية أخرى أيضاً من الأساطير البورانية مثل برهالاد وهريشاكاندرا بانتظام في النصوص الساتبانثية. ماذا تمثل هذه الشخصيات في التقليد الساتبانثي ؟ لماذا اختيرت هذه الشخصيات المحددة وتم دمجها؟
إن أهمية النفوس الشمسية في المؤلفات الساتبانثية وبخاصة تلك المنسوبة للبير شمس تستحق بحثاً أعمق. تشمل نقوش من هذا النوع سيطرة بير شمس على الشمس، اسم شمس(على اسم الشمس) وتحالفه مع سورجاديف (سورجا = سوريا بالسنسكريتية). في الفترة ما قبل النزارية ثمة احتمال أن يكون بعض عبدة الشمس قد تحولوا إلى العقيدة الإسماعيلية في السند الأعلى.
35 كان هذا تقريباً معاصراً لأثر دخول عبادة الشمس إلى الهند منذ القرن الثامن.
36 إن الإشارات في التقليد الإسماعيلي لعبادة الشمس تشير إلى الضبط والسيطرة على تقليد عبادة الشمس، كما شُهدت في سيطرة بير شمس الدين على الشمس أو على الأقل شكلاً من الرضى بها. إن الإشارات إلى تقليد عبادة الشمس قد تشتمل موضوعات من بهافيشيا أو سامبا بوراناس شُفرت في مؤلفات كمذَكِرٍ بالطرف المقابل للإسماعيلين.
إن بوراناس ذات قيمة محددة للمقارنة مع التقليد الساباتناثي تتضمن بعض البورانية الفيشنية التي تبرز أوتار فيشنو، خصوصاً كالكي، والبوراناس المتعلقة بعبادة- الشمس، بما فيها بهافيشيا البورانا والسامبا بورانا. تعالج الفقرة الأولى من بهافيشيا بورانيا عبادة الشمس، مستعيرة على الأغلب من السامبا بورانا.
37 من المحتمل أن تكون الفقرة الثالثة المكتوبة في أوائل القرن التاسع عشر، مجموعة مختلطة من الموضوعات التي تتضمن سفر التكوين التوارتي، والإمبراطورية المغولية والحكم البريطاني وأساطير وتراجم شيوخ الطوائف من الشنكارا ورامانوجا إلى كبير ورياداس.
38 كانت مجموعة المؤلفات البورانية ذاتها قيد الجمع طوال هذه الفترة (استمر جمع إلى النصوص الأساسية حتى القرن العشرين)
39 بما أن بعض مؤلفات البوراناس جُمعت استجابة للانقسامات الطائفية، وظهور شبكات الحج فمن المعقول أن تكون بعض الفقرات كتبت استجابة لظهور التأثير الساتبانثي في جنوب آسية.
الخلاصةإن تاريخ الإسماعيليين في جنوب آسية في العصر الوسيط لايمكن عزله عن تاريخ التغييرات الدينية والسياسية في المنطقة. في الواقع، قد يكون الإسماعيليون قد قاموا بدور العالم المساعد في تغيير من هذا النوع، خصوصاً في غرب الهند. فالمجموعات الإسماعيلية غالباً ما ناوئتهم سلطات الدولة المسطيرة ووصمتهم باعتبارهم متمردين، وقامت هذه السلطات بجهود مستمرة لتطبيق معايير شكلية عليهم. تمثل مؤلفات معينة من التقليد الساتبانثي والجماعات المتحالفة معه تاريخاً من النضال المكثف من أجل البقاء حيث السلطة والموارد في موقف سياسي عدائي. تعرض مؤلفات أخرى، بقصصها عن التحول واليقظة الصوفية وكتابة الجوكيز والدعاة المنافسون جهوداً لكسب الأتباع وتحييد الخصوم وإيجاد رعاة داعمين. في حين تظهر مؤلفات أخرى كيف بقيت الجماعة متماسكة أمام الاضطهاد والتشتيت عبرالإستنجاد بالتقاليد والأدعية الرموز المشتركة.
إن التجمعات الإسماعيلية في جنوب آسية لما قبل العصر الحديث تماثل طبقات المجتمع الديني الذي مر عموماً بعيداً عن أنظار الهويات الدينية القوية سياسية مثل الهندو وفيدك والسنية ... إلخ. لقد ظهر الإسماعيليون فقط في التواريخ العامة حين فرضوا تحديات سياسية. هذا التجمع الديني الذي كان الساتبانث جزءاً حيوياً منه، يمكن أن يسفر عن كونه مؤثراً في خلق التجمع الديني في جنوب آسية كدين رسمي. لقد كان حصرياً وشاملاً في الوقت نفسه – بينما كانت البداية الحقيقية محددة بحذر كانت شموليته ظاهرياً مدعومة. كذلك المؤلفات شملت صيغاً متعددة: فمن ناحية تمثل الحصرية وعضوية الجماعة، وجللت بسرّية، ومن ناحية أخرى فقد اشتهرت على نطاق واسع واستعارت وعدَّلت لتلبي حاجات الجماعة . لقد اختلفت إقليمياً، مع أن موضوعاتها عرفت عابرة للإقليمية. حددت هذه الألفة والحصرية المتناقضة ظاهرياً ثقافة شمال الهند الدينية حتى أكثر من التقاليد الرسمية. ربما تسفر الممارسة الدينية الحديثة والشائعة وحتى الرسمية في جنوب آسية عن أنها تطورت من خلال التثاقف مع الساتبانث.